أعربت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا عن قلقها العميق إزاء تدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد في تقريرها النهائي اليوم.
وخَلُصَتْ اللجنة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب الدولة والقوات الأمنية والميليشيات المسلحة مجموعةً واسعةً من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
وأظهرتْ تحقيقات البعثة الجهودَ واسعة النطاق التي تبذلها السلطات لقمع المعارضة من قبل المجتمع المدني، ووثقتْ العديد من حالات الاعتقال التعسفي والقتل والاغتصاب والاسترقاق والقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري. وذكرتْ البعثة امتناع جميع الناجين الذين قابلتهم تقريبًا عن تقديم شكاوى رسمية خوفًا من الانتقام والاعتقال والابتزاز، ونظرًا لانعدام الثقة في نظام العدالة .
واستُهدف المهاجرون على وجه الخصوص، وتشير أدلة دامغة إلى تعرضهم للتعذيب المنهجي. ويذكر تقرير البعثة أنه ثمة أسباب معقولة للاعتقاد بأن الاستعباد الجنسي، الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية، قد ارتُكب ضد المهاجرين.
وقال رئيس البعثة، وزير العدل المغربي السابق، محمد أوجار: “هناك حاجة ملحة للمساءلة لإنهاء هذا الإفلات من العقاب المتفشي. ونحن ندعو السلطات الليبية إلى وضع خطة عمل لحقوق الإنسان وخارطة طريق شاملة تركز على الضحايا لتحقيق العدالة الانتقالية دون تأخير، ومحاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان”.
وأبرز محمد أوجار، رئيس بعثة تقصي الحقائق في ليبيا، خلال مؤتمر صحفي، اليوم الاثنين بجنيف، أن البعثة وثقت قضايا عديدة مرتبطة بالاحتجاز التعسفي والقتل والتعذيب والاغتصاب والاستعباد والاختفاء القسري، كما أثبتت وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الاستعباد الجنسي، باعتباره فعلا إضافيا من الأفعال التي تشكل جرائم ضد الإنسانية، قد ارتُكب أيضا بحق المهاجرين.
وقال أوجار، في معرض تقديم التقرير الأخير للبعثة، إن التسلل السريع والعميق والمستمر للجماعات المسلحة وقياداتها في هياكل الدولة ومؤسساتها، وانتشار الأيديولوجيات المحافظة السلفية، يشكل مصدر قلق كبير للبعثة التي وجدت أن سلطات الدولة والكيانات التابعة لها، قد “شاركت مرارا وتكرارا في الانتهاكات والتجاوزات التي نشأت في سياق الاحتجاز”.
ووجدت البعثة أن الجرائم ضد الإنسانية ارتكبت بحق المهاجرين في أماكن الاحتجاز الواقعة تحت السيطرة الفعلية أو الإسمية لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية وخفر السواحل الليبي وجهاز دعم الاستقرار. وذكرت بأن هذه الكيانات تلقت دعما تقنيا ولوجستيا وماليا من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه من أجل اعتراض سبيل المهاجرين وإعادتهم.
وحققت البعثة، يقول أوجار، في العنف الجنسي والجنساني والانتهاكات والاعتداءات ضد المرأة. وأولت اهتماما خاصا للاعتداءات على العاملين في مجال القانون والتحديات المتعلقة بسيادة القانون، والانتهاكات التي تطال الحق في التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير وحرية المعتقد، الانتهاكات في سياق الحرمان من الحرية، والاختفاء القسري، والمهاجرين.
يذكر أن بعثة تقصي الحقائق في ليبيا أنشأت عملا بقرار مجلس حقوق الإنسان 43/39، وكلفت بالعمل لتحديد وقائع وظروف حالة حقوق الإنسان في جميع أنحاء ليبيا، لتوثيق الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من قبل جميع الأطراف في ليبيا منذ بداية العام 2016.
وذكر محمد أوجار بأن البعثة أجرت منذ إنشائها أكثر من 400 مقابلة، معظمها مع الشهود والضحايا. وجمعت البعثة كذلك أكثر من 2800 عنصر منفصل من المعلومات. ونفذت البعثة ثلاث عشرة مهمة ميدانية، أُجريت ثلاث منها خلال فترة تمديد الولاية الأخيرة. وقد ذهبت البعثة إلى طرابلس في ست مناسبات منفصلة وإلى بنغازي في مناسبة واحدة. وسافر المحققون أيضا إلى إيطاليا، ورواندا، ومالطا، وهولندا، وبلدان أخرى.
إنّ الحكومة الليبية ملزمة بالتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم في المناطق الخاضعة لسيطرتها وفقًا للمعايير الدولية. ولكنْ، بحسب التقرير، ” تستمر ممارسات وأنماط الانتهاكات الجسيمة بلا انقطاع، ولا يوجد دليل يُذكَر على اتّخاذ خطوات مُجدية للحد من هذا المسار المثير للقلق وتقديم سبل الانتصاف إلى الضحايا”.
وأنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعثة تقصي الحقائق في يونيو 2020 للتحقيق في انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف منذ بداية العام 2016، بهدف منع المزيد من التدهور في حالة حقوق الإنسان وضمان المساءلة. ومنذ ذلك الحين، نفذت بعثة تقصي الحقائق ثلاث عشرة مهمة ميدانية، وأجرت أكثر من 400 مقابلة، وجمعت أكثر من 2800 عنصر منفصل من المعلومات، بما في ذلك الصور الفوتوغرافية والتسجيلات السمعية والبصرية.
ويذكر التقرير: ” تنتهي ولاية البعثة فيما يتدهور وضع حقوق الإنسان في ليبيا، وتنشأ سلطات موازية تابعة للدولة، وما زالت الإصلاحات التشريعية والتنفيذية والأمنية اللازمة لتعزيز سيادة القانون وتوحيد البلد أبعد ما يكون عن التحقيق. وفي هذا السياق الاستقطابي، تبقى الجماعات المسلحة المتورطة في مزاعم التعذيب والاحتجاز التعسفي والاتجار والعنف الجنسي خارج إطار المساءلة”.
وتوصلت تحقيقات بعثة تقصي الحقائق إلى أن السلطات الليبية، ولا سيما الأجهزة الأمنية، تُقيّد الحق في التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير وحرية المعتقد، وذلك من أجل ضمان الطاعة، وترسيخ القيم والمعايير التي تخدم مصالح شخصية، والمعاقبة على انتقاد السلطات وقياداتها.
ويذكر التقرير أيضًا: “ساهمت الهجمات ضد فئات معينة، ومنهم المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء في مجال حقوق المرأة والصحفيون وجمعيات المجتمع المدني، في خلق جوٍّ من الخوف دفع الناس إلى ممارسة الرقابة الذاتية أو الاختباء أو الاغتراب في وقت كان من الضروري فيه خلق جو يساعد على إجراء انتخابات حرة وعادلة لليبيين لممارسة حقهم في تقرير المصير واختيار حكومة تمثلهم لإدارة البلاد”.
ويضيف التقرير أن تهريب المهاجرين المستضعفين واستعبادهم وعملهم القسري وسجنهم وابتزازهم يدرّ عائدات كبيرة للأفراد والجماعات ومؤسسات الدولة، ويحفز على استمرار الانتهاكات .
وثمة أسباب معقولة للاعتقاد بتعرض المهاجرين للاستعباد في مراكز احتجاز رسمية وفي “سجون سرية”، فضلًا عن ارتكاب الاغتصاب الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية .
وفي سياق الاحتجاز، وجدتْ البعثة أن سلطات الدولة والكيانات التابعة لها، بما في ذلك جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والقوات المسلحة العربية الليبية، وجهاز الأمن الداخلي، وجهاز دعم الاستقرار، بالإضافة إلى قياداتها، قد شاركت مراراً وتكراراً في الانتهاكات والتجاوزات. ومن أجل تعزيز المساءلة، ستشارك بعثة تقصي الحقائق مع المحكمة الجنائية الدولية، وفقًا لمعايير التعاون الدولي في المسائل الجنائية وبموجب الاتفاق الخاصّ بالعلاقة بين الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، الموادَ والنتائج ذات الصلة التي جمعتها البعثة خلال ولايتها، فضلًا عن قائمة الأفراد الذين حددتهم على أنهم الجناة المحتملون لانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية.
وتعرض المحتجزون بانتظام للتعذيب والسجن الانفرادي ومنعوا من الاتصال بالعالم الخارجي، وحُرموا من المياه، والطعام، والمراحيض، والمرافق الصحية، والإنارة، والتمرين، والرعاية الطبية، والاستشارة القانونية، والتواصل مع أفراد الأسرة.
وتشير الأرقام الصادرة عن الحكومة إلى أن العدد الرسمي للمحتجزين يبلغ 18523، في حين أن الأدلة التي جمعتها البعثة رجّحت أن يكون العدد الفعلي للأفراد المحتجزين تعسفياً أعلى من ذلك بكثير.
وذكر التقرير تعرض النساء للتمييز المنهجي في ليبيا، وخَلُص إلى تدهور وضعهنّ بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية. ويشكل الاختفاء القسري للنائب سهام سرقيوة، وقتل حنان البرعصي، مصدر قلق لبعثة تقصي الحقائق، وكرر خبراء البعثة دعوتهم للسلطات في بنغازي للتحقيق الكافي في هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
ودعتْ البعثة مجلس حقوق الإنسان إلى إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة ومُزوَّدة بموارد كافية. كما دعتْ البعثةُ مفوضيةَ الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من أجل إنشاء آلية منفصلة ومستقلة بولاية مستمرة لرصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا والإبلاغ عنها “في سبيل دعم جهود المصالحة الليبية ومساعدة السلطات الليبية على تحقيق العدالة الانتقالية والمساءلة”.
نص التقرير كاملا: