تآكل الأمازيغية بصيام المتعلمين عن كتابتها وبالتدرجن والاستعراب والتفرنس

بقلم: مبارك بلقاسم

كنت في عدة مقالات سابقة قد عالجت بعض جوانب ظاهرة صيام المثقفين والمتعلمين عن الكتابة بلغتهم الأمازيغية اليومية، ومن بينها مقالي السابق: “كيف يستطيع المدونون والكتاب المغاربة كسر صيامهم عن الكتابة بالأمازيغية؟”. وفي هذا المقال سنقترب من جوانب أخرى لهذه الظاهرة في محاولة لتحليل بعض أبعادها.

هناك كلام لا رأس له ولا رجلين يكرره دائما بعض العامة وبعض خصوم الأمازيغية اختصر بعض مضامينه فيما مفاده: “إيوا صافي! أش غا نديرو بْهاد الشلحا؟ لاش كا تصلاح؟ واش غا نطلعو بيها للقامار؟! انا ابعدا بْغيت ولادي يقراو العربيا باش يدخلو الجّنّا و يقراو لفرونصي باش يلقاو الواظيف! ما عندي ما ندير بهاد الشلحا ديالكوم! راني حتا انا شلح! والاكين ما بغيتش ولادي يقراو الشلحا! لاحقّاش الشلحا موءامارا صهيونيا! بغاو يقسّمونا! و زايدون راها الشلحا لوغا يامانيا عرْبيا قوحّا! الموهيم الشلحا لوغا عربيا قْديما والاكين راها موءامارا صهيونيا ستيعماريا صاليبيا! انا بغيت لفرونصي و العربيا و لونگـلي لولادي باش يدبّرو الواظيف (و إيلا يسّر الله يدبّرو شي فيزا لبلاد الكوفّار)!”.

هناك سؤال واحد يردده هؤلاء “العوام” ويستحق الإجابة وهو: لاش كا تصلاح الشلحا؟

وجوابه هو كالتالي: اللغة الأمازيغية لغة شعبية (مثل الدارجة). وبسبب أن الأمازيغية لغة شعبية فهي أداة الشعب المغربي للدفاع عن حرياته وحقوقه ومصالحه وللتعبير عن حياته وأفكاره شفويا وكتابيا. الإنسان بلغته الشعبية الأم هو أقدر على الدفاع عن حريته وحقوقه مما إذا كان يغمغم ويتلعثم بلغة أخرى أجنبية عنه. السياسيون يستطيعون خداع الشعب حينما يخاطبونه بالإنشاء العربي أو بالحَذْلَقات الفرنصيصية، ولكنهم لا يستطيعون خداع الشعب حينما يخاطبونه بلغته الشعبية الأمازيغية والدارجة. والدولة الديمقراطية الحقيقية هي التي تتبنى لغة الشعب. فـ”الديمقراطية” كلمة يونانية demokratia تعني حرفيا “حكم الشعب” أو “سلطة الشعب”. وحكم الشعب لا يكون إلا بلغة الشعب. أما الشعب الذي يخضع للغة النخبة فهو يخضع لحكم تلك النخبة.

1) الدارجة تلعب دور placeholder “حارس مكان” مؤقت لصالح العربية الفصحى والفرنسية:

حينما نتحدث عن “الاستعراب” و”التدرجن” فلابد من أن نتحدث عن اللغة الدارجة. الاستعراب الشفوي في المغرب يعني دائما: التحول إلى الدارجة والتخلي عن الأمازيغية. ويمكن التعبير عنه أيضا بـ”التدرجن”، فلا أحد في المغرب يتحدث باللغة العربية الفصحى في حياته اليومية. ولكن نفس ذلك الشخص المتدرجن الذي تخلى عن الكلام بالأمازيغية في بيته أو في الشارع وبدأ يتحدث بالدارجة فإنه في المجال الكتابي لا يكتب بالدارجة وإنما يكتب بالعربية الفصحى أو بالفرنسية اللتين تعلمهما في المدرسة.

وبسبب أن غالبية المتعلمين الناطقين بالدارجة كلغة أمّ يرون (على ما أعتقد) بأن “الدارجة ليست لغة حقيقية” ويرون بأن “الدارجة مجرد لهجة شوارعية لا تستحق الكتابة والتدريس” فإن هذا يعني بأن أي توسع للدارجة على حساب الأمازيغية في المجال الشفوي هو في الحقيقة يصب في فائدة العربية الفصحى والفرنسية في المجال الكتابي لأن الدارجة ممنوعة من الكتابة والتدريس.

لو كانت الدارجة لغة معترفا بها تكتب في المدارس والإدارات لكان كل توسع للدارجة على حساب الأمازيغية يعني: توسعا حقيقيا للدارجة على حساب الأمازيغية في الشفوي والكتابي وفي المدارس والإدارات والإعلام.

إذن بما أن الدارجة ممنوعة من صفة “اللغة” وممنوع عليها أن تكتب وتدرس كلغة مستقلة بذاتها فإن أي توسع شفوي لها على حساب الأمازيغية سرعان ما تتم ترجمته كتابيا ومدرسيا وإداريا وإعلاميا إلى توسع للعربية الفصحى والفرنسية بالمغرب.

لهذا يحق لنا أن نقول بأن الدارجة “غير حاضيا لبلاصا للعربيا و لفرونصي”. الدارجة مجرد placeholder ممنوعة من الكتابة وممنوعة من الاستقلالية، ووظيفتها هي تسييج وتنظيف وحراسة المكان (الذي “استولت” عليه من الأمازيغية) وانتظار قدوم اللغتين الرسميتين الكتابيتين الفرنسية والعربية الفصحى اللتين ستستلمان ذلك المكان من أجل “تحفيظه عقاريا” والاستفادة منه واستغلاله.

2) صيام المتعلمين والمثقفين عن الكتابة بالأمازيغية: انتظارية أبدية وعقم إرادي

هناك سببان رئيسيان لصيام المغاربة المتعلمين والمثقفين الناطقين بالأمازيغية شفويا عن الكتابة بالأمازيغية في المواضيع اليومية كالسياسة والاقتصاد والأخبار:

– السبب الأول: أنهم ينتظرون أن تصنع لهم الدولة “لغة أمازيغية معيارا فصحى” على منوال “العربية الفصحى”.

– السبب الثاني: أنهم ينتظرون شيوع حرف تيفيناغ في المجتمع المغربي، وهو انتظار قد يدوم عقودا أو قرنا من الزمن.

بالنسبة للسبب الأول فإن المتعلمين والمثقفين لا يهتمون بأن يكتبوا بلهجات لغتهم الأمازيغية اليومية (أمازيغية الريف والأطلس وسوس والجنوب الشرقي) عن المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإنما يريدون لغة أمازيغية “معيارية فصحى” جديدة وجاهزة، على منوال “العربية الفصحى”. وهذا شيء مستحيل لن يحدث يوما “بالطريقة العربية” على الأقل، وذلك لأن مثال “العربية الفصحى” مثال لا يناسب الأمازيغية ومختلف تماما عن حالة الأمازيغية. فالعربية الفصحى هي لغة إسلامية ظهرت مع ظهور الإسلام وتطورت على يد فقهاء الإسلام وانتشرت بانتشار الإسلام. وبدون الإسلام لا وظيفة لـ”العربية الفصحى” في المجتمعات العربية لأن تلك المجتمعات تستعمل العربيات الشعبية (الحجازية، المصرية، الشامية…) في حياتها اليومية ولا حاجة لديها إلى “لغة عربية إضافية”. ولولا الإسلام لما كان هناك على الأرجح شيء اسمه “اللغة العربية الفصحى” ولكانت اللغات الرسمية لشعوب الشرق الأدنى وشمال أفريقيا هي اللغات الوطنية العربية الشعبية (العراقية، الشامية، الحجازية، المصرية، اليمنية، السودانية …إلخ) واللغات الوطنية الأخرى كالأمازيغية والقبطية والنوبية والكردية والسريانية والآرامية. و”الفصاحة” هي ما يفصح به الناس. واللغة الأم للإنسان هي “فصحاه” الحقيقية.

وبالنسبة للسبب الثاني (لظاهرة الصيام عن الكتابة بالأمازيغية) فإن شيوع حرف تيفيناغ في المجتمع المغربي قد يستغرق عقودا أو قرنا من الزمن. وبخلاف الجزائر التي ما زال فيها الحرف اللاتيني الحرف الرئيسي لكتابة وتدريس وترسيم اللغة الأمازيغية، فإن المغرب عرف اختيار الإيركام لحرف تيفيناغ في 31 يناير 2003 في ظروف سياسية مشحونة وملتبسة وفي تصويت سري ومغلق من جولتين. ومنذئذ اتجه المتعلمون والمثقفون المغاربة المهتمون بالأمازيغية إلى اعتبار الحرف اللاتيني “لامفكرا فيه” وخارج أي اعتبار حيث أنهم يعتبرونه “حرفا خاصا بالفرنسية” بل إنهم كثيرا ما يسمونه “الحرف الفرنسي” بدل “الحرف اللاتيني”. وهذا الانقلاب الفجائي في المواقف يتناقض بشدة مع حقيقة معروفة للجميع وهي أن “الحركة الثقافية الأمازيغية” Amussu Adelsan Amaziɣ (أو MDM) ومعظم مثقفي وباحثي الأمازيغية المستقلين كانوا دائما يطالبون وينصحون بتدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني، واستمروا كذلك إلى غاية يوم 31 يناير 2003.

3) نسبة الأمية في المغرب: 32% أي ثلث الشعب

“الحروف الجديدة” لا تنتشر بسهولة في صفوف المجموعات السكانية الضخمة كالشعب المغربي العرمرم. حرف Tifinaghe-IRCAM ليس هو “الحرف الجديد” الوحيد في المغرب، وإنما الحرف اللاتيني والحرف العربي هما أيضا “حرفان جديدان” على المغاربة وعلى كل الأمازيغ في العالم الأمازيغي. فبالنسبة للشعب الأمي: كل الحروف جديدة عليه. ونسبة الأمية في المغرب لا تقل عن 32% من مجموع السكان في عام 2014 حسب الإحصاء العام للسكان. وقد ترتفع نسبة الأمية هذه إلى 40% أو 50% إذا احتسبنا مغادري المدرسة الابتدائية، وبقية ضعيفي التعليم من أصحاب “مستوى التحضيري” أو “مستوى المسيد”، وجيوش “أطفال الشوارع” التي تملأ المدن المغربية.

نسبة الأمية المقدرة بـ 32% من سكان المغرب تعني أن 32% من المغاربة لا يعرفون القراءة والكتابة، لا بالحرف اللاتيني ولا بالحرف العربي ولا بحرف تيفيناغ. وذلك رغم أن التعليم والإدارة الحديثة بدآ في المغرب منذ 1912، ورغم أن التعليم الديني العتيق (في المسجد والمسيد) بدأ منذ قرون في المغرب. رغم كل ذلك يبقى اليوم 32% من المغاربة معزولين تماما عن الحرف اللاتيني والحرف العربي والحرف التيفيناغي. هذا كله يعني أن نشر الحروف والكتابة في المجتمع (الأمي أو نصف الأمي) عملية بطيئة جدا.

4) الحرف اللاتيني المتواجد بالمغرب منذ 1912 ما زال مجهولا لدى 32% من المغاربة:

رغم أن الحرف اللاتيني دخل إلى المغرب منذ عام 1912 مع الاحتلال الفرنسي الإسباني، ورغم أن اللغة الفرنسية والحرف اللاتيني كانا رسميين لدى الدولة المغربية منذ 1912 واستمرا كذلك بعد 1956 ودرّستهما كل مدارس وجامعات الدولة وتم نشرهما عبر كل الإدارات والمنشورات والإعلام، فإن الحرف اللاتيني إلى حد هذه اللحظة ما زال حرفا مجهولا لدى 32% على الأقل من مجموع المغاربة.

فما الذي سنقوله عن حرف تيفيناغ-إيركام الذي لم يظهر على الساحة (الرسمية) إلا منذ بضع سنوات وبشكل فولكلوري ورمزي ومحدود جغرافيا؟ لابد أن المدة التي سيحتاجها حرف تيفيناغ للانتشار ستكون على الأقل مساوية للمدة التي احتاجها الحرف اللاتيني للانتشار في المغرب إن لم تكن أكبر منها.

بصرف النظر عن الاحتلال الروماني ووجود اللغة اللاتينية والحرف اللاتيني بالمغرب في العصر القديم، فالحرف اللاتيني دخل حديثا إلى المغرب عام 1912 مع اللغتين الفرنسية والإسبانية. ومنذ 1913 أصدرت السلطات الاستعمارية الفرنسية “الجريدة الرسمية المغربية” (وكل الوثائق الأخرى) باللغتين الفرنسية والعربية، وبدأت في تأسيس مؤسسات وإدارات وشركات اقتصادية وموانئ ومدارس ومستشفيات ومراكز تكوين تشتغل باللغة الفرنسية والحرف اللاتيني في “المنطقة السلطانية” بالمغرب. بعملية حسابية بسيطة سنجد أن عمر تواجد الحرف اللاتيني حديثا بالمغرب يبلغ أزيد من 100 عام. أي منذ عام 1912 إلى 2017.

وما هي حصيلة نشر الحرف اللاتيني بالمغرب طيلة 100 عام؟ حوالي 68% من المغاربة يعرفون القراءة والكتابة بالحرف اللاتيني قليلا أو كثيرا. و32% من المغاربة أميون لا يستطيعون القراءة ولا الكتابة بالحرف اللاتيني. يجب أن نتذكر دائما أن الدولة المغربية أعطت رعاية فائقة لنشر اللغة الفرنسية والحرف اللاتيني بالمغرب.

إذن فرغم مرور 100 عام من جهود الدولة الجبارة في نشر الحرف اللاتيني والفرنسية بالمغرب فما زال 32% من المغاربة لا يفقهون شيئا من الحرف اللاتيني ولا من اللغة الفرنسية.

تصوروا لو أن الدولة المغربية كانت تعرقل الحرف اللاتيني وتعرقل تدريس ونشر الفرنسية منذ 1912 أو منذ 1956. لابد أن حجم انتشار الحرف اللاتيني واللغة الفرنسية بالمغرب عبر الـ 100 عام الماضية سيكون في تلك الحالة أضعف بكثير وأصغر بكثير مما هو عليه الآن.

5) منذ 1300 عام من وجود الإسلام بالمغرب ما زال 32% من المغاربة لا يعرفون الحرف العربي:

الإسلام دخل إلى المغرب والعالم الأمازيغي منذ 1300 عام آتيا معه بالقرآن المكتوب بالعربية والحرف العربي. ولكن رغم كثرة المساجد والمدارس القرآنية منذ قرون فإن نسبة ضئيلة جدا من الشعب المغربي والأمازيغي عموما كانت تعرف القراءة والكتابة بالحرف العربي واللغة العربية القرآنية. وعبر القرون بقي المغاربة في غالبيتهم الساحقة أميين لا يقرأون ولا يكتبون بأية لغة ويتكلمون غالبا اللغة الأمازيغية.

ولم ترتفع نسبة المغاربة القادرين على القراءة والكتابة بالحرف العربي واللغة العربية إلا مع دخول الاستعمار الفرنسي الإسباني عام 1912 الذي أتى معه بنظام المدرسة الأوروبية الحديثة والجامعة الحديثة وتقنيات الطباعة والإدارة الحديثة. ومع استقلال المغرب عام 1956 دشنت الدولة المغربية المستقلة حملة واسعة لبناء المدارس والثانويات والجامعات وتدريس اللغتين العربية والفرنسية. ورغم ذلك المجهود الهائل فما زال حوالي 32% من المغاربة لا يعرفون القراءة ولا الكتابة بالحرف العربي.

ماذا لو كانت الدولة المغربية تعرقل الحرف العربي وتعرقل اللغة العربية الفصحى منذ 1912 أو منذ 1300 عام من تاريخ الإسلام بالمغرب؟ لابد أن حجم انتشار الحرف العربي واللغة العربية بالمغرب عبر الـ 100 عام الماضية (منذ 1912) أو عبر الـ 1300 سنة الماضية من تاريخ الإسلام بالمغرب، سيكون أضعف بكثير.

6) هل حرف تيفيناغ سيكون أسرع من اللاتيني والعربي في الانتشار بالمغرب؟

إذن فقد رأينا أن “الحروف الجديدة” تنتشر ببطء شديد جدا في المجتمعات الأمية. فهل حرف تيفيناغ سيكون أسرع من الحرفين اللاتيني والعربي في الانتشار بالمغرب، رغم استفادة الحرفين اللاتيني والعربي واللغتين الفرنسية والعربية منذ 1912 من الترسيم والتدريس والرعاية الفائقة وغياب تلك الرعاية مع حرف تيفيناغ؟

من يقول “نعم” بدون أي دليل فهو يفكر بالطريقة السحرية magical thinking أو العاطفية emotional thinking.

هناك طبعا عامل جديد وهو عامل الإعلام والتكنولوجيا والإنترنيت، حيث قد يقول المرء بأن الإعلام الحديث والتكنولوجيا والإنترنيت قد يساعدون الأمازيغية المكتوبة بتيفيناغ على اختصار الطريق والانتشار السريع في المجتمع. وهذا قد يكون صحيحا ولكن لا نرى منه شيئا ذا بال على أرض الواقع. فرغم توفر الإنترنيت وتقنيات الفيديو فلا نرى أي إنتاج إعلامي يذكر بالأمازيغية المكتوبة بحرف تيفيناغ (باستثناء بعض الإنتاجات الشعرية والأدبية القليلة)، وإنما نلاحظ أن المثقفين والمتعلمين المغاربة الناطقين بالأمازيغية ينصرفون عن الكتابة بالأمازيغية ويقبلون على الكتابة والتعبير بالعربية الفصحى والفرنسية حول كل المواضيع السياسية والاقتصادية والحياتية بما فيها مواضيع الأمازيغية نفسها.

ويبدو أن التكنولوجيا تنفع اللغات المعتنى بها من طرف الدولة والمجتمع أكثر من اللغات المهملة من طرف الدولة والمجتمع. وما علينا إلا أن ننظر إلى أعداد المواقع الإخبارية والخدماتية والترفيهية المغربية بالفرنسية والعربية ونقارنها بأعداد المواقع الأمازيغية اللغة. لا توجد مقارنة بين الإثنين. فالمواقع الإنترنيتية المغربية المكتوبة بالفرنسية والعربية بالآلاف بينما المواقع المغربية بالأمازيغية بحرف تيفيناغ موقعان اثنان: الشق الأمازيغي من موقع وكالة الأنباء الرسمية MAP والشق الأمازيغي من موقع الإيركام IRCAM. هذا كل شيء.

الدولة تهمل الكتابة بالأمازيغية والشعب بمتعلميه ومثقفيه وشبابه ونشطائه يهمل الكتابة بالأمازيغية. إنه تحالف صامت بين الإثنين.

حرف تيفيناغ ليس بحرف خارق وإنما هو حرف عادي كبقية الحروف. وبما أن مستوى انتشار حرف تيفيناغ بالمغرب اليوم في عام 2017 لا يزيد عن مستوى انتشار الحرفين اللاتيني والعربي في المغرب عام 1917 (خلال الاحتلال الفرنسي الإسباني) فإن المدة الضرورية لنشر تيفيناغ ستكون بنفس طول مدة انتشار الحرفين اللاتيني والعربي في المغرب التي تجاوزت الـ 100 عام. علما أن الحرفين اللاتيني والعربي فشلا في تغطية 100% من المغاربة، ولم يتجاوزا إلى حد اليوم تغطية نسبة 70% من مجموع الشعب المغربي رغم مرور قرن كامل على بداية نشرهما الممؤسس رسميا بالمغرب.

وحتى لو قمنا بأخذ التكنولوجيا والإنترنيت كعوامل مساعدة للأمازيغية بحرف تيفيناغ في القرن الـ21 فالنتيجة لن تختلف كثيرا بسبب المؤشرات الحالية التي نلاحظها في المغرب وهي:

– بطء أو جمود انتشار تدريس الأمازيغية في المدرسة الابتدائية.

– غياب اللغة الأمازيغية في الثانويات المغربية (عكس الحالة الجزائرية).

– انعدام أي تصور معقول لترسيم الأمازيغية كلغة للإدارة (وليس كلغة للوحات الجدارية).

– صيام المتعلمين والصحفيين والمدونين والمثقفين عن الكتابة بالأمازيغية (بالحرف اللاتيني أو بتيفيناغ) على الإنترنيت.

– انعدام شيء اسمه “الصحافة الأمازيغية الورقية” أو “الصحافة الأمازيغية الإلكترونية”.

وهي كلها مؤشرات تشير إلى طول المدة الضرورية لنشر الأمازيغية بحرف تيفيناغ عبر المغرب والتي قد لا تقل عن 100 عام أو 50 عاما، في وقت يستمر فيه التدرجن والاستعراب والتفرنس الطوعي بجانب “سياسة التعريب والفرنسة” من طرف الدولة، وهي سياسة موروثة عن الاستعمار الفرنسي. وفي نفس الوقت تستمر اللغة الأمازيغية في التراجع الديمغرافي الذي تؤكده الأرقام الرسمية (الإحصاء الرسمي) والملاحظات اليومية في المجتمع.

7) هل حقا لكل لغة حرفها؟

يكرر بعض محبي حرف تيفيناغ الرافضين لفكرة تدريس اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني مقولة مفادها: “لكل لغة حرفها، وحرف الأمازيغية هو تيفيناغ ولا شيء غير تيفيناغ، والأمازيغية لن تتقدم إلا بتيفيناغ”.

مقولة “لكل لغة حرفها” هي مقولة خاطئة تماما، لأن عدد أنواع الحروف في العالم ضئيل جدا بالمقارنة مع عدد اللغات في العالم. فعدد أنواع الحروف يبلغ كأقصى حد حوالي 100 نوع من الأبجديات والألفبائيات والرسوميات والهيروغليفيات أغلبها حروف منقرضة الاستخدام (كالهيروغليفيات القبطية والحروف الفينيقية والحروف التركية القديمة Old Turkic alphabet والحروف الجرمانية). وحاليا بقي حوالي 30 أو 40 نوعا مستخدما من الحروف، وأكثرها انتشارا في العالم هو الحرف اللاتيني، والذي هو أيضا الحرف الوحيد الموجود رسميا وشعبيا في كل القارات. وتوجد المئات من اللغات التي تستخدم الحرف اللاتيني للكتابة، ومن بينها الإنجليزية والألمانية والبرتغالية والدنماركية والبولونية والتركية والكردية والإندونيسية والماليزية والفيتنامية، بالإضافة إلى الأمازيغية في الجزائر.

وتوجد لغات أخرى تستعد للانتقال إلى الكتابة بالحرف اللاتيني مثل لغة كازاخستان، حيث قررت الحكومة الكازاخستانية الانتقال في السنوات القليلة المقبلة من استعمال الحرف السيريلي (الروسي) إلى استعمال الحرف اللاتيني لكتابة وتدريس اللغة الوطنية الكازاخية.

أما عدد اللغات الموجودة في العالم فهو حوالي 7000 لغة حية حسب مؤسسة Ethnologue من بينها أزيد من 2000 لغة حية مكتوبة. إذن لدينا 100 نوع من أنواع الحروف أمام 7000 لغة حية. إذن المقولة “لكل لغة حرفها” هي ببساطة مقولة خاطئة ومستحيلة.

وقد كنت قد عالجت موضوع “لكل لغة حرفها” بالتفصيل في مقال عنوانه “اللغة الأمازيغية أهم من حروف تيفيناغ واللاتيني والعربي” (http://www.hespress.com/writers/258783.html).

والشيء الذي يغفل عن محبو تيفيناغ هو أنهم يضعون تيفيناغ فوق الأمازيغية، أو يضعون الأمازيغية في خدمة تيفيناغ. والأصح هو أن يكون الحرف في خدمة اللغة، وليس العكس. فالمهم هو اللغة. والحرف ليس سوى خادم للغة. واللغة تستطيع تغيير حرف كتابتها بحرف آخر يخدمها بشكل أفضل.

ثم يجب أخذ حقيقة أخرى بعين الاعتبار وهي أن اللغة الأمازيغية أقدم من حرف تيفيناغ. الأمازيغية لغة عمرها ما بين 7000 و10.000 سنة. أما حرف Tifinaghe-IRCAM فقد ظهر منذ سنوات فقط. والحرف الليبيكوأمازيغي Libyco-Berber يبلغ عمره حوالي 2500 سنة. اللغة الأمازيغية أقدم من كل الحروف على وجه الأرض.

وهناك حقيقة أخرى وهي أن الأمازيغية كتبت في العصر القديم بالحرف الليبيكوأمازيغي Libyco-Berber في عصر ممالك نوميديا وموريطانيا الأمازيغية. ثم كتبت الأمازيغية بالحرف التيفيناغي الطوارقي Tifinaɣ في الصحراء الكبرى. ثم في العصر الإسلامي كتبت الأمازيغية بالحرف العربي في مخطوطات “كتاب البربرية” الإباضية في ليبيا وتونس وشرق الجزائر وفي المخطوطات الأمازيغية السوسية مثل “بحر الدموع” و”الحوض”. ثم في القرن العشرين بدأت الأمازيغية تكتب بالحرف اللاتيني في الجزائر والمغرب على نطاق أوسع من ذي قبل. وحاليا يتم تدريس اللغة الأمازيغية في الجزائر بالحرف اللاتيني في الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي. وغالبية المؤلفات الأمازيغية الأدبية والشعرية في المغرب والجزائر وأوروبا تصدر بالحرف اللاتيني. وصدرت أول ترجمة أمازيغية رسمية للدستور الجزائري الجديد في 2016 بالحرف اللاتيني وعنوانها الأمازيغي: Iḍrisen igejdanen n Uwanak Azzayri s Tmaziɣt.

8) خلاصة:

مهما كانت ميولات محبي الأمازيغية حول الحرف (اللاتيني، تيفيناغ، العربي) فالمطلوب منهم هو الإنتاج بلغتهم الأمازيغية ولهجتهم اليومية بحرفهم المفضل في مواضيع الحياة اليومية. أما الانتظارية والصيام عن الكتابة فلن يؤديا بالأمازيغية إلا إلى الانقراض المؤكد من المغرب مثلما انقرضت الأمازيغية من معظم تونس وموريتانيا.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *