بمناسبة اليوم العالمي للأرض: إضاءات حول قضية الأرض بالمغرب (الحلقة الأولى)

بقلم :عبد الرحمان الراضي

  خلد العالم اليوم العالمي للأرض الذي يصادف 22 أبريل من كل سنة ، و لعل ما يميزه في شمال افريقيا أنه يتزامن مع تخليد ذكرى الربيع الأمازيغي الذي بدأت شرارته في 20 أبريل سنة 1980 بتيزي وزو بالجزائر .

يعتبر حق ملكية الأراضي في جانبه الجماعي من أهم المواضيع المطروحة للنقاش في الساحة الوطنية والدولية بعد تزايد احتجاجات السكان الأصليين في جل مناطق المغرب و مطالباتهم المتزايدة من أجل حقهم في امتلاك  أراضيهم ، مع ما يوازيه ذلك من تدخلات أجهزة الدولة من أجل استعمال هذه الأراضي كآلية لجلب الاستثمار ووسيلة لعمليات الاستيعاب و صناعة النخب.

من هذا التصور لابد لنا من إبراز أهمية تحديد واضح لحق ملكية الأراضي للسكان الأصليين الذي أصبح الآن موضع اعتراف المنظومة الدولية ، في المقابل فالقبول بأهمية الموضوع من قبل جل الباحثين و فقهاء القانون في المغرب لم يتم بعد و يتغاضون عن بحث الموضوع .

ليس من دواعي الدهشة إذن أن تكون قد أفرزت عن ذلك التغاضي سياسات تنمية رديئة ، حتى ولو أصبح واضعو السياسات الاقتصادية في الدول المتقدمة و في المؤسسات الدولية يعترفون بالدور الحيوي الذي يمكن أن يؤديه نظام يعترف بالملكية الجماعية للأراضي في الدول النامية كالمغرب بالنسبة للتنمية الاقتصادية .

لابد لنا أن نوضح المقصود بحق الملكية الجماعية للأراضي ، إذ لا توجد تسمية متفق عليها في فقه القانون ، فالقانون الوطني سمى الأراضي الجماعية بمسميات مختلفة كأراضي الجماعات الأصلية أو القبلية أو الأهلية  أو القديمة أو السلالية ، و القانون الدولي ركز على مفهومين : أراضي السكان الأصليين و أراضي الشعوب الأصلية ،لكن أطلاقها هنا ليس إلا لغرض تسهيل و توضيح مهمة البحث ، و يمكن القول أن الحقوق الجماعية المرتبطة بالأرض تنصرف إلى مجموعة من التشريعات المتفرقة التي تشترك بمجملها في تدبير جوانب مختلفة لموضوع واحد (في أزمنة و أمكنة مختلفة) و هو مجال الأراضي بما يحتويه من غابات ،و تتألف هذه التشريعات من أربعة مستويات :أولها تشريعات عرفية قديمة قدم الإنسان بشمال إفريقيا كادت أن تختفي مع دخول الاحتلال ، وثانيها تشريعات استعماريةة تأسست بعد معاهدة “الحماية” لسنة 1912 ، وثالثها تشريعات ما بعد “الاستقلال” التي نهلت أساسها من تشريعات المحتل الفرنسي ، و أخيرا تشريعات دولية تأسست بموجب الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية في العالم طبق بعضها في دول مختلفة .

لقد دخلنا في هذا البحث مغامرة التنقيب و النبش في البنية الغامضة للفعل التشريعي المغربي المتعلق بالأراضي الجماعية بما تحتويه من غابات ، لم نكن واثقين من الدراسات و الأبحاث الذي توفرت لدينا لكن سرعان ما صدمنا لانسياق غالبية الدارسين للموضوع ، تارة مع طرح و فلسفة المشرع الذي يصف القوانين العرفية المتعلقة بالأراضي بأنها متخلفة ومتجاوزة ، بل نهج في تدبيرها مقاربة أمنية صرفة ، نورد مثالا فريدا لدراسة إستراتيجية تمتد إلى سنة 2025 سميت بتقرير الخمسينية التي أعدت من طرف باحثين و خبراء و مسؤولين مغاربة جاء فيها “…ومع ذلك فإذا ما كان هذا التشخيص (يقصد به المشاكل المتعلقة بالأراضي) معروفا و متفقا عليه فإنه من اللازم التخفيف من حدته لاعتبارين اثنين ، لا يخلوان من أهمية :يرتبط الأول بالوضع القانوني لهذه الأراضي الجماعية ، التي بفضل هذا الوضع بالذات تمت المحافظة عليها ، حيث أفلتت من المضاربة و التبديد .أما الاعتبار الثاني فيتعلق بالصعوبات التي واجهها أصحاب القرار في التوفيق ما بين مراجعة الأوضاع القانونية المعقدة لهذه الأراضي و التوازنات القائمة في المجتمع القروي (الأراضي الجماعية و نظام الإراثة القاضي بالتقسيم أو الشياع ، اللذين يتعارضان مع الإنتاجية …) و البحث عن السلم الاجتماعي : وهي مهمة حساسة ستفرض نفسها بالضرورة اليوم ، من خلال الرهانات الجديدة للفلاحة المغربية ، وخاصة في ظرفية سياسية و تشاركية مناسبة أكثر”1 ، و تارة أخرى اعتقاد الباقية أن” أراضي المغرب فتحت عنوة أي بالقوة لذلك فهي تعتبر ملك لجميع المسلمين ، وحق إدارته و التصرف فيه للحكومة المسلمة و لا يسمح لهم أن يفوته أو يتصرفوا فيه بغير ما تقتضيه مصلحة الإسلام و المسلمين “.2

إن الإشكالية التي تثيره حق ملكية الأراضي الجماعية بالمغرب تحتم علينا الرجوع إلى الأعراف الأمازيغية في مجال تدبير الأراضي لنعرف وضعيتها الأصلية ، كما تحيلنا إلى استقراء وضعيتها إبان الاحتلال لمعرفة الاختلالات التي مست هذه الأراضي الجماعية بعد “الاستقلال” ، ليمكن لنا في الأخير مقارنة هذا الوضع التشريعي الداخلي مع الوضع الذي ارتقى إليه حق ملكية الأراضي للسكان الأصليين في التشريع الدولي ، ومن ذلك توصلنا إلى إشكالية الدراسة التي حددت كالتالي :

 ما هي الوضعية التشريعية لحق ملكية الأراضي في بعدها الوطني و الدولي ؟

و لدراسة و معالجة هذه الإشكالية يتطلب الإجابة على التساؤلات التالية :

– ما هو مفهوم حق ملكية الأراضي في القانون المغربي و في المواثيق الدولية ؟

– ما هو مفهوم الشعوب الأصلية ؟ و هل الأمازيغ شعب أصلي من وجعة نظر التشريع الدولي ؟

– ما هي وضعية الأراضي قبل الاستعمار؟ و كيف هي إبان الاحتلال و بعده؟

– كيف هي نماذج التطبيقات القضائية للظهائر المنظمة للأراضي الجماعية و الغابات؟

– ما هو التشريع الدولي المؤطر لحقوق الشعوب الأصلية في ملكية أراضيها ؟

– ما هي الآليات الدولية لحماية حقوق أراضي الشعوب الأصلية؟

ثالثا: مبررات اختيار الموضوع :

تنحصر مبررات اختيار هذا الموضوع في أسباب ذاتية و أخرى موضوعية.

الأسباب الذاتية :

قد اخترنا هذا الموضوع لقناعات ذاتية عميقة سببتها مسايرتنا و متابعتنا لملف الأرض منذ سنوات بانخراطنا في منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق ملكية الأراضي حيث ما زلنا في طريق المرافعة الوطنية والدولية في سبيل نيل هذه الحقوق الصعبة المنال .

الأسباب الموضوعية :

إن أول عامل ساهم في اختيارنا لموضوع حق ملكية الأراضي هو أن هذا البحث يدخل ضمن الدراسات و الأبحاث التي يتوجب و يتعين الخوض فيها و تفسيرها بشكل يعطي الرؤية الواضحة لتساؤلات طالما كانت من دون إجابات مقنعة ، وبخاصة أن هناك تحفظا من قبل الباحثين للتطرق إلى مثل هذه المواضيع و مقاربتها بالتشريع الدولي الذي راكم كثيرا في هذا المجال، والتي تشكل حلقة مهمة في الاعتقاد بضرورة إلغاء الظهائر الرامية إلى تدبير الأراضي و الغابات التي نشأت مع دخول الاحتلال و استمرت إلى حد الآن .

يتبع ….

الهوامش :

1 المغرب الممكن : اسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك (تقرير الخمسينية ) مطبعة دار النشر المغربية طبعة 2006 ص 194

2 علال الفاسي – النقد الذاتي .منشورات دار الكشاف لنشر و الطباعة و التوزيع بيروت-القاهرة-بغداد طبعة 1966 ص232

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *