الهوية الجماعية والهوية الفردية وترتيب الأولويات

الغازي لكبير – أغبالو

بعيدا عن الخوض في المفاهيم والتعاريف الفلسفية، يمكننا مقاربة الهوية انطلاقا مما يعكسه الواقع المعيش ويرسمه من ملامح لهذا المفهوم نظرا لارتباطه الوثيق بالثقافة واللغة والاعتقاد (أو عدمه) واستحالة فصله عن السلوك و المظهر. في اعتبارنا توجد هويتان رئيسيتان، الهوية الجماعية من جهة والهوية الفردية من جهة ثانية. فالهوية الجماعية أو المشتركة هي ما تتقاسمه مجموعة من الأفراد من قيم وانتماء بينما الهوية الفردية هي ما يخص الفرد من مميزات ويجعله مخالفا لغيره. وسواء كانت فردية أو جماعية، فهي تُؤَسس على الذاكرة والتاريخ ويحددها المجتمع مباشرة عبر التنشئة الإجتماعية أو بطريقة غير مباشرة عبر العلاقات التي ينسجها الفرد مع غيره. وتتكون كل واحدة من هاتين الهويتان من هويات فرعية متنوعة مثل الهوية الدينية بحيث أن الهوية الوطنية المغربية مثلا تضم الذي يتدين بالدين الإسلامي وباليهودي وبالمسيحي وكذلك مَن لا دين له، وهي هويات فرعية مختلفة بالرغم من أنها تدخل في هوية جماعية واحدة التي هي الهوية المغربية. نجد كذلك الهوية اللغوية بحيث أن مِن بين المغاربة مَن يتحدث بالأمازيغية ومنهم من يتحدث بالعربية الدارجة ومنهم من يتحدث لغة أجنبية دون أن يُستثنى أحدهم من الهوية الرئيسية الجماعية المغربية. كما يمكننا التمييز كذلك في الهوية المجالية بين سكان الجبل وسكان السهل، وبين سكان الهوامش وسكان المركز وبين سكان المجال الحضري وسكان المجال القروي… هويات فرعية عديدة ومختلفة تتفاعل وتتصارع بينها من أجل الخلوص إلى هوية رئيسية جماعية أو فردية بمميزات تختلف من جماعة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر وفق درجة تأثير كل عنصر (هوية فرعية) من العناصر المكونة للهوية الرئيسية نتاج التفاعل.

ويتصرف كل فرد وكل جماعة وفق هذه الهوية، بحيث أن المغربي الذي يغلب على هويته الفردية الجانب العلمي العقلي يكون أقرب إلى الهوية العلمانية من الهوية الدينية ويكون المغربي نصرانيا عندما تكون الهوية الفرعية المسيحية هي الأكثر تأثيرا على مختلف الهويات الفرعية المشكلة لهويته الفردية.

من هذا المنطلق، يمكننا تحديد الهوية الفرعية الأكثر تأثيرا عند كل شخص فقط انطلاقا من ترتيب الأولويات التي يقول بها ويدافع عنها. فما وُضِع في مقدمة الأولويات وما يتم إظهاره وإبرازه يعبر عن قوة الهوية الفرعية المتصلة به ودرجة تأثيرها في الصراع بين مكونات هويته الشخصية. وما يسميه البعض “أسلوبا تكتيكا مرحليا” ليس إلا تبريرا لقناعة لا يستطيع التصريح بها علانية. يلجأ إلى كلمة “تكتيك” هذه كعذر من أجل تعليل سلوك ناتج عن غلبة هوية فرعية يحبذ عدم الكشف عنها تفاديا للإحراج أو حفاظا على مكسب أو رغبة في منفعة. فمن يدعي الدفاع عن الأمازيغية مثلا ولا يضعها في صدارة أولوياته، وينصرف إلى أمور أخرى قد تؤخر تنمية الأمازيغية لعقود إضافية يكون قد وقع ضحية لعوامل معينة جعلت من هوية فرعية معادية للأمازيغية قطب هويته الفردية. وبتأثيرها على المكونات الأخرى المتفاعلة أرجأت الأمازيغة والإهتمام بها إلى وقت لاحق بالرغم من استمراره في القول بها والحديث عن الدفاع عنها، في أفعاله وتصرفاته يوجد شيء غير الأمازيغية له الأسبقية و الأفضلية. سنسوغ مثالا لهذا التعامل مع الأمازيغية ببعض المناضلين في الحركة الأمازيغية، مثال أولئك الذين جعلوا من “تمغرابيت” مرادفا ل”تمازيغت” والسبب في إقدامهم على مثل هذا الفعل هو تأثير هوية فرعية معادية للأمازيغية في هويتهم الفردية والجماعية على السواء. على نهج هؤلاء، بدرجات متفاوتة، سار الذين يقايضون الهوية الأمازيغية بمناصب في الأحزاب. سنكتفي بالنموذجين المذكورين لأن أمثلة تلوين الهوية الفردية أو الجماعية بلون عنصر –هوية مؤثر في العناصر الأخرى كثيرة جدا.

وفي الختام، عندما يشعر شخص (أو تحس جماعة) باحاسيس تقربه أو تبعده من هوية معينة، فإنه يختار أن ينخرط بمحض إرادته في السياق ويتصرف وفق ما يراه مناسبا لمنظوره ومنسجما مع تصوره. ولا يجوز أخلاقيا الاختفاء والتستر وراء تبريرات سيكشف الزمن بسرعة عدم وجاهتها.

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *