بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لانطلاقة جيش التحرير بالريف، ارتأيت أن أتناول في المحاضرة التي قدمتها يوم الجمعة 02 أكتوبر، والتي تندرج ضمن سلسلة محاضرات حول “إيمازيغن والسياسية”، موضوع “العمل السياسي الأمازيغي وجيش التحرير.. أية علاقة”، وكما خلصت في المحاضرة الأولى، فأن الأقلية هي من يحدد مصير البلد عبر العملية الانتخابية، أي حوالي خمسة ملايين ناخب فقط، بينما ان الأغلبية أي ما يزيد عن عشرين مليون شخص لا يشاركون في الاستحقاقات الانتخابية، وأغلبهم من الامازيغ او على الأقل الذين يحملون حسا وطنيا أمازيغيا، الذين يعتبرون السياسة لا تلبي طموحاتهم ولا تحقق انتظاراتهم، الا ان العكس هو الحاصل ذالك أن نتائج مقاطعة الانتخابات أو العزوف عن الممارسة السياسية هي التي تؤدي إلى هضم حقوق الامازيغ و تجاهل المطالبهم، حيث إن الأحزاب السياسية المعادية للأمازيغية، حين تحصل على أصوات اغلبية الناخبين التي لاتتجاوز 5 مليون ناخب تعمل على عرقلة الأورش أمازيغية في الحكومة كما في البرلمان.
طرحت كذالك سؤال “مدى تحقيق الحركة الثقافية الامازيغية داخل الجامعة، للاستمرارية الفكرية والسياسية لجيش التحرير؟”، ذالك أن الـمكون الطلابي الأمازيغي يعتبر نفسه امتدادا لجيش التحرير، والحقيقة أن هناك فارق زمني وأجيال كثيرة تفصل الجيل الحالي من مناضلي الحركة الثقافية الامازيغية بالجامعات وأجدادهم من أعضاء جيش التحرير، كما أسجل تناقضا أو لنقل ضعفا كبير في تمتل الحركة ومناضليها لمعنى الامتداد الفكري والسياسي لجيش التحرير، أو على الاقل في حجم العمل الذي يتطلبه ذلك، من بحوث اكاديمية، علمية، تاريخية، فكرية وسياسية وندوات وأنشطة حول تاريخ جيش التحرير، وزعمائه وقاداته وفي مقدمتهم القائد عباس المساعدي ، إذ لا تعمل الحركة الامازيغية وسائر التنظيمات المنضوية تحت لوائها على الاحتفال بشكل جماعي محلي او جهوي او وطني لذكرى انطلاقة جيش التحرير أو للمعارك البطولية التي قادها جيش التحرير ضد الاستعمار، إنما يتم ذلك بشكل فردي و محتشم في غالب الاحيان، مقارنة مع حجم وطبيعة وقوة الشخصيات والأحداث موضوع النقاش.
إن من بين ما يثير الاستغراب في المغرب هو أن من حملوا السلاح لطرد المستعمر، همشوا وأقصوا وأُبعدوا عن التسيير وعن الحكم، على خلاف أغلبية الدول الإفريقية مثلا، التي تحررت من الاستعمار وقادها فيما بعد المقاومون وقادة جيوش التحرير فيها، المفارقة العجيبة، في المغرب هي استعراض تمثال الجنرال ليوطي، المقيم العام الفرنسي بالمغرب، وسط مدينة الدار البيضاء، بالمقابل لن تجد تمثال محمد بن عبد الكريم الخطابي، أو عسو اوبسلام، أو محمد الشريف امزيان أو موحا اوحمو أزيان وزعماء وقادة المقاومة وأبطال جيش التحريرحتى في مساقط رأسهم، و الأكثر غرابة في نفس الاطار هوان السلطات، في مدينة الرباط، ستعمد لإزالة اسم قبيلة مغربية أمازيغية كبيرة “ايت يزناسن”، التي لعبت دورا كبيرا في معركة “ايسلي” وحالت دون دخول الاستعمار العثماني/التركي للمغرب، وتعويضه باسم المهدي بن بركة الشخصية المثيرة للجدل، بخصوص دوره في التضييق على جيش التحرير، بل اعتبره عدد من المؤرخين المسؤول الاول في استدراج واغتيال قائد جيش التحرير عباس المساعدي، وقد سلطنا الضوء في جريدة “العالم الامازيغي” غير ما مرة على هذه القضية، بمساهمة عدد من المؤرخين والباحثين، وأخص بالذكر المرحوم الدكتور”زاكي مبارك” حيت قدم لنا وثائق سرية قديمة تعود للسفير الفرنسي آنذاك بالعاصمة الرباط “اندري لويس دوبوا” والتي يصرح في إحداها (الوثائق) بالدور المحوري للمهدي بن بركة وعلال الفاسي في عملية اغتيال عباس المساعدي.
حيث أرسل “أندري دوبوا” (A. Dubois) أنذاك مباشرة بعد عملية الاغتيال إلى السيد “سافاري” (Savary) كاتب الدولة في الشؤون المغربية والتونسية تقريرا حول تورط المهدي بن بركة في الاغتيال، يقل فيه: “ووفقا لأخبار من مصدر جيد، فإن الاعترافات التي أدلى بها حجاج، رئيس عصابة، اعتقل في أعقاب اغتيال عباس، تلقي الضوء على الدور الذي قام به في الشهور الأخيرة عناصر من حزب الاستقلال، وليس من هم دونهم، الأمر يتعلق بعلال الفاسي والمهدي بن بركة.وكانت نيتهم، من خلال حملة دعائية واللجوء عند الاقتضاء إلى التصفية الجسدية للخصوم، إخضاع جيش التحرير لإرادتهم وحشد كل الإمكانات الضرورية لفرض إرادتهم في الوقت المناسب على القصر والحكومة .
وكان دور المهدي بن بركة في اغتيال عباس ثابتا إلى درجة تفكير القصر في لحظة معينة في اعتقال السكرتير العام المساعد لحزب الاستقلال، لكنه عدل عن ذلك لكي لا يثير أزمة داخلية سيكون من تداعياتها انفجار الحزب وإعادة تجمع القوى المعادية للحكومة، وهكذا فإن الاتجاهات النّابذة لحزب الاستقلال –التي والتي كانت موضوع برقيتي رقم: 2283- نمت باضطراد، وزادت الهوى اتساعا بين الجناح المقرب من الشرق والذي يبحث عن ضالته في القاهرة، وبين الجناح المقرب من الغرب والذي يجسده بلافريج”.
وهذا ما يفسر اندلاع انتفاضة أو أحدات 58/59، خاصة بعد تهميش الريفيين من طرف الحكومات التي جاءت بعد الاستقلال، والسخط العارم الذي نتج عن ذلك من طرف من حمل السلاح وقاتل ضد الاستعمار وقدم تضحيات عظيمة ليجد نفسه مقصيا و مهمشا و محاصرا من جديد من قبل أبناء وطنه.
ونفس ما أشار إليه “عبد الله الصنهاجي” في مذكراته بعنوان ” في تاريخ حركة المقاومة وجيش التحرير”، عوض أن يتم إشراكهم في الحكم وإدارة البلاد التي ناضلوا من اجل حريتها، أرسلوا لهم الجيش لفض حركة الريف ومقاومتها، وحتى بعدما انتظرنا طويلا لكي يتم إنصاف الريف وجيش التحرير من طرف هيئة الإنصاف والمصالحة وإقرار حقيقة ما جرى من تعذيب واغتيالات لأعضاء جيش التحرير وتهميش طال المنطقة لعشرات السنين، تم السكوت عن كل ذلك ولم يتم جبر الضرر اللاحق لا بالمنطقة ولا بالسكان، من جراء السياسات التهميش، ولم تتم معاقبة أي من مرتكبي تلك الجرائم في حق الريفيين وجيش التحرير ولا حتى إدانتهم بأفعالهم، وبصريح العبارة لم تكن هناك لا إنصاف ولا مصالحة مع القبائل الأمازيغية.
بينما مثلا تجربة العدالة الانتقالية والمصالحة في جنوب إفريقيا كانت متقدمة وفتحت المجال للسكان الأصليين لينخرطوا في الحكم. على خلاف المغرب، فبنبركة من الأوائل الذين وقعوا اتفاقية “إكس ليبان”، حتى تمكن من تسليم السلطة للبورجوازية الفاسية التي كان يمثلها حزب الاستقلال، وكان هدف بنبركة وعلال الفاسي هو من جهة عرقلة مسيرة جيش التحريرـ الذي كان يقول زعيمه عباس المساعدي “إن الجيش لن يترك السلاح حتى تتحرر الجارة الجزائر”، وباغتيال المساعدي قدم المتورطون في اغتياله خدمة غير مباشرة للاستعمار الفرنسي في الجزائر، و من جهة ثانية إقامة نظام الحزب الوحيد وتحجيم الملكية في أفق القضاء عليها.الا انه من حسن الحظ تم تأسيس حزب أخر وهو حزب “الحركة الشعبية” سنة 1958، وقد انخرط فيه عدد من أعضاء جيش التحرير، ورغم أنه تمكن من تكسير هيمنة الحزب الوحيد “حزب الاستقلال”، وفتح أبواب التعددية الحزبية في المغرب، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح، هو ما ذا قدم هذا الحزب للأمازيغية وللأمازيغ؟!
الا ان بعض الشخصيات التي لها علاقة مباشرة بجيش التحرير، كعبد الرحمان عبد الله الصنهاجي و إدريس الخطابي، نجل محمد ابن عبد الكريم الخطابي، الذي كان يحمل مواقف متقدمة مرتبطة بالقضية الأمازيغية، وعمل على كتابة قاموس أمازيغي، الدكتورزكي مبارك الذي أنجز دراسات مهمة في تاريخ جيش التحرير، ونشر مجلة باسم “ملفات من تاريخ المغرب” وأبرز أهمية جيش التحرير بالمغرب. هؤلاء اتفقوا سنة 1974 على تأسيس تنظيم سياسي جديد في الساحة المغربية، يضم أبناء المقاومة وجيش التحرير، تحت اسم حزب “العمل”، لكن مع لأسف توفي إدريس الخطابي في حادثة سير غامضة بين القنيطرة والرباط، وأدت وفاته إلى فشل تجربة حزب العمل كذالك بسبب التضييق الذي لاقه من طرف الأحزاب القومية والعروبية والدولة كذلك ما جعله يتحول إلى حزب عادي لم يصل الى مستوى طموحات أبناء جيش التحرير ولا تطلعات الأمازيغ.
ولأن أغلب الأحزاب الموجودة بالمغرب، انشقت عن حزب الاستقلال ذو الإيديولوجية السلفية البعثية و بالتالي ورثت منه العداء لكل ما هو غير شرقي بعثي، فان هذه الأحزاب لازالت وفية بالرغم للانقسامات التي وقعت لها، لأيديولوجيتها المشرقية البعثية التي لم تتغير، وبقي معها ايمازيغن خارج العمل الحزبي السياسي والمؤسساتي.
وبعد نضال طويل قادته الحركة الامازيغية توجته بانخراطها في حركة عشرين فبراير تم ترسيم الامازيغية في دستور 2011، ولازال النضال مستمرا لتفعيل القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل طابعها الرسمي، واليوم تمر اكثر من سنة على المصادقة على هذه القوانين لكن لا يزال تطبيقها غائبا ومعه تغيب الإرادة السياسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر في مجال التعليم لم يتم الى اليوم تعميم تدريس الامازيغية في التعليم الأولي والابتدائي، بل لم يتم الرفع من عدد اطر التدريس بها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا هذا التماطل والتسويف الذي يرتبط بتفعيل رسمية اللغة الامازيغية؟ و لماذا لا تستجاب مطالبنا و لا تحل قضايانا التي نترافع من اجلها كحركة امازيغية؟ الجواب في اعتقادي بسيط و هو لأننا كإيمازيغن لم ننخرط بالشكل المطلوب في العمل السياسي، وفسحنا المجال لصعود دعاة ومناصري إيديولوجيات بالية متخلفة تمييزية، لينوبوا عنا في البرلمان و يتولوا امورنا في الوزارات و في الحكومة، ونبقى نحن المناضلين الأمازيغ حبيسي الشوارع نمارس الاحتجاج و نكتب البيانات لنطالب بتفعيل القوانين و تخصيص الميزانيات، لكن في الأخير لا نحقق شيئا.
والسبب في نظري يرجع لعدم مشاركتنا الوازنة والمنظمة كإيمازيعن في السياسة، وفي الاستحقاقات الانتخابية على وجه الخصوص، حيت كنا في مرحلة معينة نقاطع الأحزاب و نقاطع الانتخابات ونعتبرها مسرحية، ربما في وقت معين يمكن ان نقبل بذالك لعدة أسباب، منها اساسا أن الدولة لا تعترف بنا كايمازيغن. لكن اليوم، لم يعد هذا المبرر قائما، فالدستور المغربي لسنة 2011 يعترف بالأمازيغية لغة رسمية، ويقر بكونها لغة لجميع المغاربة بدون استثناء، لكن لتفيعل الدستور يلزم فعل سياسي منظم وانخراط قوي في أحزاب سياسية و المشاركة في العمليات الانتخابية، لضمان ضغط ودفاع قوي على تفعيل القانون التنظيمي الذي صودق عليه مؤخرا، ولتكريم شهداء القضية، والسير من أجل تحقيق أهداف جيش التحرير، بصيغ أخرى وأساليب العصر، فالعمل المسلح لم يعد يجدي لإقامة الديمقراطية بل أحيانا وفي أمثلة كثيرة العمل المسلح لا يجلب الا ديكتاتوريات أفظع وأبشع، والمطلوب عمل سياسي منظم و ديمقراطي و سلمي، يبدأ عبر التسجيل في اللوائح الانتخابية و الترشح في الانتخابات و التصويت أثناء العملية الانتخابية، والتصويت يجب أن يكون وفق القناعات بعيدا عن التأثيرات أو أساليب غير مشروعة كالبيع والشراء في الأصوات ثم بالتالي متابعة من صوتنا عليهم ليمثلونا في البرلمان ومحاسبتهم عند عدم دفاعهم وتحقيقهم لمطالبنا الأمازيغية.
واستحضر هنا نموذج سيدة من بوليفيا عندما سئلت عن سبب تصويتها لمرشح الرئاسة “ايفو موراليس” الذي يمثل السكان الأصليين في البلاد – (بعد سنين من الديكتاتورية التي قمعت السكان الأصليين) – إثر المصالحة التي تمت ومكنت السكان الأصليين من حقهم في التصويت والعمل السياسي، حيث أجابت: “أن “موراليس” واحد منا وسأنتخبه رئيسا، إن نجح في تنمية البلد واحترم حقوقنا وأوفى بوعوده، سنعيد انتخابه، وان خيب آمالنا ننتخب غيره..”.
ختاما، أقول ان تغيير الاوضاع سلميا ممكن اليوم أكثر من أي وقت مضى وذالك بالممارسة الديمقراطية لحقوقنا عبر الانخراط في المشاركة السياسية في الأحزاب الموجودة ولما لا تأسيس أحزاب جديدة لمن استطاع الى ذالك سبيلا، بغرض المشاركة في الانتخابات والدخول في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، و كل المؤسسات العمومية، لنضع حدا لسياسة الكرسي الفارغ الذي لم نستفد منه غير مزيد من التهميش بإقصاء ذواتنا و كل ما له علاقة بالأمازيغية بقرارات سياسية من أحزاب معادية..
ولنبني جميعا دولة ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة،
أرى أن الوقت قد حان للوقوف سدا منيعا امام الأقلية، التي تقرر مصيرنا نحن الأغلبية.
رشيد الراخا
رئيس التجمع العالمي الأمازيغي
,Tasertit tega am ussan la ttegg did nnex ma ttegg
.Ixessa a negg digs ma negg