شخص مجموعة من الأساتذة والباحثين واقع وآفاق الأمازيغية خلال ندوة وطنية نُظمت مساء السبت 21 يناير 2023، من طرف “رابطة الشباب من أجل التنمية والتضامن”، بالمركب الثقافي بالناظور، احتفالا بالسنة الأمازيغية الجديدة 2973.
وعرفت الندوة المنظمة بتنسيق مع “العالم الأمازيغي” حول موضوع” الأمازيغية: الواقع والآفاق” نقاشاً حول واقع الأمازيغية والسياقات التاريخية التي مرّت منها منذ سنة 1967 تاريخ تأسيس “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي ” وأهم المحطات التي أرخت لمسار النضال الأمازيغي وصولا إلى اليوم، والآفاق المرتقبة في ظل الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة مؤخراً لصالح تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإدماجها في مناحي الحياة العامة.
وتوقفت الفاعلة والإعلامية الأمازيغية، أمينة ابن الشيخ، عند أهم المحطات والأشواط النضالية التي قطعتها الحركة الأمازيغية منذ تأسيس “لامريك” وصولا إلى إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية سنة 2019، إلى عهد الحكومة الحالية.
وأكدت ابن الشيح في معرض مداخلتها، أن ما وصلت إليه الأمازيغية اليوم لم يأت من فراغ، “إنما من محطات نضالية بدأته الحركة الأمازيغية من محطة الوعي بالذات والتي انطلقت سنة 1967 مع تأسيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وصولا إلى محطة التحسيس سنة 1981 مع الجامعة الصيفية الأولى”، والتي اعتبرتها بداية تكوين الحركة الأمازيغية مرورا بمرحلة المطالب، مستحضرة مجموعة من المطالب والمذكرات المطلبية التي قُدمت في مراحل مختلفة وصولا إلى بيان 2000 للاعتراف بأمازيغية المغرب.
وقالت المتحدثة، إن سنة 2001 شكلت بداية لمأسسة الأمازيغية مع تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتوقيع اتفاقيات وشراكات مع مجموعة من الوزارات والإدارات، وصولا إلى مرحلة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مضيفة أن مرحلة التفعيل تأخرت بسبب تأجيل إخراج القانون التنظيمي للأمازيغية إلى سنة 2019.
واستطردت مستشارة رئيس الحكومة المكلفة بالملف الأمازيغي، أن رئيس الحكومة تعهد إبان الحملة الانتخابية بتخصيص صندوق خاص للأمازيغية، وهو ما التزم به في التصريح الحكومي. موضحة في سياق كلامها أن “الحكومة الحالية تشتغل على مجموعة من الأوراش المتعلقة بالأمازيغية في إطار هذا الصندوق الخاص بالأمازيغية خصوصا ما يتعلق بالقطاعات الاجتماعية المرتبطة بمصالح المواطنين والمواطنات في بعض الإدارات والقطاعات ذات الطبيعة الاجتماعية “.
وذكرت مستشارة رئيس الحكومة مجموعة من الإجراءات منها تسخير أعوان استقبال لإرشاد وتوجيه المرتفقين الناطقين باللغة الأمازيغية وتسهيل تواصلهم بالمحاكم والمستشفيات، وكذا المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة والتواصل والشباب، بالإضافة إلى توفير أعوان مكلفين بالتواصل الهاتفي باللغة الأمازيغية، موزّعين على عدد من مراكز الاتصال التابعة لبعض القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية.
من جهته، تحدث الأستاذ الباحث في التراث الشفهي الريفي، محمد ميرة عن البداية الأولى لتأسيس جمعية “الانطلاقة الثقافية” بالناظور سنة 1978 من طرف الجيل الأول من خريجي الجامعات المغربية، والتي حملت على عاتقها خدمة الثقافة الأمازيغية، وكانت “نتيجة حتمية لتطور الوعي الجمعي ونضج مناخ فكري ذي طابع وطني تقدمي” وفق تعبيره.
وقال إن الجمعية واجهت مجموعة من الإكراهات والتحديات في مسارها النضالي والترافعي على القضية الأمازيغية، وكانت أنشطتها ممنوعة ومحرمة من طرف مجموعة من الفقهاء والأساتذة وأعضاء من المجلس العلمي الذين كانوا يصفونها “بالكفر” آنذاك.
وتطرق الباحث إلى المضايقات والقمع الذي تعرض له المناضلون الأمازيغ حينها من طرف الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها، “وكانوا يتهموننا بتلقي الأموال من الخارج، وكان هناك قمع منهجي حتى من طرف الأحزاب السياسية”. مضيفا “وبعد أن توقفت الجمعية لعدة أسباب، قام عدد من المناضلين بتأسيس “جمعية إلماس” سنة 1991 كامتداد الانطلاقة الثقافية، حيث واصلت الطريق وكانت من بين الجمعيات الموقعة على بيان أكادير الصادر عن الجامعة الصيفية الثانية لسنة 1991″ .
وتحدث الباحث والفاعل الأمازيغي، محمد ميرة كذلك على مجموعة من المحطات النضالية، ولعل أبرزها البيان الأمازيغي سنة 2000 الذي تلاه خطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لتتغير الأحوال من الممنوع إلى المسموح، “ولأن الأمازيغية جاءت بقرار سياسي فقد أصبح الجميع يتحدث عنها”.
واعتبر الأستاذ رشيد الراخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، “الاحتفالات الحاشدة وغير المسبوقة بالسنة الأمازيغية الجديدة 2973 التي شهدها المغرب وشمال إفريقيا والمهجر بمثابة ثورة ثقافية في الأمازيغية وحافزا إضافيا في مسار النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين”.
وقال الراخا إن 2973 سنة النهوض بالأمازيغية والكل مدعو للمساهمة في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، “ليس فقط الحكومة، بل حتى المجتمع المدني والفعاليات الأمازيغية وعامة المواطنين والمواطنات”.
وأضاف المتحدث “بإمكان الجميع المساهمة في تفعيل الأمازيغية والنهوض بها من خلال تمزيغ الهوية البصرية عبر كتابة واجهة المحلات التجارية والشركات الخاصة باللغة الأمازيغية وبحرفها تيفيناغ الذي تركه لنا الأجداد الذين يعتبرون من الأوائل الذين اخترعوا الكتابة في القارة الإفريقية وفي العالم”.
وشدد رئيس التجمع العالمي الأمازيغي على أن “المرحلة تستدعي الوحدة ووضع اليد في اليد من أجل النهوض باللغة والثقافة والتاريخ الأمازيغي، لكي نرد الدين التاريخي للأمازيغية بسبب التهميش والإقصاء الذي تعرضت له، خصوصا ما بعد الاستقلال إلى اليوم”.
من جهة أخرى، أشار الراخا إلى أن المناطق الأمازيغوفونية هي الأكثر فقرا في المغرب، موضحا عبر خرائط وإحصائيات رسمية أن ثلاث جهات بالمغرب تهيمن على 70 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، في الوقت الذي لم تحصل فيه باقي الجهات التي تتحدث أغلب ساكنتها باللغة الأمازيغية إلا على ثلاثين بالمائة، موضحا أن “الجالية الأمازيغية بالخارج و التي تنتمي لهذه الأخيرة تضح الملايير من الدراهم سنويا في ميزانية الدولة”.
وأضاف أن “هذه المناطق الأمازيغوفونية تعاني من الهدر المدرسي”، مستحضرا شهادة وزير التربية الوطنية الذي أكد أن 300 ألف تلميذ وتلميذة يغادرون المدرسة سنويا، مبرزا في السياق نفسه أن “تدريس اللغة الأم مرتبطة بالتنمية وما لم تدرس اللغة الأم للتلاميذ والتلميذات لن تكون هناك أي تنمية”.
وقال إن تدريس “اللغة الأم هي مفتاح التنمية البشرية المنشودة” مشددا على أن “الدولة ملزمة بأن تدفع الجميع للكتابة باللغة الأمازيغية وبحرفها تيفيناغ احتراما للدستور الذي يقر بأن الأمازيغية ملك لجميع المغاربة بدون استثناء”.
وبدوره قال الأستاذ مومن شيكار منسق ماستر اللغات والثقافات والايكولوجيا، بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور، إن “جميع اللغات متساوية، بالتالي يجب أن نعطي للأمازيغية نفس الأهمية التي نوليها للفرنسية والانجليزية والعربية”.
وتطرق شيكار في معرض مداخلته إلى مجموعة من الإكراهات والصعوبات التي تواجه اللغة الأمازيغية المعيارية.
بدوره تطرق الأستاذ الباحث بالكلية المتعددة التخصصات بسلوان، الحسين فرحاض إلى الإكراهات التي تواجه ملف تدريس الأمازيغية، وإشكالية الكتب المدرسية الأمازيغية، وكذا مجموعة من المشاكل والعراقيل ومن بينها طريقة معيرة اللغة الأمازيغية.
واعتبر أن اللغة الأمازيغية المعيارية لا يفهمها الكثير من الأساتذة والتلاميذ بالريف بسبب “ضعف تواجد تعبير أمازيغية الريف من ناحية المعجم الممعير للأمازيغية”، متحدثا على ضرورة “إعادة النظر في الصيغة التي تمت بها معيرة الأمازيغية “.
وأشار فرحاض إلى “تأخير إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في الولاية التشريعية الأولى كما ينص على ذلك دستور 2011″، مشيرا إلى أنه ينص على أن “اللغة الأمازيغية لغة مُدرسة وليست لغة للتدريس”، مطالبا بإدراج الأمازيغية كلغة لتدريس مواد أخرى كالرياضيات.
الناظور/ منتصر إثري