خصصت مختلف الأحزاب السياسية حيزا مهما، ضمن برامجها الانتخابية، للنهوض بالشأن الثقافي، من خلال التأكيد على أن الثقافة عنصر أساسي في تنمية المجتمع، وتبني خطاب يروم إرساء سياسة ثقافية حقيقية، لا سيما في ظل السياق الصعب الذي فرضته جائحة كوفيد- 19 على القطاع.
وهكذا، أكدت الأحزاب السياسية التي تخوض غمار الاستحقاقات الانتخابية ليوم 8 شتنبر الجاري، على ضرورة تحقيق انتعاش ثقافي عبر اعتماد مخططات وطنية وجهوية طموحة.
وفي هذا الصدد، قامت الأحزاب الأكثر تمثيلية في البرلمان بإعداد أرضيات انتخابية من شأنها النهوض بسياسة ثقافية في خدمة الإبداع وتنمية الشباب والمشاركة في خلق ما يسمى ب”السياحة الذكية”.
ففي برنامجه الانتخابي، وصف حزب التجمع الوطني للأحرار التنوع الثقافي واللغوي بالمملكة بأنه واحد من الأوراش الاستراتيجية للتنمية الوطنية. واقترح، في هذا الصدد، إطلاق برنامج “الفرصة” لتمويل المشاريع ذات الطابع الثقافي، بالإضافة إلى إحداث “جواز الشباب” الذي سيتيح تخفيضات للشباب في مجالات الرياضة والثقافة والترفيه.
وخلال الولاية المقبلة، يطمح “حزب الحمامة” إلى جعل الثقافة عنصرا أساسيا في أي مبادرة فردية أو جماعية لتمكين الشباب. وفي هذا الإطار، يلتزم الحزب بتقديم مخطط وطني للشباب (2022-2032)، يرتكز على عدة إجراءات ترمي بالأساس إلى الإدماج الاجتماعي والثقافي والتربوي والاقتصادي لهذه الفئة المهمة من المجتمع.
كما يطمح الحزب إلى إعطاء دينامية لدور الشباب ودور الثقافة، من خلال اعتماد برامج تستجيب لتطلعات الشباب وتوفير عرض ثقافي ورياضي للقرب متنوع وسهل الولوج ومجاني.
من جهته، أبرز حزب الاستقلال أن برنامجه الانتخابي يتضمن 157 تدبيرا تهدف إلى تنمية البلاد وتعزيز النمو وإنصاف الطبقات الوسطى والشعبية، معتبرا الثقافة بمثابة ركيزة مهمة لإنتاج الثروة وخلق فرص الشغل.
ودعما لذلك، يدعو “حزب الميزان” إلى إصلاح مؤسساتي للقطاع الثقافي، من خلال تحديث آليات الدعم المقدم لقطاعات الكتاب والسينما والأغنية والمسرح والمهرجانات، علاوة على تنفيذ استراتيجية وطنية لتطوير الصناعة الثقافية بالمملكة.
ويتضمن البرنامج أيضا إجراءات تتوخى تطوير المهن الموسيقية، وقطاع الأفلام، والتكوين المستمر في فنون المسرح، بالإضافة إلى إحداث متاحف رقمية.
من جهته، ألحق حزب العدالة والتنمية الثقافة بالخدمات الصحية والرياضة، مؤكدا في برنامجه الانتخابي على أن تثمين الموارد البشرية يمر عبر إصلاح نظام التعليم والتكوين والبحث العلمي، علاوة على تحسين وتعميم الولوج إلى الخدمات الصحية والثقافة والرياضة.
وأعرب حزب العدالة والتنمية، في ما يتعلق بالثقافة، عن رغبته في الإسراع بوضع استراتيجية ثقافية تربط الثقافة بمبادئ الأمة، فضلا عن إرساء أسس صناعة ثقافية، وتنفيذ سياسة ثقافية تسهل الوصول إلى الأماكن الثقافية وتعزز صون التراث الثقافي.
من جهته، يطمح حزب الحركة الشعبية إلى الحفاظ على حقوق المؤلف وتعميم بطاقة الفنان، بالإضافة إلى الترويج للسياحة الثقافية.
ومن خلال تشجيع الإبداع الفني وتعزيز التراث المحلي عبر وضع استراتيجية وطنية متمثلة في “خطة المغرب للثقافات”، يرى الحزب أنه من الضروري دمج البعد الثقافي في السياسات العمومية لتعزيز الاقتصاد الوطني والمحلي.
من جانبه، يقترح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تعزيز دور الثقافة باعتبارها “دبلوماسية ناعمة”، وكذلك توطيد الإصلاح السياسي والمؤسساتي للقطاع، من خلال بلورة استراتيجية وطنية وميثاق للثقافة.
ويراهن الحزب على تنفيذ هذه الإصلاحات، بشكل خاص، من خلال إنشاء جامعة دولية للصوفية، تتجذر في التنوع الثقافي للمملكة والصوفية المغربية، فضلا عن إنشاء “علامة” خاصة بالصناعات الحرفية والمعمارية وفن الطبخ.
كما يهدف الحزب إلى إنشاء مؤسسة مستقلة للنهوض بالإبداع الفني وتعميم دور المغرب على المستوى الدولي، إضافة إلى تنفيذ مشروع وطني للثقافة الجهوية.
بدوره، يعطي حزب التقدم والاشتراكية الأولوية في برنامجه الانتخابي، للتعليم ومكافحة الأمية والصحة والثقافة والبيئة، ويطمح إلى تنفيذ مشروع “مغرب الثقافة” الذي يكرس الدور الاستراتيجي والمحوري للثقافة في المجتمع.
كما يسعى إلى إقرار زيادة تدريجية في الميزانية المخصصة للثقافة بنسبة 3 في المائة على الأقل من الميزانية الإجمالية، بالإضافة إلى التسريع بتعيين أعضاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
يبدو من خلال مختلف البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية، أن الثقافة لا تشكل موضوع انقسام، بل تحظى بمكانتها الطبيعية في السياسات العمومية.
ورغم أن هذه الأحزاب قدمت خطابات مبتكرة تعتمد على مسارات جديدة لإنعاش السياسة الثقافية، فمن الواضح أنها لم تدقق بالقدر الكافي مقترحاتها بخصوص هذا القطاع، على غرار التعليم والتشغيل والصحة التي تعتبر القطاعات الأكثر أهمية.
*صوفيا العوني-ماب