بقلم: عبد الله بوشطارت
يستطيع من يزور منطقة تافراوت سواء جاء إليها من جبهةآيت عبلا من قمة أفرني والهبوط متدحرجا نحو منبسط أملن …أو جاء إليها من جهة ازغار تيزنيت والصعود متسلقا منعرجات أفود مرورا بتجمع ايداوسملال… وسواء اختار طريق أزربي أو تاهلا….فإنه في جميع هذه المعابر والمداخل..يستطيع الزائر أن يتأمل أشياء كثيرة، منها جواهر تضاريسية بديعة للاطلس الصغير و مظاهر عمرانية مستحدثة عبارة عن عمارات اسمنتية شاهقة بنوافذ حديدية مغلقة تفسح عن آلام وجروح غائرة حفرتها سنوات الهجرة والغربة في نفوس المهاجرين الى مدن الداخل والغرب و الى الخارج ، وهي عمارات تظهر فيها علامات التبرجز والترف وهي تعويض عن فقدان مواطن الاصل وسقط الرأس بعد استحالة العودة والاستقرار في الدوار خاصة عند الاجيال الحالية…وقد يلاحظ العابر أيضا العناية ببناء المساجد والصوامع الطويلة حتى في الدواوير الصغيرة جدا …
لاحظت كل هذا في زيارتي الأخيرة لتافراوت…ولكن ما يشد انتباهي دائما وفي كل مكان هو الاسماء الطوبونيمية للدواوير والمناطق والاودية بالرغم من تخلف علامات التشوير والتوثيق لاسماء الدواوير والمناطق وعدم الحرص والتدقيق في الكتابة وتوطين الاسماء والاقتصار في كتابتها بالعربية فقط دون الامازيغية تيفناغ و الحروف اللاتينية التي ستساعد على نقل الاسم بشكل سليم كما ينطق. وهذا جهل ينم عن تخلف كبير من قبل المسؤولين الترابيين والمنتخبين ومصالح وزارة التجهيز والنقل …
منطقة تافراوت التي تتشكل من عدد كبير من الدواوير في مختلف الجماعات الترابية املن وتافراوت وتاهلا وتارصوات وتاسريرت وافلا اغير ..حابلة بأسماء طبونومية مدهشة وغاية في الابداع وشديدة في التنوع وبالغة الاهمية في البلاغة والتركيب ، دقيقة الوصف….أسماء طبونومية جميلة مغرية نقلت الينا عبقرية اللغة الامازيغية أولا ثم العقل الامازيغي ثانيا وحيوية التاريخ والمجتمع ثالثا في اختيار طريقة مثلى لتسمية الأماكن والمجموعات البشرية والتجمعات السكنية والممرات الجبلية والسفوح والانهار والاودية من اطلاق أسماء الجسد البشري على المشهد الطوبوغرافي والطوبونوم ..كاسم أفود إغير أضاض أضار إخف امكرض تامكرضت ثم اسماء التموقع الجغرافي مثل أفلا إغير و أكرض أوضاض ….إلخ.
وقد إخترت لكم ثلاثة أسماء طوبونومية اعجبتني كثيرا لها ارتباط بالحجر وهي :
– أزرو واضو ، حجر الريح بأملن
-أزرو إخس ، حجر العظم بتارصوات
أزرو وامان ، حجر الماء في منعرج أفود،
اذا كانت تسمية أزرو معروفة ومنتشرة في المغرب كاسم مكاني وتعرف مدينة أزرو قرب ايت مللول ومدينة أزرو في الأطلس المتوسط ، وهو طوبونوم يطلق على الأمكنة التي توجد بها صخور أو احجار ، ولكن في الأطلس الصغير وفي الامثلة التي قدمناها يتم اضافة إسم آخر لكلمة أزرو من اجل التحديد والتدقيق ولكن في غاية من الجمالية كأزرو ن واضو الذي سار بعد التداول أزرو واضو فهل توجد صخور الريح فوق الارض ؟
هذه الصور البلاغية والمجازية تعبر لنا عن ذكاء الانسان الامازيغي القديم ومدى انسجامه الكامل مع الطبيعة ومع المحيط الذي يعيش فيه.
ففي دوار أزرو واضو الذي يقع في منطقة أكنس نواسيف في أملن خرج الاديب العالمي العبقري محمد خير الدين ..وفي أزرو اخس بناحية أكرسيف خرج علماء الكرسيفيين اشهرهم العالم الثائر عبدالله بلقاسم الكرسيفي الذي شيد إمارة سياسية في سوس …وغير بعيد عن أزرو وامان خرج العالم محمد المختار السوسي….وكلها احجار ليست كالاحجار .
لا أريد أن يحصل لمناطق تافراوت ما حصل لبطل رواية ابراهيم الكوني ” نزيف الحجر “…لقد بدأ النزيف يصل الى دواخل الجبل ..يزحف التعريب من كل جهة …يقضي ويمحو الثقافة الأمازيغية ويهدم الحضارة الأمازيغية وتتقلص اللغة الامازيغية باستمرار….والأخطر من كل هذا فقدان القيم…
لا أريد أن أرى أحجار تافراوت مصبوغة بالالوان …وإنما احلم أن أراها ذكية…صامدة صلبة ومقاومة…