“بيلماون” ينثر أجواء الفرح ويُحافظ على الموروث الأمازيغي المتوارث منذ آلاف السنين

صور من الفيسبوك

إقبال الآلاف من الجماهير الأمازيغية بمناطق سوس والحوز وغيرهم من المناطق، على متابعة طقوس الفرجة والإمتاع والإبداع في احتفالات “بيلماون” العارمة، والمهرجانات و”الكرنفالات” التي تشهدها هذه المناطق بمناسبة عيد الأضحى.

ويتنكر المحتفلون بهذا التراثي الأمازيغي القديم الذي يبدأ في اليوم الموالي من عيد الأضحى ويستمر من ثلاثة أيام إلى أسبوع وأكثر، في أقنعة متنوعة ومُختلفة لإخفاء هوياتهم وملامحهم، ويرتدون جلود الماعز والخرفان، ثم يقومون بالتجول في الأزقة والشوارع مصحوبين بجماهير غفيرة، ويقومون بالرقص والغناء على إيقاعات “أحواش” والفن الأمازيغي المتنوع.

و تنظم احتفالات ومهرجانات كبرى على مستوى أكادير والدشيرة وعدد من المناطق المجاورة، منها ما هو رسمي عن طريق الجماعات والسلطات المحلية والجهوية وفعاليات مدنية وجمعوية. ومن المرتقب أن ينظم مجلس جماعة أكادير، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل ومجلس جهة سوس ماسة، وبإدارة من مركز سوس ماسة للتنمية الثقافية، الدورة الثانية من “بيلماون” الكرنفال الدولي لأكادير وذلك من فاتح إلى ثالث يوليوز 2024 .

وكما العادة، مع كل موسم “بيلماون” تتعالى بعض الأصوات “المتشددة” على منصات “التواصل الاجتماعي” والتي تحاول “تحريم” هذه العادات والتقاليد الأمازيغية الضاربة في عمق التاريخ، وتحاول “تشويهه” وإلصاقه “بعادات تُعادي الدين الإسلامي” على قد زعمهم، إلا أن هذه الفئة القليلة التي تتقلص عام بعد أخر، تُواجه بيقظة ومُحاججة فكرية وعلمية من طرف فعاليات أمازيغية وجمعوية ومدنية ومثقفين ونشطاء، ما يدحض إدعاءاتهم.

واعتبر المدافعون عن “بيلماون” أن التراث الثقافي الأمازيغي المثوارت بين الأجيال منذ القدم، هدفه الفرجة والفرحة. مؤكدين أن “الأيديولوجية الوهابية” المستوردة من الشرق الأوسط، والتي تفتي بتحريم كل ما له علاقة بعاداتنا وتقاليدنا وموروثنا الثقافي والحضاري والإنساني، انتهت إلى غير رجعة، بل “دول المشرق نفسها التي صدّرت “الغلو والتطرف” إلى “شمال إفريقيا، بدأت تنفتح على العالم.

في هذا الصدد علق الأستاذ محمد فريد بالقول إن :”معظم من يهاجموننا نحن الأمازيغ ويفسدون علينا أفراحنا ويعملون بكل الطرق على إبادة و قتل و دفن تراثنا الثقافي واللغوي و الحضاري، من عرب أقحاح عاربة ومعربين ومستعربين وأمازيغ مستلبين، ودعاة ووعاظ و شيوخ متأسلمين، يستعملون لغة الضاد في محاولاتهم الخسيسة، وإتهاماتهم لنا بكل أنواع التهم”.

وقال إن “الأمازيغ ليسوا بأطفال صغار حتى يحتاجون لوصاية من المتشددين الذين يحاربون العادات والتقاليد الأمازيغية، إنما هم أحرار في أرضهم تمازغا”، مضيفاً أن “الأمازيغ أناس مسالمون متفتحون متسامحون لكنهم لا يقبلون الجور والظلم والتعسف والشطط والتهميش والإحتقار”.

وتساءل الفنان الأمازيغي، حميد اشتوك من جانبه عن سبب “تراجع القوى اليسارية والحداثية والتقدمية والأحزاب إلى الوراء و”التفرج” في “حرب الوهابية” على التراث الأمازيغي”.

ومن جهته، اعتبر محمد بادرة أن “للثقافة والفنون وسائل وإمكانيات لا حدود لها لإحياء وانتعاش الذات الحضارية للشعوب، ففي رحمها تنمو وتتوالد أنواع و أنماط من الأشكال الثقافية، منها ما هو شعبي كامن في الذاكرة الجماعية الشعبية، ومنها ما هو غير شعبي كامن في الذات الفردية المبدعة، منها ما هو متعالي ومتعالم و منها ما هو متعايش ولا كتابي كالثقافة الشعبية التي ينظر إليها على أنها صورة عن المجتمعات اللا كتابية ، تعبر عن نفسها بوسائط تعبيرية فنية وغير فنية و تتجسد عبر عدد لأمتناه من الأشكال الرمزية التي تمثل شاهدا أو مؤشرا زمنيا عن تاريخها الحضاري الطويل”.

كما أنها، يضيف الكاتب بادرة في مقال سابق حول “طقوس الفرجة والإمتاع في احتفالات بوجلود”، وعاء للمعتقدات والعادات والقيم و الأعراف التي تجسدت في الماضي وتجلت في حضارة هذه الذاكرة الجماعية، وهي لا تبقى حبيسة هذا الماضي كما لا تمنعها هذه الذاكرة من استعادة وعيها المعاش والراهن”.

و قال إن الإنسان كما تمثلته هذه الثقافة ليس كائنا أزليا بل وليد الذاكرة التاريخية التي تجسد له معنى ودلالة وجوده . لهذا فإننا “ورثتا عددا من الأشكال الرمزية ساعدتنا على إثراء معلوماتنا عن العصور الغابرة كما هو شان الاحتفالات الفر جوية أو المهرجانات الفولكلورية ( احتفالات بوجلود – على سبيل المثال ) التي تقام موازاة مع احتفالات عيد الأضحى وتستمر لأيام كلها رقص وتمثيل وغناء وفرجة”.

وأبرز أنها “تندرج هذه الاحتفالات الفرجوية ضمن الوسائط التعبيرية في الثقافة الشعبية الأمازيغية، وهي كباقي ألأشكال الثقافية الشعبية للشعوب المماثلة ذات القيمة الحضارية عبارة عن أنساق تعبيرية و دلالية تعبر وتحاكي الواقع والطبيعة بوسائل محاكاتية كثيرة، فيها الحركة والرقص والتمثيل والفرجة … و تشكل بالنسبة للإنسان الامازيغي حاجات روحية وطبيعية”.

هذا، ودعا عدد من النشطاء وفعاليات أمازيغية ومدنية، وزارة الثقافة إلى “البدء في تثمين وتسجيل هذا الموروث الثقافي في قائمة اليونيسكو الخاصة بالثرات الثقافي غير المادّي وحمايته من الإنذثار”.

حري بالذكر أن وزارة الشباب والثقافة والتواصل السنة الماضية عبرت السنة الماضية، عن استعدادها للتنسيق مع الممارسين وكافة المعنيين من أجل إعداد ملف تسجيل بيلماون على اللائحة المثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونسكو.

واعتبرت أن “بيلماون” يكتسي أهمية خاصة ضمن عناصر التراث الحي وبأن الشباب حرصوا على مواصلة العناية بهذا العنصر لما له من ارتباط بالهوية الثقافية.

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *