على هامش المائدة المستديرة التي نظمتها جريدة «العالم الأمازيغي» بمدينة بني انصار – إقليم الناظور، يومه 27 أبريل 2024، بشراكة مع “مؤسسة محمد الخضير الحموتي لحفظ ذاكرة الريف وشمال افريقيا”، و”مؤسسة مارتشيكا للتنمية المستدامة والثقافة” وبتنسيق مع “فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير” ببني انصار، نشاط تناول موضوع «مساهمة المغرب في تحرير الجزائر”، كان لنا حوار مع الباحث والأستاذ اليزيد ادريوش، وهذا نصه:
-
-
-
-
- حزب الاستقلال كانت مهمته تصفية شخصيات المقاومة المغربية
- الخضير الحموتي وهب حياته وماله لجيش التحرير والثورة الجزائرية
- أملاك الحموتي العقارية كانت في خدمة جيش التحرير الجزائري
-
-
-
حدثنا قليلا عن شخصية محمد الخضير الحموتي؟ وعن دوره لدعم الثورة الجزائرية؟
محمد الخضير الحموتي من مواليد 1934 بمدينة بني انصار، ومع بداية ظهور المقاومة في المغرب، وجيش التحرير في مثلث الموت بمنطقة اكزناية، قدم الشيء الكثير لهما، من سلاح، أغطية، أدوية وكذلك دعم مالي سخي، كما ربط علاقات مع مجموعة من الداعمين لثورة جيش التحرير، ونفس الشيء بالنسبة للثورة الجزائرية سنة 1954، إذ كان من الأوائل الذين قدموا لها الدعم، لا من حيث السلاح، عبر البحر والبر، وربط مجموعة من العلاقات مع العواصم الأوروبية التي كان الخضير الحموتي يشتري منها السلاح ويرسله إلى الجزائر عبر الريف، كما عرفت سنة 1955 وبالضبط بمنزله ببني انصار زيارات من كبار قادة الثورة الجزائرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر أحمد بن بلة، محمد بوضياف، العربي بن مهيدي، عبد العزبز بوتفليقة، علي كافي وعبد الحفيظ بوصوف وغيرهم.
ما هو الدور الذي قام به محمد الخضير الحموتي لدعم الثورة بالجزائر؟ وكيف تأثرت بمساهماته في الميدان العسكري والسياسي؟
في الحقيقة محمد الخضير الحموتي كانت له أدوار عديدة، منها ما هو دبلوماسي، إذ أنه كان يمثل الثورة الجزائرية في الخارج، وذلك نظرا لإتقانه لمجموعة من اللغات كالعربية، الاسبانية، الألمانية والانجليزية إضافة للفرنسية، وكان ممثلها في مجموعة من العواصم الأوروبية، كما كانت مجموعة من أملاكه العقارية في خدمة الثورة الجزائرية، كمنزله الذي في مدينة بني أنصار بإقليم الناظور، الذي احتضن أولى اجتماعات قادة الثورة الجزائرية التي انبثقت عنها الحكومة المؤقتة الجزائرية، وفندق السلام، إضافة لفندق يعرف في مدينة الناظور ب»أفخم أوطيل»، هاته البنايات كانت في خدمة الثورة الجزائرية وثوارها، ولا ننسى أنه كان من أكبر موردي السلاح للثورة، حيث أنه من سنة 1955 إلى غاية 1957 كان المسؤول إلى جانب عمر بوداوود المعروف ب «السي منصور» بنقل السلاح وتهريبه من منطقة الريف الى الجزائر.
وفي سنة 1957 حينما أنشأت فرنسا خطين مكهربين لمنع مقاتلي جبهة التحرير الوطني من دخول المستعمرة الفرنسية في الجزائر عن طريق تونس والمغرب، هذان الخطين المعروفين بخطي «موريس» و»شال»، مما منعا نقل السلاح من الريف للداخل الجزائري، وبذلك عوضت بمجموعة من الرحلات البحرية، انطلاقا من مدينة بني انصار إلى مدينة الغزوات بالجزائر، وكانت بمقدار رحلتين في الأسبوع وبكميات تصل أحيانا بين 500 و700 قطعة سلاح، وهذه المعلومة تحدثت عنها المؤرخة الجزائرية سعيدي وهيبة في كتابها «الثورة الجزائرية ومشكلة السلاح»، وله يعود الفضل كذلك بربط قادة الثورة الجزائرية، خصوصا محمد الصديقي، وعمر بوداوود، بعلاقات مختلفة مع مجموعة من موردي السلاح، كالألماني جورج بوتشر، والأرجنتيني كارلوس محمود، ومجموعة أخرى من تجار السلاح.
إذ كانت الثورة الجزائرية تعتمد بشكل كبير على الخضير الحموتي، وهنا يكفي أن نورد مقتطف من رسالة بعث بها الرئيس الأسبق «محمد بوضياف» إلى أحد رجالات المقاومة بالريف وأحد رفاق الحموتي يقول فيها «يا حمدون شوراق (مخاطبا هنا صديق الخضير الحموتي)، إذا لم بأثينا السلاح في أقرب وقت، سوف نفنى..)، وهنا يتبين أن الاعتماد على السلاح الذي كان يورده الحموتي إلى الجزائر، كان يعتبر بمثابة حياة أو موت للثورة، خصوصا بعد ما أغلقت الحدود البرية بخطي موريس وشال، كما كانت له علاقات مع مجموعة من الدول الأوروبية والشخصيات المغربية، إذ أنه في إحدى صوره الملتقطة قرب الأهرامات بمصر، ربما كانت له علاقات وزيارات لمنزل محمد ابن عبد الكريم الخطابي، هذا الأخير المعروف عنه، أنه كان يرسل السلاح من مصر إلى الناظور، ومنها كانت تبعث إلى داخل التراب الجزائري.
هي أدوار لابد أن يكون لها التأثير من داخل الثورة الجزائرية، وأكثر من ذلك الخضير الحموتي، ينحدر من عائلة تعتير من أثرياء شمال المغرب، وبفضل نباهته استطاع اقناعهم ليصطفوا لجانبه لتكوين لوبي بالناظور وعموم المغرب دعما للثورة الجزائرية وتقديم الدعم الغزير لها.
ما هي العقبات التي واجهها الحموتي أثناء دعمه للثورة؟ وكيف تعامل معها؟
معروف على الخضير الحموتي شجاعته الكبيرة وجرأته المفرطة، وهذان العاملان جعلت من اسبانيا تنظر إليه بعين الريبة، واعتبرته عنصر خطير بالمنطقة، لتعتقله سنة 1955، وتودعه سجن مليلية، الأمر الذي لم يستسغه الحموتي وخلق له مشكلة كبيرة، ومنعته من استئناف دعمه لثوار الجزائر، وبعد تدخل بعض أعيان المدينة لدى المقيم العام الإسباني، تم الإفراج عنه.
أي الفترة ما بين 1955 و1956 كانت اسبانيا المعرقل الرئيسي لأنشطة محمد الخضير الحموتي التحررية،
وبعد الاستقلال، واجه الحموتي ما بين 1956 و1962 عراقيل عدة من طرف بعض الحركات السياسية بالمغرب، كحزب الاستقلال الذي كان يمنع أي دعم للثورة الجزائرية، بل ويصفي أحيانا شخصيات المقاومة، إذ تم تصفية حدو أقشيش، إبراهيم القاضي وعباس لمساعدي، وربما كان محمد الخضير ضمن اللائحة التي تم تصفيتها، هذا إلى جانب القيود والحصار المفروض على المنطقة التي كان يسيطر عليها الاستقلاليون أواخر الخمسينات من القرن الماضي.
باستثناء هذه العراقيل، كانت جل ساكنة المنطقة تقدم له المساعدة من أجل خدمة الثورة الجزائرية.
ما هو مصير المقاوم الحموتي بعد استقلال الجزائر؟
هو مصير لا يزال لغزا، وتؤكد بعض الشهادات من طرف عائلته، أنه لما سافر إلى الجزائر في 1963 بعد اندلاع حرب الرمال قصد الوساطة من أجل حل الخلاف، وتهدئة النفوس، نظرا للعلاقة الجيدة التي تربطه بقيادة الجزائر الجديدة الذين كانوا رفاقه بالأمس، وأنه كان ينزل عند إحدى عماته من أبيه، التي تقول في إحدى تصريحاتها، «أنه في إحدى صباحات الجزائر، جاء إليه وفد جزائري برفقتهم وزير الداخلية الأسبق في عهد عبد العزيز بوتفليقة، دحو ولد قابلية، ثم غادر برفقتهم، ومن حينها اختفى ولم يعثر له على أثر إلى يومنا هذا».
إذ أن هواري بومدين معروف بتصفيته لجميع رفاقه في الثورة السابقين ككريم بلقاسم، محمد خيضر، محمد الشعباني وأكثر من ذلك هناك كتاب لأحد المجاهدين وهو عبارة عن مذكرات للمجاهد لخضر بورقعة الموسوم ب «شاهد على اغتيال ثورة»، يقول فيه، أنه في سنة 1967 لما ألقي القبض على الطاهر زبيري وعلى لخضر بورقعة، إثر انقلابهم الفاشل على الهواري بومدين، وايداعهم سجن سيدي بومدين العسكري، المعروف بسجن الغواصة نظرا لتواجده بقرب البحر بمدينة وهران، يورد أن جل نزلاء هذا السجن هم ريفيون، سبق أن خدموا الثورة الجزائرية، وأنه تمت تصفيتهم جميعا، وذنبهم الوحيد أنهم شاركوا بالثورة، وكانوا محسوبين على الحكومة المؤقتة، أو قيادة الداخل أي رفاق عبان رمضان، عميروش ورفاق السي عثمان، هذا إن لم يكونوا من الريفيين الذين رفضوا الدخول في حرب الرمال سنة 1963، ومن الذين كان لهم ولاء لأحمد بن بلة، ولم يعلنوا ولاءهم للهواري بومدين، وربما هذه المجموعة التي تمت تصفيتها بأوامر الهواري بومدين في هذا المعتقل، قد يكون من بينهم الخضير الحموتي.
وفي كتاب آخر للصحفي والباحث الشريف عبد الدايم المعنون ب «عبد الحفيظ بوصوف»، يعطينا إشارة على أن المخابرات الفرنسية إلى حدود 1977 كانت تصفي أصدقاء الثورة الجزائرية.
بالإضافة إلى جهة أخرى مهمتها تصفية المقاومين المغاربة، وشيدت مجموعة من المعتقلات عذبتم فيها، ونقصد هنا حزب الاستقلال، الذي سبق له أن صفى حدو أقشيش، إبراهيم القاضي وعباس لمساعدي، كما قلت سابقا، وربما كان محمد الخضير ضمن لائحتهم أيضا.
هي سيناريوهات ثلاث لأطراف رئيسية، يفترض أنها متورطة في اغتيال الخضير الحموتي. لكن، يبقى اللغز معرفة من كان وراء اغتياله!!.
ما هي الدروس المستخلصة من دور الحموتي في الثورة الجزائرية؟
نستحضر مبدأ تاريخي لمحمد بن عبد الكريم الخطابي مفاده، أن أي مكان فيه ظلم نحن جاهزون لمحاربته، وأي مكان فيه حرية نحن جاهزون لمساندته، وكذلك كان مبدأ الريفيين من أمثال محمد الخضير الحموتي، حمادي الغازي، ميمون لمريني، مسعود بودشيش، بنحدو أحمد بوحجار المعروف ب «السي عثمان»، كلهم لبوا نداء الجهاد من أجل الدفاع عن شمال افريقيا.
ومن الدروس المستخلصة أن أي موقف أو مبدأ إنساني يستوجب الحرية، علينا أن نسانده بالغالي والنفيس، وهذه شيمة لدى الأمازيغ عامة، فمثلا نابليون سنة 1812-1814 لما احتل اسبانيا ونصب أخوه جوزيف ملكا عليها، توجه الريفيون إلى اسبانيا لمساندة جيرانهم وحاربوا إلى جانبهم، لدحر الاحتلال الفرنسي، وهنا نستكشف أن الريفي روحه رخيصة في سبيل الحرية وذلك عبر التاريخ.
ومثلما حارب الريفيون نابليون في اسبانيا، حاربوه أيضا في مصر لما احتلها هي الأخرى في القرن 19، دائما الريفيون بالمرصاد لكل شر وأي احتلال غاصب، يسترخصون حياتهم في سبيل الحرية ومن أجل المبادئ الإنسانية والمواقف النبيلة.
حاوره: خيرالدين الجامعي