تأطير الذات الطلابية… سبيل نحو تحصين الحركة الطلابية

عماد لبوز

إن الوعي بأهمية الحركة الطلابية يجعل كل ذات غيورة ومسؤولة تفكر وتناضل لاعادة الاعتبار للطالب المغربي كعنصر وعضور فعال داخل المجتمع المغربي والمعول عليه من أجل السير قدما بشتى المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بهدف تحقيق تنمية شاملة تساهم في الرقي بالمستوى الفكري والتعليمي والتربوي لمختلف فئات المجتمع التي تتعمد بعض الصحف المخزنية والأقلام المأجورة التي تمنح لنفسها صفة المثقفين والمفكرين، تقسيمهم وتصنيفهم حسب المرتبة التعليمية والفكرية والاجتماعية، مما يكرس من سياسة الميز بين جل أفراد المجتمع وبالتالي تحسيسهم بوجود فوراق اجتماعية بين عناصر ينتمون إلى رقعة جغرافية واحدة ومشتركة، تجمعهم هوية، ثقافة ولغة واحدة، وساهموا جنبا إلى جنب في توحيد نضالاتهم وكفاحهم ضد الاستعمار الأجنبي ومطامعه.

إن ظهور الحركة الطلابية بالجامعة المغربية، وازاه تفاعل جد مهم ومتميز مع أحداث الشارع المغربي المرتبطة بمختلف المخططات المخزنية الهادفة إلى احتكار (((المشهد السياسي))) رغم أن مفهوم المشهد السياسي بالمغرب يحتاج إلى تحليل عميق يستدعي فهمه توظيف علم الاجتماعي السياسي لاعادة تحليل وتفسير كيفية اشتغال الفرقاء السياسيين بشتى تلاوينهم ومرجعياتهم، وكذا علم النفس السياسي لتفسير مختلف تحركات الفاعليين السياسيين وخطاباتهم، كمدخل للتحسيس بالأنا السياسية المغربية، و توعية الشعب المغربي بالاستهدافات التي تطاله في عز و أوج عطائاته. إنها السياسة التي كانت إلى حد قريب ضحيتها الحركة الطلابية عندما كانت في يد البيادق المخزنية ودكاكينه السياسية، أي (((أحزاب))) (((الحركة الوطنية))) التي باعت المغرب في معاهدة إكس-ليبان الخيانية- وفي معاهدات أخرى سرية مازلنا ندفع ضريبتها، وما ترتب عنها من أمور أخلاقية مست كرامة وشرف وسمعة شعب قهر الاستعمار الأجنبي في معارك عديدة، خاصة معركة أنوال الخالدة بقيادة الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي –مولاي موحند-، ومجموعة من الشهداء المغاربة الحقيقيين الذين اتسموا بالوطنية الفعلية المرتبطة بالتضحية بكل ما يملكون في سبيل الاستقلال والتحرر من كل القيود والأغلال، التي كرسوها الوطنيين الوصوليين والمزيفيين للاستحواذ والزحف على ما تبقى من خيرات البلاد وتجثيث كل منبع خير قد يساهم في الحد من الفقر المدقع والبطالة والتهميش، من مقالع الرمال، مناجم الذهب والفضة، ورخص الصيد في أعالي البحار التي غدت محتكرة في يد ضباع وثعالب الدكاكيين السياسية وجيرانهم في المؤسسة العسكرية.

كما أن الاطلاع على كيفية عمل النظام المخزني كمؤسسات أخطبوطية وتشعبها في مختلف ميادين الحياة العامة، وتبجحه الدائم بدولة المؤسسات والقانون، واستقلال القضاء، ومدى تدخله في توجيه مسار خدمة الصالح العام والمصلحة المشتركة فيما يضمن له مجال سيطرته على مختلف المناطق المغربية، بوضع أعين ماكرة ومنتحلة لمختلف الأقنعة وبلطجية تعرقل المسيرات الشعبية المطالبة بالتغيير الحقيقي والجاد. وتفضيله لأعيانه وخرفان الزوايا التي تشرعن استبداده باسم الدين، وتزكي أيضا تدخلاته القمعية في حق الشعب المغربي بذريعة حماية الحق والأمن العامين. مع العلم أن مختلف الكتابات والدراسات السوسيولوجية خلصت إلى أن الحراك الشعبي السلمي وليد طغيان القمع والتفقير والاستبداد الممنهج والقهر والاستغلال ومختلف الاستراتيجيات الساعية إلى بسط النفوذ داخل الدولة. بالإظافة إلى مجموعة أخرى تتجسد بالخصوص في تفويت مجموعة من مصادر الاغتناء والثراء لحفدة من كانت لهم يد مباشرة وغير مباشرة في تصفية شهداء الشعب المغربي الذين حملوا على عاتقهم مهمة الانعتاق والتحرر من كل الذين يسعون إلى بيع المغرب في مزاد علني يمنح لمن يدفع أكثر، حتى وإن كان هذا البيع على حساب كرامة ومستقبل كل مواطن مغربي. والأكثر من ذلك أن هؤلاء الأحفاد وأتباعهم عادوا في أكثر من مناسبة من أجل تجديد عقد الاسترزاق السياسوي، خصوصا تصريحاتهم المشبوهة بضرورة إعادة رفات الشهيد مولاي موحند، اختطاف الدكتور واللساني بوجمعة الهباز، واغتيال الشهيد عباس لمساعدي، والتهرب من لب ومحتوى هذه الواقعات وغيرها التي تعتبر وصمات عار على جبين بكل من يهلل بالوطنية وحقوق الانسان.

إن هذه الأمور، لا بد أن تكون سلاحا قويا في عقل وفكر كل ذات طلابية مغربية تنشد التغيير الجذري والحقيقي، ومؤمنة كذلك بمبدأ الفضح السياسي كآلية ديمقراطية للكشف عن الذين يخندقون الحركة الطلابية في معارك سياسية تخدم مصالح حزبية خارجية (مقاطعة الامتحانات…) و جرها الدائم إلى مستنقع العنف لاجتثاثها القطعي والنهائي من داخل الجامعة، أو منحها هبة ل(((الشبيبات الحزبية، خصوصا الأصالة والمعاصرة، النهج الديمقراطي، الاتحاد الاشتراكي والطليعة…)))، وبالتالي العسكرة الشاملة لمختلف المواقع الجامعية خصوصا تلك التي تعرف احتقانا حادا وساخنا رغم أنه في بعض الأحيان يكون مسيرا من بعض ضباع وثعالب هذه الدكاكين. فكل هذا غذاه القصور والعوز الفكري والسياسي لدى الطالب المغربي، و لا مبالاته بالأمور والأحداث التي تقع خارج أسوار الجامعة والبرامج التي يروج على أنها تهدف إلى (((إصلاح التعليم)))، كما أن التربية التي يتلقاها المواطن المغربي رسخت سلبية السياسة وروجت على أنها فن التحايل والمكر والخداع، أي تم تلخيصها فقط في محتوى كتاب ”الأمير” لميكيافيلي، ليمنعوا الشعب من خلال ايديولوجية التلقين عن التفكير والتحليل والتركيب والتأمل، فأهملوا تدريس جوهرها وأهدافها في الجامعة المغربية.

فالشعب المغربي تيقن وتأكد بعدم تطابق وتلائم بعض التجارب الغربية والأجنبية المستوردة مع التربة الأم بتامزغا، والتي كان ترويجها من داخل الساحة الجامعية مروجا بشتئ الوسائل والاليات التي تتنافى مع عمق الذات الطلابية (العنف الثوري من قبل المكونات المتياسرة، والجهاد من طرف المكونات الاسلاموية)، ومحاولاتهم المستمرة في تعريب الذوات وردعها عن النقد وتصحيح المغالطات التاريخية والواقعية المبنية على أسس موضوعية وعلمية تستعين بخصوصيات المغرب اللغوية والثقافية والتاريخية، والتي عجزت عن المقارعة الفكرية بسبب التعصب للأفكار والمواقف والايمان بمبدأ الرأي الواحد والأوحد.

قد ينجلي لكل عين أن هذا المقال الذي تتصفحه لن يستوفي ما قيل في حق مجموعة من المفاهيم والصفات التي يتسم بها المخزن المغربي وكيفية تعامله مع الحركات الاحتجاجية والحركة الطلابية بوجه خاص، وهذا طبيعي لكون القراءات والتحليلات نسبية وتختلف من ذات لأخرى، خاصة إن كانت نابعة من ايدولوجية أو خلفية سياسية معينة، أي القراءات التي تأخذ بعين الاعتبار الانتماء السياسي والتصارع الايديولوجي الذي لن يكرس إلا الأزمة ولن يساهم إلا في تأزيم الوضعية التي تعيشها الجامعة المغربية، الشيء الذي لامسناه في مجموعة من الكتابات الأخيرة حول وضعية المثقف المغربي، وكذا مشروع الوحدة الطلابية الذي اقترحه مكون الحركة الثقافية الأمازيغية بداية التسعينيات كإجابة علمية وموضوعية لأزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وليس كرقم يسعى لتجذير مكانته من داخل الساحة الجامعية.

إن من أعمدة نجاح الوحدة الطلابية وبالتالي تحصين الحركة الطلابية من كل المؤامرات المخزنية المباشرة، في تصور الحركة الثقافية الأمازيغية، والذي تفصح عنه بشكل مستمر في أشكالها النضالية من داخل الساحة الجامعية، هو تكوين الذات الطلابية تكوينا فكريا وسياسيا كأساس لاقناع الطلبة بماهية الوحدة الطلابية، وأساليبها وأهدافها ونتائجها التي تستلزم تحمل المسؤولية السياسية لمختلف المكونات العاملة من داخل نقابة أ.و.ط.م، والأخذ بعين الاعتبار قواعدها الجماهيرية، حتى لا يكون مصير الطلاب محتكرا في يد المكونات الطلابية ولعبة في يد كل من يحاول تسييس هذه الوحدة وجعلها قافلة عبور سياسية تسمن مطامعه الاديولوجية والمصلحية المرتبطة بالصفقات التي تفشت بشكل كبير مؤخرا في الأحياء الجامعية (السكن، المطاعم الجامعية،….).

فالتأطير الحقيقي للذات الطلابية، يبتدئ بتوعيته بتاريخه الحقيقي الموشوم بكفاحات جليلة من أجل التحرر وتحرير العقول المستلبة فكريا وثقافيا وهوياتيا ولغويا، و تفسيرهم أدبيات النضال الجاد والعقلاني، وكيفية النضال السلمي والملتزم المبني على تحليل الواقع والظواهر السياسية التي تطبل للأنساق المخزنية، وفهم معنى النظام المخزني كمؤسسات غير مشروعة وأخطبوطية هدفها الوحيد ضمان تجذر استبداده داخل المجتمع، بالإظافة إلى إحاطتهم بمعنى الدكاكين السياسية وتاريخهم الدموي مع الشعب المغربي خصوصا أحداث 58-59 بالريف ومجموعة من المناطق الأخرى التي تعاني بسببها خصوصا سكان الجبال بأنفكو و إيمضر، ومجموعة من الأراضي المنتهكة بحجة الصالح العام ومئات من الناس من مختلف الفئات يطردون من بيوتهم لتشييد المنتجعات والفنادق السياحية الساحلية والجبلية التي تشجع السياحة الجنسية وتجارة المخدرات وتيسير عملية عبور قوافل المخدرات بشتى أصنافها.

اقرأ أيضا

“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”

تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *