أكد أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن اختيار اللهجات واعتماد آلية البث المتزامن ليس مجرد توظيف آلية تقنية، ب”ل ينطوي هذا الإجراء على خلفيات ورهانات متعددة الأبعاد، منها ما هو سياسي وما هو مهني فئوي”.
وتساءل بوكوس في ندوة وطنية حول “دور قناة تمازيغت في تدبير التنوع اللغوي والثقافي بالمغرب”، نظمتها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة يوم الأربعاء 14 فبراير 2018 بالرباط، عن الأداة اللغوية الأكثر نجاعة لتفعيل مقتضيات الدستور بخصوص تنمية وحماية الأمازيغية بصفتها لغة رسمية في قطاع الإعلام، “هل هي اللغة الأمازيغية المعيار المشتركة، أم هي اللهجات المحلية؟”.
وفيما يلي نص مداخلة عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أحمد بوكوس في الندوة:
أما بخصوص الموضوع المطروح للتداول في إطار هذه الندوة فهو يتعلق بإشكال لغة الإعلام الناطق بالأمازيغية عامة، وبقرار إدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المتمثل في “البث المتزامن للروافد الثلاثة للأمازيغية” في برامج قناة تمازيغت، حيث تعتزم هذه القناة الشروع المباشر في استعمال هذه الآلية “من أجل تدبير التنوع اللغوي والثقافي”، وفي سبيل “تحقيق القرب من المشاهدين”.
وإسهاما في توضيح بعض رهانات الآلية المقترحة، نصوغ السؤال الآتي: ما هي الأداة اللغوية الأكثر نجاعة لتفعيل مقتضيات الدستور بخصوص تنمية وحماية الأمازيغية بصفتها لغة رسمية في قطاع الإعلام ؟ هل هي اللغة الأمازيغية المعيار المشتركة، أم هي اللهجات المحلية ؟
وغني عن البيان أن لهذا الموضوع أهميته وراهنيته، ولا شك أن اختيار اللهجات واعتماد آلية البث المتزامن ليس مجرد توظيف آلية تقنية، بل ينطوي هذا الإجراء على خلفيات ورهانات متعددة الأبعاد، منها ما هو سياسي وما هو مهني فئوي. فمفاد رأينا أن إشكال ثنائية اللغة المعيار مقابل اللهجات لا يستقيم طرحه بشكل حصري كما لو أن أحد الخيارين نقيض للآخر. فعكس ذلك، في تقديرنا أنه يتعين على الإعلام الناطق بالأمازيغية أن يستعمل الأمازيغية ولهجاتها في علاقة تكاملية. وذلك حسب نوعية الفئة المجتمعية المستهدفة والخدمات المعروضة وطبيعة الإنتاجات البرامجية. فقد نتصور الأمازيغية المعيار -مثلا- أداة للتواصل في البرامج التثقيفية والفكرية الموجهة لعامة المشاهدين، أما البرامج ذات الطبيعة التحسيسية والترفيهية والثقافية الشعبية التراثية فيستحسن أن تكون أداة التداول بها هي اللهجات الجهوية من تاشلحيت وتمازيغت وتاريفيت وغيرها، وفق ما تيّسره تقنية البث المتزامن.
على هذا المنوال، سنكرس دور الإعلام الأمازيغي في الحفاظ على التوازنات الضرورية للثقافة المغربية وتدبير التعدد اللغوي والثقافي داخل الهوية الواحدة ،كما ينصّ على ذلك دستور المملكة الذي يقر التنوع الثقافي واللغوي ويضمنه. فكما جاء في تصدير الدستور، فالهوية الوطنية موحدة بانصهار مكوناتها المتمثلة في الدين الإسلامي الوسَطي، والعربية، والأمازيغية، والصحراوية الحسّانية، والعبرية. إضافة إلى أن الفصل الخامس يكرس هذه التعددية اللغوية والثقافية. لاحظوا معي، أيتها السيدات، أيها السادة، أن النص الدستوري يتحدّث عن الأمازيغية وعن العربية بصيغة المفرد وليس كلهجات جهوية ومحلية.
وفي هذا الباب، فإننا نشدّد على كون الأمازيغية المعيار هي اللغة المشتركة، الموحَّدة (بالفتح) والموحٍّدة (بالكسر)، وهي مشكّلة من المشترك بين اللهجات الجهوية فيما يتعلق بالصيغ الصرفية والتركيبية والمعجم المتداول، من جهة، ومن المعجم والمصطلحات التقنية المستحدثة، من جهة أخرى. أما بالنسبة للنطق، فكل متكلم ينطق الأمازيغية المعيار حسب معطيات النظام الصوتي الخاص بلهجته الأصلية، وهذا شأن جميع اللغات المعيار عبر العالم. وللتوضيح، فإن الأمازيغية المشتركة هي لغة كاملة الأوصاف؛ إذْ تتوفّر على نحو ومعجم مرجعيين وعلى رصيد من الإنتاج الأدبي كسائر اللغات المعيار. وإضافة إلى هذا، فإن ما يزيد الأمازيغية المعيار قوةً تدريسها منذ سنوات بالمدرسة والجامعة والمعاهد العليا.
وبالرجوع للنص الدستوري، نودّ رفع لبس قد يقود إلى سوء فهم مسألة “تدبير التنوّع اللغوي والثقافي” حيث يكرّس الدستور التنوّع اللغوي والثقافي على المستوى الماكرو المجهري، أي على مستوى الهيكلة العامة للحقل اللغوي والثقافي، وليس على مستوى كل بنية من بنيات النظام اللغوي والثقافي الشمولي على حدة. إذن، فالقول إن البث المتزامن للهجات من شأنه أن يسهم في “تدبير التنوع الثقافي واللغوي” قد يكون قولاً سقيماً إذا استحضرنا أن ذلك الإجراء سيؤدّي حتماً إلى تقوقع اللهجات في خندق اللهجنة الجهوية والمحلية، وإلى استحالة التواصل بين أمازيغ الجهات المختلفة بالأمازيغية. زد على ذلك أنه إذا أضيفت الدارجة في نظام البث المتزامن فإنها ستبتلع اللهجات الأمازيغية وستكتسح المجال اللغوي بشكل مطلق.
في حين أن من فضائل الأمازيغية المشتركة أنها تيّسر التواصل بين المكوّنات الأمازيغية وتوحّد لهجاتها. ولعل من النتائج الحميدة لاستعمال المبدعين من أدباء وفنانين وبعض الإعلاميين للأمازيغية المعيار وقعه الإيجابي على تشكّل نخبة جديدة متنوّرة تؤسّس لغد أفضل للثقافة الأمازيغية.
خلاصة
هكذا، وبناءً على المسوّغات السالفة، فإننا نقترح استعمال الأمازيغية المشتركة المعيار أداةً لِسْنيةً للبرامج الفكرية والتثقيفية حماية للأمازيغية الرسمية، واستعمال اللهجات الجهوية على أساس البث المتزامن في البرامج ذات الطبيعة الترفيهية والتحسيسية حفاظا على الموروث الفني والأدبي.
أمضال أمازيغ: كمال الوسطاني