الوطن القبيلة والوباء..!!

محيي الدين حجاج

بمجرد إعلان السلطات عن عزمها ايقاف التنقل بين المدن حتى سارع المغاربة الى هجرات واسعة رجوعا إلى قبائلهم تحت مسمى ” نرجع للبلاد ” !!

هذه الظاهرة تتكرر دوما و باستمرار عند كل مناسبة دينية كبرى و جاء الوباء لتأكيدها.. المغاربة لا زالوا يعيشون القبيلة في وجدانهم و تلهج بذكرها ألسنتهم دوما و يكفي أنك بمجرد تبدو لكنتك غريبة لدى الآخر حتى يبادرك بالسؤال ( منين انت فالخوت؟! )

ان القبيلة كنظام اجتماعي و سياسي أفرزته التربة المغربية منذ قرون طويلة لا يمكن محوه بجرة قلم و مسطرة من أولي الأمر المتخصصين في التقطيعات الترابية.. إن القبيلة التي حارب بها المغاربة كل الغزاة من الأجانب لا يمكن أن تمحى من ذاكرة ووجدان هذا الشعب في ظرف قرن او قرنين.. فإن كان نظام الحماية قد نزع سلاح القبائل و أخضعها للمركز عنوة.. و إن كانت دولة ما بعد الحماية سارت على نفس النهج التذويبي و بناء دولة مركزية عنوانها ( سير للرباط ) فإن الواقع يؤكد قصور هذه الرؤية عند أول امتحان..!!

إن القبيلة بما هي بناء اجتماعي لعب أدوارا متعددة تميزت بالمد و الجزر حسب خصوصيات كل مرحلة فهي لا زالت تحافظ على راهنيتها كنواة لأي بناء وطني مستقبلي ينطلق من ( الجزء / القبيلة ) إلى ( الكل / الوطن ) و ستختصر البلاد بذلك الكثير من الجهد و الطاقة الذي تهدره في محاولة تفكيك النظم الإجتماعية التي ترسخت في وجدان الشعب و ذاكرته الجماعية..!!

إن الإبقاء على الأفراد قريبين ترابيا من قبائلهم و توفير ما هاجروا من أجله من عمل و تطبيب و تمدرس قرب مضاربهم و محاولة بناء نموذج تنموي و مجتمعي بعيد عن استراتيجية التفكيك و إعادة البناء سيجعل الدولة معفية مستقبلا من أن تجند كل هذا الكم من الموارد البشرية و اللوجستيكية كي تمنع الناس من ركوب الخطر للوصول الى قبائلهم في أوقات الشدة..!!

و القبيلة هنا ليست بمفهومها القدحي الذي الصقته بها النخب المدينية التي كانت لها اليد الطولى بعيد الإستقلال في تشويه كل ما يمت للقبيلة بصلة بل و جعلتها مرادفا للفتنة و القلاقل ضمانا لتفتيتها و جعلها قابلة للخضوع و الهيمنة..!!

بناء الوطن يبدأ اولا من رد الإعتبار للبنته الأولى ممثلة في القبيلة مع تجويد أدوار هذه الأخيرة و عصرنتها وليس تفكيكها بالمجمل و تعويضها بكيانات فوقية سيبقى المواطن نافرا منها ساعيا للإفلات منها متى أتيحت له الفرصة..!!

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *