أكد أحمد عصيد، رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، أن الأستاذ والمناضل الأمازيغي الراحل “ابراهيم أخياط” كان له أثر كبير في المشهد السياسي المغربي، كونه ساهم كثيرا في تأطير عدد من المثقفين والسياسيين المغاربة.
وأضاف عصيد في حوار حول “الأمازيغية كما رآها الراحل” بمشاركة كل من الصافي مومن علي ومصطفى البرهوشي، خلال حفل تأبين الراحل “ابراهيم أخياط”، الذي نظمته أمس السبت، 12 ماي 2018، بالمركب الثقافي عين الشق، بالدار البيضاء، جمعية أمود بمعية عدد من النشطاء والفاعلين الأمازيغ بالبيضاء، أن الراحل يعد من “المؤسسين الكبار” للحركة الامازيغية ويتميز بـ”خصال الفاعل المدني الناجح” والقدرة على التأطير والاقناع.
مشيرا إلى أن الأستاذ أخياط “استطاع من خلال العمل الذي قام به طيلة عقود من الزمن، طبع مرحلة كبيرة من الحركة الأمازيغية ببصماته وكذا خلق مكانة متميزة للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي ضمن النسيج الجمعوي المغربي”.
ومن جانبه وصف الصافي مومن علي، أحد مؤسسي الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، “ابراهيم أخياط” أنه من بين الآباء الكبار المؤسسين للنهضة الأمازيغية، مضيفا أن الراحل “سجل اسمه في التاريخ باعتباره أحد الأبطال البارزين في دراما الولادة الجديدة لشعبنا، التي كرس لها حياته كلها، إلى أن سقط سقطته الأخيرة وهو في عز معمعانها، الشيء الذي يمكن معه أن يلقب بشهيد النهضة الأمازيغية”.
وأكد مومن علي، أن الراحل كان دينامو الحركة الأمازيغية، “وقيل أيضا أنه كان المايسترو داخل هذه الحركة، أو كان قطب رحاها، أو كان قائدها ومنسقها، أو كان موحدها”، مضيفا أنه “لو قدر لباحث أن يجمع من أفواه عارفيه كل ما كان يتصف به هذا العبقري من مواهب، وما قام به من أدوار، لتم له جمع رصيد آخر غير ما أشرت إليه”.
واستنكر الصافي مومن علي ما أسماه بالمصير البارد والغير الكريم الذي لاقاه أخياط “في حياته وفي مماته”، مسترسلا “صديقي الحميم ورفيقي في درب النضال الأمازيغي الأستاذ ابراهيم أخياط، أحدث في نفسي حزنا وقلقا عميقين، لم يخفف وطأتهما إلا ما قرأته من الفيلسوف شوبنهاور حينما ذكر أن العباقرة يكونون دوما محل إهمال معاصريهم، الذين لا يدركون نبوغهم إلا بعد إحساسهم بالفراغ المهول الذي يخلفه غيابهم وموتهم، مستشهدا على ذلك بقولة مأثورة مفادها : “أن قسمة عظماء الأرض أن لا يعرف قدرهم إلا بعد مماتهم”.
وفي حوار آخر حول “ما لا نعرفه عن ابراهيم أخياط: معالم تدبير المتنوع ومحاورة المختلف”، بمشاركة كل من الأستاذ الحسين أيت باحسين، والأستاذ أقديم براهيم، قال أيت باحسين
إن “تدبير المتنوع” من قبله الراحل أخياط، يتمثل في بذله المجهود لخلق فروع في مختلف مناطق المغرب من أجل إضفاء الصبغة الوطنية على الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، “مع استقطاب مختلف شرائح المجتمع المغربي، إما للانخراط في الجمعية أو للتعاطف مع قضيتها أو لتيسير تلبية مطالبها، بما فيهم طلبة، موظفون، رجال أعمال، رجالات دولة، تجار، فنانون، منتمون ولامنتمون لتنظيمات سياسية وغير سياسية متباينة، وغيرهم من شرائح المجتمع المغربي”.
مؤكدا أن “محاورة المختلف” بالنسبة للفقيد إبراهيم أخياط تتمثل في مختلف مبادراته من أجل استمالة خصوم الأمازيغية، مضيفا أيت باحسين “ففي مرحلة أولى: كانت هناك أقلية مؤمنة – أي المؤمنون- بعدالة القضية الأمازيغية وأكثرية كافرة – أي “الكفار”- بعدالة القضية الأمازيغية؛ في مرحلة ثانية: تقلص عدد الكافرين بعدالتها وازداد عدد المؤمنين بها، لكن ظهرت بوادر فئة جديدة وهم المؤلفة قلوبهم (أي المنافقون)؛ أما اليوم فقد تقلص جدا عدد الكافرين بها، وضعفت قوى ضغط المؤمنين بعدالتها، وهيمنت مواقف المؤلفة قلوبهم”.
وقال نائب الكاتب العام للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، أن “محاورة المختلف” تتمثل في الحوارات واللقاءات والتظاهرات والندوات الثقافية والصحفية، وغيرها من أنشطة، تستهدف الحوار مع “خصوم الأمازيغية”، خاصة في “سنوات الرصاص الثقافي”، وبصفة أخص من قبل جل الأحزاب السياسية البعثية العروبية، ومعهم “ذوي القربى” (الذين كان ظلمهم أشد مضاضة) بمختلف أصنافهم: المنتمين لتلك الأحزاب وغير المنتمين إليها كـ”محتقرين لذواتهم” اعتبارا لدونية كل ما هو أمازيغي، علما أنه إذا كان الخذلان من ذوي القربى فهو الظلم العميق، الذي لا تمحوه حودث الأيام؛ فما أشد ما عانينا معهم من ظلم لم تمحوه إلى الآن حوادث الأيام”.
وختم أيت باحسين كلامه مخاطبا روح أخياط “التي لا تفتأ ترفرف في كل المناسبات التي تعقد فيها تظاهرات ومبادرات من أجل مأسسة الأمازيغية في كل أبعادها”، قائلا: “نم مطمئنا؛ يا شهيد الوحدة في التنوع، سنواصل الحوار أولا، والحوار ثانيا، ولا شيء غير الحوار ثالثا، من أجل تقاسم الاقتناع؛ وسنواصل النضال من أجل بناء هوية بخلفية وطنية جامعة دون تعصب ولا تنطع”.
ومن جانبه تحدث الأرضي مبارك، الكاتب العام لجمعية “تانزاكين” وعضو المكتب الوطني للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، في عرضه المعنون “مسيرة حياة من أجل النهضة الأمازيغية” عن السيرة الذاتية للراحل دا براهيم أخياط، منذ ميلاده سنة 1941 بدوار إخياطن بقبيلة أيت صواب بالأطلس الصغير، في عائلة فقيرة، ثم رحيله إلى الرباط مكفاحه من أجل الدراسة والتحصيل.
وفي مرحلته الثانوية، يضيف الأرضي، برز نشاط أخياط في ثانوية محمد الخامس بالرباط، حيث التحق بالكشفية الحسنية، وهذا ما أهله إلى مزيد من التكوين والاعتماد على النفس والتحمل والانضباط، كما انخرط في ممارسة رياضة الزوارق الشراعية وحصل فيها على بطولة المغرب سنة 1969، وفي سنة 1966 بدأ مشروع محاربة الأمية لدى المستخدمين والتجار بالغرفة التجارية بالرباط، ليعين بعد ذلك أستاذا للرياضيات بالقنيطرة، ثم تمارة، قبل أن يغادر مهنته التعليم، ويأسس مقاولته الخاصة، متفرغا بذلك للنضال والتواصل مع الطلبة الأمازيغ الذين يتابعون دراستهم العليا بالرباط.
استطاع الأستاذ ابراهيم ومعه ثلة من الشباب الأمازيغي الاندياح وبقوة في مسار النضال من أجل الأمازيغية والاعتراف بحقوقها فوق أرضها، وكانت البداية تأسيس أول إطار مدني هو “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي” سنة 1967، والتي سطرت ملاحم وتضحيات وجهود فكرية وثقافية كان لها الأثر الطيب في تمليك المجتمع لمشعل النضال من أجل الأمازيغية وهو ما أثمر الاعتراف برسمية الأمازيغية في ستور 2001، “هذا المكسب المهم لم يكن منحة من أحد؛ بل كان ثمرة جهود وتضحيات جيل من رواد العمل الأمازيغي” يضيف الأرضي.
وفي كلمة عائلة المرحوم ابراهيم أخياط، الموقعة باسم ياسين أخياط الذي تعذر عنه الحضور، قال إن المرحلة التي تمر منها القضية الأمازيغية اليوم، تقتضي الاستفادة من تجربة وتراكمات رواد الحركة الثقافية الأمازيغية الراحلون منهم والذين لا زالوا على قيد الحياة، وجعل تلك التجارب نموذجا تقتدي به الأجيال الصاعدة. لذلك يجب أخذ العبرة بالمثال، وسيلة لتكريس ثقافتنا وهويتنا في الحياة العامة والخاصة واعتماد الكتابة والتوثيق أساسا لحفظ الذاكرة وإعادة الاعتبار للموروث الثقافي الأمازيغي بكل تجلياته.
وأضاف أخياط أن والده الراحل كان إلى جانب رفاقه وأصدقائه في النضال، مثالا للتضحية وروح المبادرة في سبيل إنصاف الأمازيغية واستعادة مكانتها ضمن النسيج الثقافي المغربي، ولم يكن يتوانى في اتخاذ المواقف التي تمليها المرحلة حيث ساهم في العديد من المبادرات نتجت عنها مكتسبات لصالح القضية سواء في مجال الإبداع الأدبي والفني أو في مجال التنظيم والتأطير، فضلا عما خلفه من كتابات ساهمت في بناء مرجعية الخطاب الأمازيغي وشكلت إطارا للتفكير والعمل الاستراتيجي المثمر.
وعرفت حفل التأبين مشاركة العديد من النشطاء والمناضلين الأمازيغيين، الذين قدموا عدة شهادات في حق الراحل “ابراهيم أخياط”، باسم التنظيمات الأمازيغية التي ينتمون إليها، بما فيها “التجمع العالمي الأمازيغي”، “لجنة حزب تامونت للحريات”، “الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية”، “صوت المرأة الأمازيغية”، “الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة”،وغيرها من التنظيمات التي تشتغل من أجل الحفاظ على الأمازيغية وتطويرها.
وحسب برنامج حفل تأبين الراحل “ابراهيم أخياط”، فقد شارك في تنظيم هذا الحدث الأمازيغي الهام، إلى جانب جمعية “أمود”، كل من حسن أيت سي، الأرضي مبارك،أقديم ابراهيم، العثماني محمد، حنان توفيتري، سعيدي المحفوظ، زروالي اليزيد، الطاهر ضريف، حمو الحسناوي، أوبلال الحسين، سلام حسن، محمد أيت حامد، مبارك أركراك، ملاوش محمد، أمناي المحفوظ، بلعيد الرامي.
أمضال أمازيغ: كمال الوسطاني