احتفت “جمعية صوت المرأة الأمازيغية” يوم 4 مارس الجاري في الرباط باليوم العالمي للغات الأم وبالعقد الدولي للغات الشعوب الأصلية، من خلال تنظيم ندوة تحت شعار: “الأمازيغية بين التكريس القانوني والواقع المعاكس”، ساهم فيها ثلة من الأساتذة والباحثين والفاعلين في مجالات مختلفة.
وفي هذه الندوة، سلطت ” صوت المرأة الأمازيغية” الضوء على واقع اللغة الأمازيغية بالمغرب ووضعها في الحياة العامة، كما وقف المشاركون، في الندوة ذاتها، على بعض الاكراهات التي لاتزال تحد من أن تحتل الأمازيغية المكانة التي خولتها لها القوانين وغي صدارتها ستور 2011، وما نص عليه القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي لها.
وفي هذا السياق، أكد وديع سكوكو الذي شارك باسم وزارة الثقافة والتواصل قطاع الثقافة، أن ترسيم اللغة الأمازيغية تم بنص قانوني وتشريعي، حدد مجموعة من المراحل التي لابد وأن يمر منها التفعيل الرسمي للأمازيغية، والتي يعتبر القانون التنظيمي للأمازيغية أهمها بعد الدستور، الذي حدد كيفية إدراج الأمازيغية في الحياة العامة، وهو ما تجسد في المخطط الحكومي المندمج، الذي حدد لكل قطاع كيفيات وآليات تفعيل الأمازيغية.
وعن إنجازات وزارة الثقافة فيما يخص الأمازيغية أوضح سكوكو، أن الوزارة قامت بتوظيف متخصص في الأمازيغية، مضيفا أن الوزارة أصبحت، منذ خلق هذا المنصب، تصدر بلاغاتها بالأمازيغية، كما أدرجت الأمازيغية كلغة معتمدة في موقعها الالكتروني.
وذكر ان الوزارة أعطت أهمية كبيرة للأمازيغية في المعرض الدولي للكتاب، كما أنشأت جائزة تشجيعية للفن والثقافة الأمازيغية، مع دعم الأعمال الفنية والإبداعية ودعم الكتاب الأمازيغي ومختلف الأنشطة الفنية، إلى جانب دعم الفنانين الأمازيغ.
ووقف عند مبادرة الوزارة في تنظيم حفل رأس السنة الأمازيغية، والتي اعتبرها سابقة، خاصة خلال السنة الحالية 2973 حيث تم تنظيم ندوة وطنية حول الأمازيغية، اختتمت بسهرة فنية عرفت تكريم عدة وجوه فنية أمازيغية.
وأشاد وديع سكوكو بما جاء في المخطط الحكومي بخصوص الأمازيغية، معتبرا ذلك مكسبا مهما بغض النظر عن الانتقادات الموجهة له، بحيث أن الحكومة وضعت ميزانية مهمة لأجرأة الطابع الرسمي للأمازيغية.
وفي هذا الإطار قامت وزارة الثقافة بترجمة لوحات التشوير إلى الأمازيغية، كما قامت بكتابة أسماء المكاتب داخل الوزارة بالأمازيغية، وقامت بتنظيم دورات تكوينية في هذا الصدد.
وأفاد سكوكو أن الوزارة وايمانا منها بحث المواطنين الأمازيغ على التواصل بلغتهم الأم، قامت بتوظيف 160 عون ناطقين بالأمازيغية، موزعين على مختلف المكاتب الجهوية لوزارة الثقافة والتواصل، إضافة إلى خلق مراكز للاتصال بالأمازيغية داخل الوزارة.
ومن جانبه ركز عبدالله بادو عضو الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، على بعض الإكراهات والعراقيل التي تعانيها الأمازيغية، خاصة في التعليم، مؤكدا على جملة من مشاكل. واعتبر بادو أن ما تقوم به الحكومة الحالية في هذا المجال مجرد “بريكولاج” ودر الرماد في العيون.
وحمل بادو مسؤولية ما تعانيه الأمازيغية اليوم في التعليم لمؤسسة المعهد الملكي لثقافة الأمازيغية باعتبارها المؤسسة الرسمية التي سهرت على ملف ادماج الأمازيغية في التعليم منذ بداية سنة 2003، كما حمله مسؤولية ما يقع في المناهج الدراسية، مشيرا إلى أنه ما بين 2015و2016 ظهرت أرقام مهولة في الخصاص في أساتذة الأمازيغية، كما تم الغاء تكليف الأساتذة وبالتالي تم ضرب عرض الحائط كل المكتسبات التي تحققت منذ 2003.
وكشف عبد الله بادو، أنه “لتعميم تدريس الأمازيغية في الأسلاك التعليمية الثلاثة في أفق 2026 كما حدده القانون التنظيمي، تحتاج الوزارة إلى توظيف ما يقارب 25805 أستاذ وأستاذة؛ بمعدل 5161 أستاذ سنويا”.
وفيما يخص القانون التنظيمي للأمازيغية أوضح بادو، أنه خلال فترة ولاية عبد الإله بن كيران، طلبت الحكومة من كافة الجمعيات الراغبة في المشاركة في إعداد القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية، أن ترسل مقترحاتها عبر البريد الإلكتروني على أن تتدبر الحكومة باقي المساطر.
وذكر أن المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية تمت في المراحل النهائية ‘‘لحكومة عبد الإله بن كيران‘‘، وأنه خلال الأسابيع الأخيرة للولاية الثانية لحزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة بزعامة سعد الدين العثماني، ثمة صياغة المخطط المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وقال بادو إن “الحكومة الحالية تتحدث عن 25 إجراء لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية غير أن هاته الإجراءات لا أحد يعلم بها، وحتى في حال القيام بزيارة المواقع الرسمية لجميع الوزارة المعنية بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، فإنها لا تقدم أي إجراءات دقيقة في هذا الشأن‘‘، مضيفاً “إن ما يقع اليوم تجاه الأمازيغية أفظع مما كان إبان حكومة الإسلاميين”.
ونبه إلى أنه رغم المجهودات التي تم القيام بها في إعداد البرنامج المندمج، إلا أن الحكومة الحالية عملت على “إقباره”، مشيرا أنه خلال اجتماع جمعه برئيس الحكومة عزيز أخنوش، قال هذا الأخير “إنه غير ملتزم بالبرنامج المندمج، ولا يملك الوسائل الكفيلة بتنزيله”.
كما شدد بادو على أن الحكومة الحالية بقيت على نفس نهج سابقتها، إذ أنها لم تكلف نفسها عناء الكشف عن استراتيجيتها تجاه تعميم الأمازيغية، رغم أنها ملزمة قانونا بتنزيل القانون التنظيمي 26.16 وللأسف لم تقدم خارطة طريقة واضحة في هذا المجال.
الفاعلة الأمازيغية الأمازيغية عائشة أشهبار أكدت في كلمة أدلت بها أن المرأة الأمازيغية هي الوعاء والجسر لضمان استمرار الأمازيغية.
واردفت أن المرأة الأمازيغية تعاني وتعايش الكثير من التحديات الواقعية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما سيجعلها، يوما بعد يوم تخضع أكثر فأكثر للضغوط الحياتية مما سيجبرها على التنازل عن ثقافتها وهويتها الأمازيغية.
وأوضحت أن المشاركة الاقتصادية للنساء تبعا للأرقام الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط هي مشاركة ضعيفة جدا، على اعتبار أن النشاط الاقتصادي للنساء لا يتجاوز 20% سنة 2023 ، وهو في تراجع مستمر، وأضافت أن هناك تراجعا في نسبة فعالية النساء في مراكز القرار الاقتصادي، في الوقت الذي يسجل نسب مهمة في خدمات اقتصادية صغيرة تكرس دونية المرأة.
وذكرت أن المرأة الأمازيغية تعاني من غياب إطار مؤسساتي يبلور وضعيتها، معتبرة أن الحركة الثقافية الأمازيغية لا تأخذ هموم المرأة الأمازيغية بشكل منفصل عن الوضع العام للأمازيغية، والحركة النسائية هي الأخرى لا تراعي لخصوصيات المرأة الأمازيغية.
وشددت اشهبار بأن الاستغناء عن خبرة النساء في مجال الفلاحة والصناعة التقليدية يؤثر سلبا على استمرار الثقافة الأمازيغية المتعلقة بهذه الأنشطة.
ونبهت إلى أن النساء المتواجدات خارج سوق الشغل يضطرنا للبحث عن حلول بديلة أو الهجرة إلى المدن، ما يؤدي إلى فقدان الثقافة الأمازيغية المرتبطة بممارسة هذه الأنشطة الاقتصادية.
الباحثة في مجال الثقافة الأمازيغية راضية سامي، أكدت في مداخلتها عن إشكالية الانتقال اللغة الأمازيغية بين الأجيال ما يساهم في فقدان اللغة الأم لدى الأجيال اللاحقة.
وانطلقت الباحثة في بحثها حول هذا الموضوع من الواقع المعيش، حيث وجدت ان اللغة الأمازيغية لم تعد لغة التواصل لدى الجيل الثالث لدى معظم الأسر الأمازيغية، أولا نظرا لاحتكاك الأبناء بلغات أخرى مثل الدارجة بالمدن المغربية، خاصة لدى الأسر المهاجرة.
وأضافت أنه رغم هذا التأثير الذي عانت منه الأمازيغية إلا أنها بقيت صامدة واستطاعت المقاومة والصمود نظرا لانتشارها الواسع على مستوى شمال افريقيا، وتشبث الأمازيغ بلغتهم الأم خاصة في القرى.
وأضافت أن المهاجرين المغاربة لازالوا يحافظون على الأمازيغية، خاصة في فرنسا، حيث توجد أكبر جالية أمازيغية عديدة، وأضافت أن الأمازيغية تحتل الرتبة الرابعة من حيث اللغات المتواجدة بفرنسا، حتى أنهم يسمونها “لغة فرنسا”.
وعن واقع الأمازيغية في تونس، قالت المناضلة التونسية سحر دالي، إن اللغة الأمازيغية في تونس لا تلقى أي اهتمام من قبل كل الحكومات المتعاقبة على تونس، سواء قبل أو بعد الثورة.
وأضافت أن اللغة والثقافة الأمازيغية، تعتبر عنصرا مهما في تونس، وهي التي تربط التونسيين بحضارتهم وثقافتهم الأصلية.
وأوضحت دالي أن النهضة الأمازيغية بتونس لم تبرز إلا بعد ثورة 2011 ، حيث ظهرت حركة تناضل من اجل الثقافة واللغة الأمازيغية، وأوضح أن عدد الجمعيات التي تناضل من اجل الأمازيغية في تزايد مستمر.
اما فيما يخص تدريس الأمازيغية، فلازالت غائبة في المدارس، ولكن هناك بعض الجمعيات التي انخرطت في مشاريع جمعوية لإعطاء دروس في الأمازيغية.
وأضافت ان تونس تأتي في اخر المراتب من حيث نسب المتحدثين بالأمازيغية بنسبة 10 في المائة، وهم يتواجدون في بعض القرى المهمشة اقتصاديا في الحدود مع ليبيا.
وأكدت أنه رغم توصية الأمم المتحدة بضرورة الاهتمام والاعتراف باللغة الأمازيغية للشعب التونسي إلا أن الحكومة التونسية لا تولي الأمر أي اهتمام.
وأشارت إلى أن المنطقة الواحدة التي لازال أطفالها يتكلمون الأمازيغية هي “تمزرت” وذلك بفضل الأمهات اللواتي حفظن على هذه اللغة ونقلناها إلى ابنائهن، رغم أنها لا تدرس بالمدرسة.
وختمت مداخلتها بالدعوة إلى توحيد الجهود حول القضية الأمازيغية بين كل بلدان “تمازغا”، باعتبارها أن الاشتغال الجماعي، يمكن ان يساهم في الدفع بالأمازيغية إلى الأمام، وحثت رؤساء هذا الدول بإيلاء الأهمية المثلى للأمازيغية، ودعت إلى وضع برنامج مشترك للاشتغال عليه بشكل موحد.
من جانبه اعتبر الباحث في قضايا الأمازيغية محمد أمدجار، أن ما تعرفه القضية الأمازيغية اليوم هو إقصاء ممنهج، مؤكدا على أن الحكومات المغربية المتعاقبة لم تملك أي إرادة حقيقية للنهوض بالهوية الأمازيغية، بما في ذلك مجال التعليم.
وأكد امدجار أن لجنة محاربة التميز العنصري وضعت مخططات لمحاربة عنصرية المؤسسات، وركز على وزارة العدل التي تستعمل أكثر اللغة العربية، باعتبار ان المحاكمة العادلة لا يمكن الحديث عنها في الوقت الذي لا يستطيع القاضي التحدث بلغة المتقاضيين.
كما أشار إلى إشكالية منع الأسماء الأمازيغية، الذي لازال قائما إلى اليوم، وقال بأنه بعد دستور 2011 تم تسجيل 22 حالة رفض للأسماء الأمازيغية، والتي تم عرضها على المحاكم، مشيرا إلى أن هذا يوضح البون الشاسع بين القوانين والواقع.
ونبه أمدجار إلى أن مُدرس اللغة الأمازيغية، هو الوحيد الذي لا يمتلك حجرة للتدريس هذه المادة، حيث يتعين عليه الانتقال بين الأقسام بشكل متكرر، كما يتعين عليه، حسب قول المتحدث، دفع ثمن استنساخ الامتحانات والدروس التي يتولى أمر إعدادها.
وختم بالقول: “منذ سنوات والدولة تتفنن في اقصاء وتهميش الأمازيغية وتزج بها خارج المؤسسات وخارج ما هو رسمي، وهذا ما اعتبره امدجار هدر للزمن التنموي وتضييع الفرص على بلدنا حسب مزاجية بعض المسؤولين”.
ويذكر أن الندوة التي نظمتها جمعية صوت المرأة المغربية، بدعم من المنتدى الدولي لنساء الشعوب الأصيلة، وصندوق نساء السكان الأصليين، عرفت أيضا مشاركة بعض الباحثين والمهتمين عبر تقنية “عن بعد” من كندا وتونس والجزائر وليبيا ومصر.
*رشيدة إمرزيك