أصبح مفهوم “تامغرابيت” يعرف انتشارا متناميا منذ الألفية الحالية، ويستقطب مزيدا من مستعمليه الجدد من بين الصحفيين وكتاب الرأي والسياسيين وحتى النشطاء الأمازيغيين. بأي معنى يُستعمل هذا المفهوم؟ ما علاقته بالهوية الجماعية للمغاربة؟ وما علاقته، على الخصوص، بالأمازيغية؟ هل هي علاقة تكامل أم تنافر؟ هل يتضمّن اعترافا بالأمازيغية وإغناءً لها، أم أنه يُفقرها ويرمي إلى إقصائها؟
“تامغرابيت” والهوية الأمازيغية للمغرب:
واضح أن مفهوم “تامغرابيت” يُستعمل للدلالة على الخصوصية المغربية. وإذا حلّلنا هذه الـ”تامغرابيت”، أي الخصوصية المغربية، نجد أنها، أولا، ذات طابع جماعي لأن “تامغرابيت” تسري على كل الشعب المغربي ولا تقتصر على البعض دون الآخر أو منطقة دون أخرى، وأنها، ثانيا، تعبّر عما هو خاص بالشعب المغربي، مطابق لروحه وفرادته، وأن بها، ثالثا، يختلف ويتميّز عن باقي الشعوب الأخرى. وماذا تعني هذه العناصر الثلاثة: الطابع الجماعي، المطابقة لروح الشعب وفرادته، والتميّز عن الشعوب الأخرى؟ إنها هي العناصر المكوّنة لمفهوم الهوية الجماعية (انظر موضوع: “إشكالية الهوية” ضمن كتاب: “في الهوية الأمازيغية للمغرب”).
ومن أين يستمدّ شعب ما هويتَه الجماعية، أي ما الذي يعطيه خصوصيتَه وفرادتَه، ويجعله متميّزا عن باقي الشعوب الأخرى؟
إذا قمنا بعملية استقراء لكافة الشعوب التي تتميّز بعضها عن البعض الآخر بهويتها الجماعية الخاصة، سنلاحظ أن العنصرين الرئيسييْن والأوليْن اللذيْن يعطيان لشعب ما خصوصية ينفرد بها وحده ويتميّز بها عن باقي الشعوب الأخرى هما:
1 ـ الموطن الجغرافي، الذي ليس هو دائما الأصل الجغرافي الذي قد يكون مختلفا عن الموطن الذي هو بمثابة “محل الإقامة الدائم والقار” لهذا الشعب. وعندما نقول “الدائم والقار”، فمعنى ذلك أنه من الممكن أن تكون هناك “مواطن” سابقة، مؤقتة وغير قارة.
2 ـ لغته التي نشأت بهذا الموطن وأصبحت بذلك مرتبطة به وتابعة له، حتى لو كان هذا الشعب قد تعلّم لغات أخرى وأصبح يستعملها لأسباب استعمارية أو ثقافية أو دينية أو علمية، كما هو شائع عند كل الشعوب. في هذا الإطار المرجعي، الجغرافي واللغوي، تنشأ بمرور الأيام، ومع الممارسة الاجتماعية وما ينجم عنها عن علاقات ونُظُم، ثقافةٌ، وذهنية، وأساطير، وعادات، وسلوكات، وقيم، وقوانين، ومعارف، وتنظيمات اجتماعية وسياسية…، تحمل كلها بصمة الانتماء إلى نفس الموطن ونفس اللغة، وتشكّل بالتالي خصوصية تميّز الشعب صاحب هذا الموطن وهذه اللغة.
ما هو الموطن الدائم والقار للمغاربة؟ وما هي لغتهم التي نشأت بهذا الموطن؟
هذا الموطن هو البلاد الأمازيغية أو شمال إفريقيا أو بلاد البربر، كما تُعرف في الكتابات العربية للقرون الوسطى، أو شمال إفريقيا… وهذه اللغة هي الأمازيغية أولا، ثم الدارجة بصفتها لغة نشأت بالبلاد الأمازيغية ولم تأت إليها من خارجها كالعربية أو الفرنسية. فبما أن هذا الموطن هو أمازيغي، أي شمال إفريقي، فـ”تامغرابيت” لا يمكن أن تكون شيئا آخر إلا الخصوصية المميّزة لهذه المنطقة وهي “تامازيغت”، التي تشكّل الهوية الجماعية للمغاربة ولجيرانهم من المنتمين إلى نفس الموطن الذي هو شمال إفريقيا.
اسم “المغرب” يُقصي الأمازيغ من التاريخ القديم:
إذا كان واضحا ومفهوما، كما بينّا، أن “تامغرابيت” تعني الخصوصية الأمازيغية التي ينفرد بها سكان شمال إفريقيا، أي الأمازيغيون، إلا أن ما ليس واضحا ولا مفهوما أن العديد من مستعملي هذا المفهوم الجديد من المغاربة يميلون إلى توظيفه لإقصاء استعمال “الأمازيغية” و”الأمازيغ” و”البلاد الأمازيغية”، وتعويض كل ذلك بـ”تامغرابيت” و”المغاربة” و”المغرب”…
وكمثال على هذا الإقصاء لاستعمال لفظ “أمازيغي” ومشتقاته (تامازيغت، البلاد الأمازيغية…) واستبداله بلفظ “مغرب” ومشتقاته (تامغرابيت، مغربي…)، ما نجده عند بعض الكتاب الذين يتحدثون في كتاباتهم عن شمال إفريقيا لفترة ما قبل الإسلام، أي عندما لم يكن لفظ “مغرب” و”مغربي” موجوديْن ولا مستعمليْن. ومع ذلك يصرّون على استعمال لفظ “المغرب” وتسمية المنتمي لشمال إفريقيا لتلك الفترة بــ”المغربي”. فهذا الأستاذ محمد شقير يكتب، في مقاله المنشور بجريدة “هسبريس” الإلكترونية بتاريخ 19 دجنبر 2020 تحت عنوان: “بين القضية الوطنية والروح القومية”: «تم إعداد لقاء بين الملك بوكوس وسيلا قائد الجيوش الرومانية في منطقة شمال إفريقيا، عرض فيه الملك المغربي في البداية على القائد الروماني حياد المغرب في الصراع الدائر بين روما ويوغرطة، شريطة عدم المساس بحدود الدولة»؛ «يبدو أن اتخاذ الملك بوكوس قرار تسليم يوغرطة للرومان كان نتيجة لحسابات سياسية دقيقة تهدف بالأساس إلى حماية المصلحة العليا للدولة المغربية»؛ «فتسليم يوغرطة سينهي الحرب ويبعد شبحها عن الحدود المغربية، إضافة إلى أن ذلك سيمكن المملكة المغربية من التوسع، وذلك من خلال الاستيلاء على جزء كبير من أراضي المملكة النوميدية المنهارة. غير أن أهم العوامل التي كانت وراء هذا القرار تتمثل على الخصوص في الحفاظ على بقاء الدولة المغربية»…
الكلام عن “المغرب”، وعن ملك “مغربي”، ومملكة “مغربية”، وحدود “مغربية”…، قبل أزيد من ألفي سنة، هو ضرب من الخيال اللاعلمي. مع أن المناسب علميا هو تسمية الوقائع التاريخية بمسمياتها التاريخية التي عُرفت بها في الفترة التاريخية المعنية. أما استعمال تسمياتها التي تحملها اليوم، وبعد أزيد من ألفي سنة، ففضلا على أنه يعبّر عن نظرة لاتاريخية إلى تاريخ تلك الفترة، فهو نوع من تزوير الحقائق حتى تكون مطابقة ليس لما وقع، وإنما لما يرغب فيه الكاتب أن يكون قد وقع، وهو أن لا يكون هناك أمازيغيون ولا أمازيغية ولا دول وممالك أمازيغية، وبمسمياتها الأمازيغية… فإذا كان جائزا أن نسمي الدولة التي كانت قائمة بشمال إفريقيا، قبل أزيد من ألفي سنة، بالدولة المغربية، فسيكون جائزا بنفس المنطق أن نسميها بالدولة العلوية. هذا هو المأزق الذي يؤدّي إليه عدم تسمية المسميات بأسمائها التاريخية وفقا لسياقها التاريخي.
نعم نتفهّم الاعتراض الجاهز بأن تسمية “أمازيغ” لم تكن معروفة ولا متداولة في ذلك التاريخ. فحتى إذا سلّمنا بصحة ذلك ـ وهو غير صحيح ـ، فالحري استعمال التسميات المستعملة في تلك الفترة من غير “أمازيغ”، فنسمي ما يسميه الكاتب “المغرب” بـ”نوميديا” أو بلاد “المور”…، فنكتب: “المملكة النوميدية” أو “المورية”…، والملك “النوميدي” أو “الموري”… بل كان من الممكن الاكتفاء باستعمال التسمية الجغرافية المعروفة، “شمال إفريقيا” (بلاد إفريقية في الكتابات العربة)، فنقول: مملكة شمال إفريقيا، ملك مملكة شمال إفريقيا. وعندما نريد التدقيق، إذا اقتضي السياق ذلك، نقول: دولة شمال إفريقيا بالمنطقة التي تسمى اليوم الجزائر، إشارة إلى مملكة نوميديا التي كان مركزها بهذه المنطقة. والأستاذ شقير يعرف جيدا هذه التسميات التاريخية الحقيقية، بدليل أنه ذكر “المملكة النوميدية” و”شمال إفريقيا” في نفس النص الذي أوردته أعلاه.
فلماذا ترك هذه التسميات التاريخية الحقيقية واستعمل تسميات لا معنى لها بالنسبة للسياق التاريخي لتلك الفترة؟ أما إذا برّرنا استعمال التسمية الحديثة، “المغرب” و”المغربي”، للكلام عن تاريخ شمال إفريقيا لما قبل ألفي سنة، بغياب تسمية “أمازيغي” التي لم تكن متداولة في ذلك التاريخ، فالأولى أن يكون ذلك مبرِّرا لاستعمال التسمية الحديثة التي يُعرف بها اليوم الأمازيغيون. فإذا لم يكن لا اسم “أمازيغي” ولا اسم “مغربي” معروفيْن ولا مستعمليْن في تلك الفترة التي تخص تاريخ من يُسمّوْن اليوم بالأمازيغ، فالمنطق يقضي باستعمال الاسم الحديث الذي يُطلق على الأمازيغ ما داموا هم موضوع التاريخ المعني.
“تامغرابيت” وإقصاء الأمازيغية:
هذا الميل إلى إلغاء اسم “أمازيغ” و”البلاد الأمازيغية” حتى عند الكلام عن نفس الأمازيغ ونفس البلاد الأمازيغية في التاريخ القديم، وتعويضهما بـ”المغاربة” و”المغرب”، سيعرف تطورا نوعيا مع استعمال، ليس فقط اسم “المغاربة” و”المغرب” للحديث عما يُفترض أنهم أمازيغيون وبلاد أمازيغية، بل المفهوم الجديد، الذي هو “تامغرابيت”، المشتق من لفظ “مغرب” والمصاغ طبقا لقواعد النحو الأمازيغية. والخدعة ـ حتى لو لم تكن مقصودة عن وعي ـ في استعمال هذا المفهوم، هو أنه يُغري حتى النشطاء المدافعين عن الأمازيغية («الإعلان عن تأسيس “حركة تامغربيت” لنشر ثقافة الاختلاف والسلم والتعايش وإعادة الاعتبار للأمازيغية» ـ انقر هنا للاطلاع على الخبر) لأنه يعني في الظاهر أن المغاربة مستقلون عن عروبة الشرق الأوسط باعتبار أن ما يشكّل خصوصيتهم هي “تامغرابيت” وليست العروبة. وهذا ما يدافع عنه ويطالب به النشطاء الأمازيغيون أنفسهم. من هذه الناحية يبدو مفهوم “تامغرابيت” جذّابا وجميلا، وحتى “أمازيغيا”.
وهنا يكون الطُّعم قد أوقع ضحاياه في الفخ المنصوب. فحتى إذا سلّمنا أن “تامغرابيت”، كخصوصية مغربية، تعني في ظاهرها الانفصال عن العروبة المشرقية، فإنها تعني في الباطن الانفصال عن الأمازيغية التي تغيّبها وتلغيها “تامغرابيت” لفظا، ثم مفهوما ومضمونا.
فبما أن الألفاظ تحمل دلالات ومضامين، واقعية وتخيّلية، تاريخية وثقافية، ميتولوجية ورمزية…، فإن لفظ “تامغرابيت”، رغم أنه مصاغ في قالب نحوي أمازيغي، فهو يحيل بداهة على لفظ “المغرب” الذي اشتق منه. وما المشكل في ذلك؟ المشكل أن اسم “المغرب” لم يبدأ استعماله كاسم رسمي وطني لهذا القُطر الذي يقع غرب شمال إفريقيا إلا مع 1912، بعد أن فرضه المقيم العام “ليوطي”، مُقصيا بذلك الاسم الأصلي الذي كان يعرف به قُطر المغرب، وهو مراكش، الذي لا زالت كل التسميات الأوروبية للمغرب تحافظ عليه بعد تكييفه مع أشكال النطق للغاتها، مثل:
Marruecos, Maroc, Morocco, Marokko…، وهو ما ينتج عنه أن خصوصية المغرب، أي هويته التي تميّزه عن الشعوب الأخرى، تشكّلت منذ قرن وتسع سنوات فقط (نحن في 2021). وحتى إذا تساهلنا وقبلنا أن اسم المغرب كان معروفا ومتداولا قبل 1912، رغم أنه لم يكن يعني بالتحديد القُطر المغربي إلا إذا ذُكر مقرونا بنعت الأقصى (المغرب الأقصى)، حيث كان يُطلق على كل شمال إفريقيا، أي ما يُسمى في الكتابات العربية بـ”بلاد البربر”، فإن ذلك سيفضي إلى نفس النتيجة، وهي أن خصوصية المغرب، أي هويته التي تميّزه عن الشعوب الأخرى، تشكّلت فقط في القرون الوسطى عندما بدأ استعمال اسم “مغرب”، وهو ما يسهل معه الاعتقاد أن هذه الهوية عربية لأن لفظ المغرب كلمة عربية وأن أول من استعملها هم العرب. ففي كلتا الحالتين، هناك إقصاء لـ”تامازيغت” التي، حسب منطق “تامغرابيت”، لم تكن، قبل ظهور لفظ “المغرب”، هي هوية شعوب هذه المنطقة وتشكّل خصوصيتها التي تميّزها عن الشعوب الأخرى.
من جهة أخرى، بما أن مفهوم “تامغربيت” يحيل على “المغرب”، كما أشرت، وبما أن مفهوم “المغرب” يعني الجنسية ولا يعني الهوية الجماعية التي هي شيء لا يتطابق دائما مع الجنسية ـ وهذا ما يعرفه التعريبيون المتحولون عندما يقولون بأن هوية المغرب عربية ـ، فإن استعمال “تامغرابيت” بمعنى الخصوصية المغربية فيه خلط بين مفهوم الجنسية ومفهوم الهوية. والذي يهمنا من هذا “الخلط” هو أنه يُقصي، بدوره، الأمازيغية ويُبعدها نهائيا خارج الموضوع، إذْ لا هي تدخل في إطار الجنسية ولا في إطار الهوية. يضاف إلى ذلك أن هذا الخلط يُقصي كذلك الأمازيغية كهوية مشتركة بين أقطار شمال إفريقيا نتيجة ربطها بالمغرب الذي لم يعد يعني، بعد أن أصبح وطنا وجنسية، إلا القطر المغربي، أي المغرب الأقصى، كما كانت تسميه الكتابات العربية في القرون الوسطى. إلا أن هذا الخلط إذا كان يُقضي الأمازيغية فذلك من أجل أن تشكّل العروبة هوية خاصة للمغرب، مثل الهوية العربية الخاصة بالكويت أو الإمارات أو البحرين أو السعودية…، ضمن الهوية العربية العامة، أي التي تشترك فيها مختلف الدول العربية. وهذا هو مضمون “تامغرابيت” الذي يجمع بين الهوية والجنسية. فالمغرب عربي، ولكن عروبته خاصة بجنسيته المغربية، مما يجعلها متميزة على عروبة الدول العربية الأخرى.
ويبدو أنه بعد فشل التعريب الإجرامي، أحد المبادئ الأربعة للحركة الوطنية، في القضاء نهائيا على الأمازيغية بتعريب الإنسان والمحيط، كما ينادي بذلك التعريبيون، تم اللجوء إلى مبدأ “المغربة” الذي هو من بين هذه المبادئ الأربعة.
وإذا كانت “المغربة” تعني استبدال الأطر الأجنبية بأطر مغربية، فإن “تامغرابيت” هي استبدال لـ”تامازيغت” بهذه “التامغرابيت”. فبما أن الأمازيغية لا تزال حاضرة وموجودة وحتى دستورية، رغم الملايير التي أُنفقت على التعريب من أجل قتلها، فالحل إذن هو مغربتها، أي إدماجها في “تامغرابيت” كمجرد رافد ملحق بها. وهكذا تنقلب، بفضل سحر “تامغرابيت”، أطراف المعادلة لتصبح “تامازيغت”، التي هي النبع والأصل الذي ينبغي أن تُدمج فيه “تامغربيت” كفرع ورافد، مجردَ فرع ورافد لـ”تامغرابيت” التي غدت تمثّل الأصل والنبع. فما لم يحقّقه التعريب طيلة قرن ونيّف ـ نعم التعريب الحقيقي والرسمي المؤسساتي بدأ منذ 1912 ـ من حرب ضروس على الأمازيغية، تحقّقه “تامغرابيت” في بضعة عقود.
والخطير في “تامغرابيت”، بمستتبعاتها التي عرضناها، أنها لا تحتاج إلى مدرسة كما يحتاج إلى ذلك التعريب التعليمي. بل إن تدنّي المستوى التعليمي يساعد على انتشار مضامين “تامغرابيت” كبديل عن الأمازيغية أكثر مما قد يفعله مستوى تعليمي متقدّم. ولهذا فـ”تامغرابيت” تشّكل نوعا من ثقافة الشارع التي تنتشر عبر “الشفوي” دون حاجة إلى وسائط كتابية. وهذا ما يفسّر أن العديد من غير المتعلمين يحسمون النقاش حول الأمازيغية والهوية بالقول: «نحن مغاربة وانتهى الأمر. تجمعنا وتوحّدنا “تامغرابيت”». وقد تتبعنا، مذهولين، برنامج “تامغرابيت” الذي بثته قناة ميدي 1 تيفي يوم 3 فبراير 2021 من التاسعة حتى الحادية عشرة ليلا، حيث غابت الأمازيغية نهائيا في مقابل الحديث على اليهود والعرب والمسلمين، مع التركيز على تسامح هؤلاء الأخيريْن مع اليهود، مع أن هؤلاء اليهود عندما جاؤوا إلى منطقة المغرب قبل الميلاد إنما جاؤوا عند الأمازيغ الذين احتضنوهم وعاملوهم بتسامح واحترام ومساواة معهم، وذلك قبل أن يكون هناك عرب ولا إسلام. وحتى عندما أوضحت، أثناء البرنامج، فتاة إسرائيلية بأنها يهودية أمازيغية من تينغير، لم تكترث مقدّمة البرنامج لذلك، معتبرة أن موضوع الأمازيغية غير ذي أهمية في نقاش حول “تامغرابيت”.
بالفعل فـ”تامغرابيت”، كما سبق أن شرحت، ترمي إلى تغييب الأمازيغية كموضوع يستحق النقاش. وهذا ما فعله أيضا الأستاذ الجامعي الذي شارك في البرنامج عندما قال: “اليهود سبقوا العرب إلى المغرب” «حيث نفهم من كلامه أن المغرب كان أرضا خلاء الى أن جاء إليه اليهود والعرب فعمروه. ولم تسلم الأندلس بدورها من هذه العقلية حين تحدث نفس الأستاذ عن “امتزاج الثقافة العربية العريقة والثقافة اليهودية في الأندلس”» (من المقال التحليلي النقدي للبرنامج تحت عنوان: «”تامغريبيت” قناة ميدي 1 تيفي» للأستاذ لحسن زهور، المنشور على موقع “أزول بريس ـ انقر هنا للاطلاع على المقال”). هذه هي “تامغرابيت” كما قدمتها قناة ميدي 1، وكما أكدها الأستاذ شقير وأعاد تأكيدها الأستاذ الجامعي المتخصص في التاريخ (أي تاريخ؟) الذي شارك في البرنامج. فكما نلاحظ، وكما سبق أن بينّا، فإن أهم ما يميّز “تامغرابيت” ويحدّد غايتها هو تجاهل الأمازيغية إلى أن يجهلها الجميع كما لو أنها لا توجد ولم يسبق أن وُجدت، كما رأينا عند الأستاذ شقير.
ومن هنا تبرز خطورة ثقافة “تامغرابيت” على الأمازيغية، والتي ربما قد تفوق خطورة سياسة التعريب الإجرامية لأنها، كما قلت، تنتشر بواسطة “الشفوي” ولا تحتاج إلى تعلّم، مما يؤهلها أن تصبح جزءا من الثقافة الشعبية والعامّية.
“تامرّاكشيت” بدل “تامغرابيت”:
إذا كان لا بد من استعمال اسم، دون أن يكون هو اسم “تامازيغت”، للعبير، كما في اسم “تامغرابيت”، عن الجنسية وللدلالة في نفس الوقت على الهوية الجماعية للشعب المغربي لإبراز خصوصيته التي تميّزه، ليس فقط عن المشارقة، بل حتى عن البلدان الأخرى لشمال إفريقيا التي يشترك معها في الانتماء الأمازيغي، فليس هناك من أنسب ولا أفضل من الرجوع إلى الاسم الأصلي للمغرب الأقصى وهو مراكش. ومنه نصوغ “تامرّاكشيت” التي ستعني الهوية الجماعية لشعب ودولة بلاد مراكش.
فبدل أن تكون “تامغرابيت”، كما يراد بها، هوية عربية خاصة بالمغرب، ضمن الهوية العربية العامة، كما سبق أن شرحت، تكون “تامراكشيت” هوية أمازيغية خاصة بدولة مراكش ضمن الهوية الأمازيغية العامة، أي التي تشترك فيها كل دول شمال إفريقيا.