عبد السلام خلفي*
يتحدث السوسيولسانيون عن عدة مراحل تمر منها أي لغة سائرة في طريق الانقراض؛ ويمكن لنا في هذا الإطار التمييز بين المراحل التالية:
1- مرحلة الاستبدال: ونقصد بها استبدال لغة بأخرى؛ وهي مرحلة عادة ما تبدأ عندما تقرر الدولة أن تجعل من لغتها الأثيرة لغة المؤسسات؛ وعملية الاستبدال هنا، كما هو واضح، تأتي من الأعلى إلى الأسفل، ذلك لأن الدولة تفرض لغتها، بما تملكه من سلطة، بخلق الحاجة إليها، مما يفرض على المواطنين اللجوء إليها من أجل تحقيق الوظائف المؤسساتية والاجتماعية والثقافية التي كانت تقوم بها لغتهم الأصلية. وفي هذه الحالة تصبح اللغة الأصلية أو لغة الشعب تعيش بداياتها الأولى في سيرورة الاختناق، إذ في أحسن الأحوال تُصبح هذه اللغة مجرد لغة البيت والعلاقات بين الأصدقاء والأفراد الذين ينتمون إلى نفس الجماعة اللغوية أو لغة الأهازيج إلخ.
2- مرحلة الثنائية اللغوية: وهي المرحلة التي تتخذ فيها الثنائية اللغوية اتجاهاً واحداً، بمعنى أن الأشخاص الذين سيكونون ثنائيي اللغة (اللغة الأم ولغة الدولة المفروضة) هم فقط أولائك الذين لا تتمتع لغتهم بأي حظوة مؤسساتية؛ فنظراً إلى أن الدولة أوهمتهم بالحاجة الملحة التي لهم تجاه اللغة المهيمنة، فإنهم يجتهدون لتعلم هذه اللغة ذات الحظوة ويعلمونها لأبنائهم، في حين يعتبر أولائك الذين تشكل لغة الدولة لغتهم الأم أنهم في غير حاجة إلى اللغة الأخرى (المُهيْمَن عليها) التي لا وظائف مؤسساتية لها، مما يجعل منهم في الغالب أشخاصاً أحاديي اللغة أو أشخاصاً يتكلمون لغة الدولة إلى جانب لغة / ـات أجنبية. والخطير في هذا أن المواطن الثنائي اللغة سوف يتجه بسهولة (إن لم يكن واعياً بالمقلب) إلى الاستعمال المفرط للغة الثانية (لغة الدولة أو اللغة المهيمنة) عندما يتعلق الأمر بملء الوظائف ذات الطابع المؤسساتي وذات الطابع التواصلي عبر وطني أو عبر إتني، بل ويعلمها للأبناء، وأما بالنسبة للغته الأم / الأصلية فإنه يميل في الأخير إلى استعمالها في وضعيات لا شكلية (المنزل، الأصدقاء إلخ) إن توفرت الظروف لذلك…
3- مرحلة انقراض اللغة: نظرا لعمليات الاستبدال التي وقعت على اللغة الأم أو اللغة الأصل، ونظراً إلى أن هذه العملية تؤدي إلى الثنائية اللغوية في اتجاه الاستعمال المفرط للغة الدولة على حساب اللغة الأم أو اللغة الأصلية، ونظراً إلى أن هذه الثنائية تشكل حاجزاً خطيراً أمام إمكانية نقل اللغة الأصلية إلى الأبناء، مما يؤدي إلى ضعف استعمالهم لها بسبب عدم إتقانهم لها مثل الآباء والأجداد، ونظراً إلى أن الفئات الشعبية التي لغتها الأم هي لغة الدولة أو إحدى مشتقاتها تستنكف عن تعلم اللغة الأصلية، ثم نظراً كذلك إلى أن هذا المنحى يؤدي إلى تركيب عقدة النقص في نفوس المتكلمين باللغة الأصلية المهيمَن عليها، فإن النهاية ( في ظل غياب القوانين الحامية)، هي انقراض هذه اللغة. هذا هو القانون.
فما هو موقع الأمازيغية من كل هذا؟
لكم فقط أن تستنتجوا…
* مدير مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية