بعد عام من خطاب ”أين الثروة”؟

رشيد بولعود- مانوداياك
بقلم: رشيد بولعود- مانوداياك

بعد نشرنــــــا لمقال سابق “من أجل تنظيم عملية الإحصاء للمناجم المعدنية” والذي صادف الإحصاء العام للسكّان والسّكنى 2014م بإشراف أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط قال لي أحد الطلبة الجامعيين هل فعلا توجد المعادن بالمغرب؟، اندهشت كثيرا من هذا المعطى، وبكون أن هنالك مغاربة في عام 2015م لا يعلمون تماما أنّهم مواطنون في مملكة معدنية.

  ويمكن أن نشير إلى معطى ينحصر في كون أن تاريخ ملف المعادن بالمغرب غير معروف ولا زال ينطوي تحت أسرار ملغومة ومُحنّطة سيــاسيــا، رغم أن هنالك شخصيات تاريخية سياسية أثارت قضيّة المعادن ٱبتداءًا من القرن 19م و يكفي أن نشير إلى عمر بن إدريس الجيلالي الزرهوني الروكي والذي لقّبه خصمه السياسي المولى عبد العزيز بكنية مزعجة ”بوحمارة” ضده لتمريغ سمعته في التراب، وهو ثائر ومعارض مغربي نازع العلويين على حكم المغرب وسيطر على المغرب الشرقي وأصبح يهدد السلطة المركزية وكان كاتبـــاً بالقصر بمراكش واطّلع على وثائق واتفاقيات سريّة تخول للفرنسيين والإسبان استغلال  مناجم ”ويكسان” للحديد ومناجم ” أفـــرا” للرّصاص، فعمد إلى أهالي الرّيف وبايعوه وقال لهم قولته المشهورة: ”إن المخزن والنصارى يسرقون رزق أبنائكم من تحت أقـــــــدَامِكمْ “.
 إن قضية المعادن ظلت حبيسة سياسياًّ بين 12 عائلة معروفة  بالزواج السياسي المختلط منذ السياســـــــة التي رسمها الفرنسيــــــــون ٱبتداءًا من 1914م خصوصــــا ”jean gabriell” وهو من كوادر الإقامة العامة الفرنسية ومدير مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية منذ 1928م وهو الصديق الحميم للعَائلَات الكبرَى بالمَغرب لآل الفاسي والدويري والكتاني والبكّاي والصبيحي … وكلها عائلات مجنّسة ومحمية وحاملة للوسام الفرنسي الممتاز بعد معركة سيدي بوعثمان 1912م وستَملك صَحوَ البلَاد وَمَطَرَهَا ٱبتداءًا من: انتهاء مفاوضات “إكس ليبان ” 1955م،  بذالك سنستوعب وسنفهم جيّدا رسالة المقيم العام الفرنسي الماريشال ليوطي الموجهة إلى العائلاتِ الكبيرة عام 1916م: ”إنَّ المراتب القديمة سيتمُّ احترامها، وأنَّ من كانُوا الآمرِين سيبقون فِي كبير منزلتهم، كمَا سيبقَى المأمورُون مدعوِين إلى الامتثَال والطاعة”. إن هذا المعطى سيجعلنـا نفهم كذالك لماذا لم تعترض الحركة الوطنية السياسية بالمغرب للمشروع السياسي الفرنسي بالمغرب.
 ويمكن أن نشيــر إلى أن قليل من المغاربة لديه دراية بكون المغرب دولة معدنية بامتياز بمعنى رياديّة في إنتاج وتصدير المعادن، ونجحت الدولة في جعل مواطنيها من أساتذة وعلماء ومثقفين أمّيين فيما يخص ملف الثروة المعدنية ابتداءً من الخريطة السياسية التي رسمتها فرنسا بعد 1914م واحتفاظ  المخزن ل”jean gabriell” بمنصبه في إدارة قطاع المعادن في دجنبر1956م، وهو صاحب خُطّــــة إدماج ثلاث قطاعات في وزارة واحدة: الطاقة والمعادن والماء والبيئة ليتمّ بَـتْـرْ سيـــــاسي لملف المعادن حتى أصبح من المسكوت عنه اليوم لتحتكره وتنفرد به العائلات الفاسية المفترسة الكبرى والمخابرات المغربية وهو ما أشار إليه الباحث الكلونيالي الفرنسي ”روجِي تورنُو” الذِي عاشَ ما بينَ 1907 وَ1971، ولخّص المسألة بقوله “لقدْ وجدنــــا البربري بصلابته وعناده، وأتَى الأندلسِي بدقته وبمكره،” وفعلاً فقد استطاعت النخبة السياسية الفاسية بدقّتها ومكرها أن تُهرِّب وتَسْرق رِزْق المغاربة منذ 1914م أي 99 سنة إلى يومنـا هذا؟  ولنُؤكد هذا المعطى فلم يسبق للثروة المعدنية أن عُرضت للنّقـاش والسجال السياسي في البرلمان بل وحتى الأحزاب السياسيّة بكل تلاوينها لا تستطيع أن تدرج ملف الثروة المعدنية في برامجها السيّاسية لأن ملف المعادن يعتبر من قضايا التوافق السياسي بين مكونات المجتمع السياسي المغربي منذ حكومة البكاي بن مبارك 1956م.
 ويمكن أن نردف بمعطى اجتماعي ينحصر في كون  أنه لا أحد من المغاربة يعرف على وجه التحديد، خارطة مناجم استخراج الذهب والفضّة والكوبالت والمعادن الثقيلة الثمينة بما فيها الفوسفاط  وحصيلة مردوديتها الشهرية والسنوية، وللإشارة فالمغرب كلّه منـاجم  ضخمة وربّما قد يفوق بكثير عدد جماعاته الترابية ، ويكفي أن نذكر لا للحصر مناجم الفوسفاط بخريبكة واليوسوفية والفقيه بن صالح وهو من أكبر المناجم الجديدة للفوسفاط عام 2015م وبنكرير وبوكراع  ويقدر مستواه الاحتياطي اليوم ب 1.1 مليار طن، وهو أهم مناجم الفوسفاط في العالم، مناجم الذهب والفضّة والنحاس والكوبالت بورزازات وثمن الكوبالت في السوق العالمية 2015م حسب بورصة لندن للمعادن 40 ألف دولار للطن في حالته الخامة، مناجم الذهب بورزازات وطاطا وبتزنيت وتفراوت …، مناجم الفضة بإميضر وهو أكبر مناجم الفضة على الصعيد العالمي حيث تبلغ قيمته الإنتاجية حوالي 200 طن سنويّــــا من الفضة الخالصة بنسبة 99% ، وهنالك مناجم أخرى متنوعة وثمينة، وتشير تقارير الاتحاد الدولي للهندسة الجيولوجية 2012م أن المناجم تغطي أكثر من %78 من أراضي المغرب، كما أن شركة «ميتاليكسS.metalixe» الكندية المختصة في التنقيب عن المعادن ذكرت، في تقرير صدر في 16 غشت 2011م ونُشر على موقعها الالكتروني، أنه بناء على مسح جيوفيزيائي لمساحة تقدر بـ85 ألف كيلومتر من الأراضي المغرب العميق توصلت الشركة إلى معطيات بالغة  الأهمية تفيد بوجود كميات هائلة من معادن نفيسة كاليورانيوم والماس والذهب والصخور النفطية، مايجعلنا نسأل في مملكة المعادن مصيـــر الســـؤال: أيـــن الثـــروة؟
 لابد أن نُؤكّد على أن سؤال خطاب العرش 2014م أيــــن الثروة؟ طرحه مجموعة من شباب المغرب منذ حركة 20 فبراير 2011م أو قبل ذلك، يكفي أن نذكر الحركة النضالية لشباب إميضر حول مناجم تنتج 200 طن سنويا من الفضّة الخالصة بنسبة 99%، وقد دفعوا ثمن إجابتهم عن سؤال أين الثروة؟ لأزيد من خمس سنوات من النضال والإعتقال، وإن محاولة المغاربة الإجابة عن هذا السُّؤال ”الغُـــول” دفع احمد التهامي رئيس لجنة الطاقة والمعادن بمجلس النواب أن  يقول في ندوة 30 أبريل 2012م: ”حذار من وقوع احتجاجات اجتماعية بسبب خيرات المناجم”.  وهذا المعطى سيجعلنــــا نفهم قضيّة طرد الصحافيان الفرنسيان،” Pierre Hutar et Jean-Louis Perillo ” في 20 /02 / 2015م اللذان أرادا إنجاز روبورتاجًا حول الوضعية الاقتصادية بالمغرب، ونعتقد أنّ للإجـــابة عن أخطر سؤال القرن 21 أين الثـــروة؟ يرتبط بالعـــائلات الكبرى والمعروفة بسجلّها في ودائع البنوك السويسرية بـــ: 250 مليار درهم كل سنة حسب تقارير صحافية سويسرية ويكفي لقرّائنا أن يسألوا أصحاب الأسواق التجارية في الدار البيضاء وفــاس والربـــاط عن قضية وفضيحة  إقبال هذه العائلات ولأول مرّة في تاريخ المغرب على الأكياس البلاستيكية وصناديق الخشب والألومينيوم لسحب  550 مليار درهم من البنوك المغربية خوفا من تداعيات الحراك الشعبي المغربي2011م، ليعاد سؤال القرن ونطرحه بصيغته الصحيحة كيف تم نهب وتهريب الثروة؟.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *