رصد باحثون وأكاديميون من المغرب وإسبانيا وفرنسا، مظاهر تأثير الأمازيغ الذين ساهموا على مدى 8 قرون في بناء الحضارة الأندلسية.
وأجمع المؤطرون للندوة الدولية العلمية “مساهمة الأمازيغ في بناء حضارة الأندلس” التي نظمتها جمعية “أمازيغ صنهاجة الريف”، ضمن الدورة التاسعة من مهرجان “باشيخ” للسنة الأمازيغية الجديدة 2973، بطنجة تحت شعار “الأندلس : جنة التلاقح الثقافي الموري – الإيبيري”، على مساهمة الأمازيغ في بناء حضارة الأندلس، حيث أن “الزخم السياسي التاريخي الوازن للأمازيغ خلف أثرا ثقافيا واجتماعيا لا يمكن نكرانه”.
وتطرق الباحثون والأكاديميون المغاربة والأجانب إلى مساهمة الأمازيغ في حضارة الأندلس من خلال ثمانية محاور تتمثل في المظاهر الفكرية والثقافية للأمازيغ بالأندلس، والطوبونيمية الأمازيغية بالأندلس، والمآثر العمرانية الأمازيغية بالأندلس، والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة بالأندلس، إلى جانب المساهمات السياسية والعسكرية.
وتوقف محمد حقي، أستاذ التاريخ الاجتماعي بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، عند مساهمة الأمازيغ في تأمين الأندلس وضمان استمراريتها، مشيرا إلى أن الأمازيغ أصبحوا، مباشرة بعد الفتح، عنصرا أساسيا في حماية الأندلس من الهجمات المسيحية من الشمال، “حيث شكلوا حاجزا في الجبال التي تقع في شمال طليطلة”، “وساندوا الخلافة في تحقيق مشاريعها، سواء كانت في شمال إفريقيا ضد الفاطميين، أو ضد المسيحيين في شمال أوروبا، أو حتي الثوار الداخليين الذين كان من الضروري القضاء عليهم لتوحيد الأندلس”.
وأضاف الباحث أن الدور المغربي انقلب من جماعة تعمل تحت إمرة الأندلسيين إلى دور رسمي قادته الدول المغربية الثلاث الرئيسية: المرابطون الموحدون والمرينيون، “وهي الدول الثلاثة التي تكفلت بحماية الأندلس”.
ومن مظاهر مساهمة الأمازيغ في حضارة الأندلس، أكد حقي أن الأمازيغ نقلوا إلى الأندلس كل ما يتعلق بالأعمال الزراعية والفلاحية والحرف، إضافة إلى الفن الأمازيغي “الذي نال إعجاب الأندلسيين خاصة في عصر الخلافة”، إضافة حضورهم في الإدارة بكل عناصرها وفي الجيش الأندلسي وفي الجانب الثقافي “حيث حققوا مجموعة من الإنجازات في العلوم المختلفة، وكانوا سباقين في بعض الميادين كنشر المذهب المالكي في الأندلس”.
بينما تمحورت مداخلة الأستاذ مولاي الحسن مغار، عن جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، حول مجموعة من النقاط ذات الصبغة المنهجية والتوثيقية، مشيرا إلى صعوبة الحديث عن التاريخ الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرض في أغلب قضاياه للجوانب السياسية والعسكرية، مشددا على ضرورة العودة للمصادر الدفينة واللاإرادية وذلك بغية تنويع المتن المصدري للوقوف على طبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي انتظمت فيما بين المغاربة بالأندلس.
وأوضح في مداخلة بعنوان “العلاقات الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة بالأندلس”، أن هذه العلاقات تراوحت بين الزواج والطلاق وأهمية وجود القبيلة كتنظيم اجتماعي وسياسي في المجتمع الأندلسي، الذي ارتكز بشكل كبير حول العناصر الأمازيغية ثم العربية وغيرها من الإثنيات الأخرى التي وجدت في المجتمع الأندلسي”، مبرزا أهمية النشاط الاقتصادي الذي ارتكز على ما تضمنته الأندلس من مؤهلات طبيعية وخيرات اقتصادية من حديد وتربة خصبة، شكلت في مجملها أرضية للرواج الاقتصادي الذي انتعش فيما بين هذا المكونات التي اجتمعت لتنسج المجتمع الأندلسي.
ومن جهته، تحدث الباحث الإسباني بلال صار، أستاذ بقسم تاريخ العصور الوسطى بجامعة غرناطة الإسبانية، عن التواجد الأمازيغي بالأندلس طيلة الفترة الممتدة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر الميلادي، مشيرا إلى أن عدد من المدن والمناطق والتضاريس الإسبانية تحمل أسماء أمازيغية الأصل.
وأكد صار أن مؤشرات وآثار الحضارة الأمازيغية في الأندلس موجودة بقوة، مستحضرا تأثير القبائل الأمازيغية في “الطوبونيميا الإسبانية”، مشددا على ضرورة تكثيف الجهود البحثية في الطوبونيميا والتراث الإسباني.
بدوره أكد رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، رشيد الراخا، أن إسهامات الأمازيغ في بناء الحضارة الأندلسية الإسلامية امتدت لأزيد من ثمانية قرون، “إلا أنه لم يتم الاعتراف بها في الكتابات التاريخية المغربية والإسبانية”.
وأكد في مداخلته التي عنونت “كيف تمت مصادرة ثمانية قرون من تاريخ الأمازيغ بالأندلس”، أن ما أنجزه الأمازيغ في ميادين مختلفة أسند تزويرا وتدليسا إلى شعوب وإثنيات أخرى.
وانتقد الراخا المناهج التعليمية المغربية والإسبانية، التي غيبت إسهامات الأمازيغ في بناء الحضارة الأندلسية، وسعيها المستمر لطمس وتزوير الحقائق التاريخية، مستحضرا التزييف الهوياتي الذي تعرض له المنتحب المغربي بعدما حققه خلال نهائيات كأس العالم 2022، والمحاولات المتوالية لنسب هذا الإنجاز الأمازيغي إلى العرب.
وأضاف الراخا أن المؤرخين الإسبان يتجنبون التطرق للأمازيغية، مشيرا إلى أن معظم الجامعات الإسبانية تتوفر على مراكز للدراسات العربية – السامية، باستثناء جامعة قادش الوحيدة التي تتوفر على مركز للدراسات الأمازيغية. “كما أنهم ساهموا في تزوير تاريخ الأمازيغ المغاربة وغيرهم من شعوب شمال إفريقيا في الأندلس، وذلك بتعويضهم لكلمة “لوس موروس” بكلمة “عرب” نظرا لما كانت تحمله هذه الكلمة من عنصرية”.
وفي المقابل أكد الراخا عن وجود اهتمام كبير بالعنصر اليهودي، لأنهم تركوا أثرا مكتوبا باللغة العبرية في جميع تمظهرات حياتهم هناك، في حين أن الأمازيغ كانوا يكتبون كل شيء بالعربية، مما أدى إلى نسبه للعرب.
وتضمنت الندوة مداخلة للدكتورة دي فيليبي إلينا عن جامعة أكالا الإسبانية، حول موضوع “الأمازيغ في الأندلس وأمازيغ الأندلس، نموذجين للمساهمة”، ومداخلة للدكتور محند تلماتين عن جامعة قادش الإسبانية بعنوان “يناير والاختلاط الثقافي في الأندلس”، فيما تناول الدكتور عبد الله بونفور عن إنالكو الفرنسية موضوع “الأمازيغ في الأندلس: حول أصول البرغواطيين والركراكيين”.
الحق يعلو ولا يعلى عليه هناك من في السماء من كتب كل شيء وأمر القلم ???? بكتابته كل من نسب شيءا اليه كذبا الا وخاب وادبر.