“تايها” جنس شعري نسائي أمازيغي في طور الانقراض

اعتمدت مصطلح الشعر النسائي رغم ما يحمل في طياته من إشكالية، اهمها ماهي خصائص الشعر النسائي؟ وهل هناك شعر رجالي في مقابل الشعر النسائي؟ هل يحق لنا تصنيف الشعر من خلال جنس المبدع؟ وهذه الإشكاليات تنطبق على الأدب بصفة عامة.

الشعر النسائي الأمازيغي هو مختلف الأشعار التي تبدعها وترددها المرأة الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة التي تعنيها، فهو يعتبر المنبر الذي تفصح من خلاله المرأة عن انشغالاتها اليومية، ومختلف أحاسيسها ومشاعرها، ولا يحظر الرجل في هذا النوع إلا من خلال الموضوع أو كمتلقي، أي أن الرجال لا يؤدون هذه الأنواع.

قبل الخوض في الموضوع لابد وأن نعرج عن دور المرأة في مجتمعنا، الذي يلخصه مقطع شعري من اشعار ihndiwn التي تردد أثناء ترقيص الرضيع ihndiwn i urba ad d ixitr i lɣzu, ihndiwn i trbat ad d tsxitr izdman أي ان دور الرجل يقتصر فقط على الامن والغزو وبعض الاعمال الشاقة، بينما المرأة تقوم بمهام كثيرة وفي مجالات متعددة، فزيادة عن أعمالها المنزلية الشاقة، تساعد الرجل في مهامه من زراعة وتربية المواشي إلى غير ذلك. فيظهر دورها جليا في خدمة الزوج والأولاد، ورعاية الكبار، ولا ينتهي دورها عند هذا بل تساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية، فهي من تقوم بنسج الصوف بيدها لتوفير المنسوجات من خيمة زرابي وبرانيس وغيرها حتى تكون لباسا لأفراد الأسرة أو من أجل البيع للمساهمة في الدخل.

ومن أهم الأجناس الشعرية الأمازيغية الإبداعية -وهنا لا أتحدت عن الغير الإبداعية أي المتوارثة كـ warru – التي تنفرد المرأة بإبداعها وترديدها نجد tayha أو agṛḍ وهو جنس شعري غنائي نسائي يرتبط أساسا بالرعي، تردده المرأة التي تحس بالحسرة والفقد والشوق، أو الراعيةtamksawt كأنيس لها في المرعى، وقد يكون عبارة عن رسائل مشفرة على شكل محاورات، منها ما اندثر ومنها ما لا يزال يقاوم براثن الإهمال وأعاصير النسيان. ينتشر هذا النوع بشكل محدود لدى أيت عطا خاصة بصاغرو ودرعة.

من حيث الإسم tayha قد يكون لها علاقة بـ wiyha التي تعني الويل بكل ما يحمله من معاني الحسرة الحرقة والألم والعقاب إلى غير ذلك من كل المعاني التي تتجه في هذا السياق، وهي من أهم التيمات التي يتناولها هذا النوع الشعري. أما agṛḍ لغة يعني العنق في إشارة إلى مصدر الصوت وتلك المنطقة التي تضربها المرددة لشعر tayha بأصابع يدها فيقال ar tkkat agṛḍ وهذا ما يميز هذا النوع الشعري بالأساس.

ومن حيث الموسيقى تعتمد على الامكانيات الصوتية الهائلة لقوة الحنجرة وطول النفس في الأداء، مع ضربات خفيفة على مستوى العنق تتناسب مع الوزن مما يزيد الصوت أكثر تميزا، والأداء أكثر تعقيدا. تؤدى بنبرة حزينة على الحان وأوزان مختلفة من أشهرها نرد : a la la lay da la layl ala la layl ala la la layl. ويتميز الشكل النغمي لـ tayha بـاستهلال مطلعها بـ “awa” “ata” “aya”، مع تكرار المقطع الأول، وتمديد المقاطع بشكل متدبدب ”متقطع“.

يشترط الطابع الحواري الانضباط للإيقاع المفروض من قبل المتحاورات، وإلا ستعترض الغير المنضبطة لانتقاد لاذع من طرف محاورتها، ويوضح المثال التالي شدة وقساوة النقد الذي وجهته احدى الشاعرات لمحاورتها بمجرد أنها أحست بأن أدائها أحسن من أداء محاورتها.
ata rar d tayha naw
ata aɣ am hat nn it
ata ur id am tnnaɣ
ata tuf day tinnim
ata ad am iddz imi
ata ad am ibbi ufus

يعد المرعى asawɣ باعتباره فضاء الطبيعة المفتوح البعيد عن معايير الضبط الاجتماعي، فضاء مناسبا لإلقاء tayha حيث تستخدم الشاعرات أشعارهن للتنفس عن مشاكل الحياة اليومية والتواصل فيما بينهن. والحديث بلغة لا يريد المجتمع سماعها، لغة لا تتوافق مع القواعد والمعايير المعتمدة كالهجاء أو التصريح بحب المرأة للرجل أو التصريح أنها لا تستطيع تحمل غربة زوجها.

وإذ يعتبر الشعر بصفة عامة أهم الاجناس الأدبية التي رصدت ولاتزال ولازالت ترصد نمط عيش الإنسان ونقل تجاربه وأفراحه وألأمه، فشعر tayha بدوه صور جوانب مهمة من حياة تلك المرأة التي تقوم على الترحال وواقع عيشها بطبيعة أنشطتها كما أفصح عما يختلج صدرها من هموم. وفي هذا الإطار نرد بعض المقتطفات من شعر tayha حصلنا عليها من خلال الرواية الشفوية المتداولة بالمنطقة، وسنحاول أن نقدم مضمونها.
ata cuf iɛdawin
ar i d ttinin
allig i inɣ wul
ata is nniɣ mad i ran
ata cibɣ urta riɣ
iccib i uzawar
n id war lɛṛuḍ
ata da ggarɣ alin
ddunt i g lɣmam
ata mk da nall nɛmu
fstiɣ ibbḍi wul
ata ṛbbi dda tt yarun
qnna ad ifru ta

في هذه الصرخة الشعرية أفصحت فيها المرأة عن كونها دائما موضع هجاء الرجال وتتساءل عن هدفهم من هذا، وترد عليهم بـ “منعدمي الحياء”، كما تصف حالها جراء هذا الهجاء وترجع الأمر إلى ربها ليفرج عنها.
aha bba n urba naw
mc yad ur naɣul
awa sbɛa n taddwatin
d tuzzalt n wul
aldjiḍ i ukṛniḍ
a rrɛc i umxsuy
awa dbab i ilɣman

هذا المقطع يتناول موضوع الطلاق من وجه نظر المرأة التي يعتبرها المجتمع الضحية، ولا تزال تلك النظرة السلبية إلى المرأة المطلقة تلاحقها إلى يومنا هذا، فالشاعرة هنا تعد زوجها السابق إن لم يعد بها إلى بيت الزوجية بالموت بالرصاص، أو طعنة على مستوى القلب، والفناء والهلاك لماله.
a amud n tlmcit
a amud aḥṛami
ayt uxam ihruccan
ɛtunt id lalla

جعلت الشاعرة هنا قبيلة إلمشان موضوع هجاء، بانتقادها لبنيتهم الأسرية التي وصفتها بالهاشة لكونها تحكمها السيدات (المرأة) حسب تعبيرها.
ayt budawd inḥlalamn
iɣin as i uzir d tafuyt
iɣin as awd i laz a mmanw
ur nniɣ ad ɣursn qqimɣ
mqqar i tgam ikarifn
inɣi laẓ g uqiḍun nns
ur nniɣ ad ɛyḍɣ i wuccn
mqqar as d iɣly ulli nns

هنا تتحدث الشاعرة عن الوضع الذي تعيشه بعد زواجها برجل من قبيلة أيت بوداود -يقال عنه حسب الرواية الشفوية أنه شحيح- ومن خلال أسرتها الجديدة، خلقت تمثلات حول أيت بوداود برمتهم وجعلتهم موضوع هجاء، وتؤكد أنها لن تتحمل العيش معهم، وترد عليها شاعرة أخرى تدافع عن أيت بوداود وتقول عنهم أنهم أعيان ووصفتهم بأهل الكرام والضيافة في قولها :
ayt budawd ayt warrasn
ayt budawd ikmm a mmanw
ayt tinnubga taxatart

والمقطع التالي يعبر عن الوضعية التي تكون فيها المرأة بعد الزواج، وبحكم طبيعة المجتمع الذي يفرض على المرأة ملازمة بيتها وعملها، ولم تجد أي فرصة لزيارة أمها للاطمئنان عليها ولتعبر لها عن سعادتها مع زوجها، الذي تصفه بالشجاع وتبرز مكانته في المجتمع.
ad kkm yad ur hwlɣ
a mma nnw
aydda riɣ hatin ufiɣ t
uwiɣ amjyal n wulawn
isskr i tazra tafasiyt
isskr i aqdim d tukayt
i nlsa mad isflilliyn
aydda n izm illan uwiɣ t

الأشعار ذات الحمولة الجنسية شأنها شأن جميع المواضيع المتعلقة بالجنس تعتبر من الطابوهات يتم تداولها بشكل خاص بين نفس الجنس (أي الذكور في ما بينهم، وكذا الإناث فيما بينهم) وبشكل عادي بين نفس الجنس من نفس الفئة العمرية.
ata rar aɛbu rar
ata rar d ad nn raraɣ
ata ad nsmraccag lɛwan
ata tddu d nttc allas

يحكي هذا المقطع أساليب الرعي وطريقة التواصل والتعاون بين timksawin وتعاملهن مع القطيع، فالشاعرة تدعوا صديقتها لمشاركتها الطعام، إلا أن صديقتها تعذرت وأجابتها بأن الشمس تدنو للغروب، ولازال أمامها عمل ستقوم به فقالت :
ata rar aɛbu rar
ata rar ad nbrrim
ata tajjuy tɣliy
ata nra ad nkks aḍaf
ata igula d uṣwawaḍ
ata iccib i uḥaṛun

إن سياق حياة الترحال ومكانة المرأة في المجتمع الذكوري جعلها تفطن في أساليب التواصل، فقد تضطر إلى أن تخفي بعض ما تبوح به أو تتحدث به عن الأخرين، ليضل سرا لا يفهمه إلا من أرسل إليه أو خطب به، وتسلك في ذلك أساليب متنوعة مبتكرة كاللغز والرمز والتعمية أو التشفير وقد تستغل شعر tayha أيضا لهذا الغرض. ونرد هنا محاورة بين راعيتن snat tmksawin لما رات احداهن لصوص يقتربون من قطيعهن، فأرادت أن تبلغ رفيقتها بهم بشكل مشفر ضمن شعر tayha فوصفتهم بالحمام itbirn.
ata sin n itbirin
ata g mani g mani
ata g nnil i d nnil am
ata ḥḍu tazra nnim
i ḥḍuɣ awd nkk tinaw
ata agg nn s arraw
ata afud i trula
ata aḍaḍ i tɣuyyit

وبانقراض هذا الجنس الشعري نكون قد فقدنا جنسا شعريا فريدا خصوصا في الأداء الذي ينفرد به، وغنيا من حيث المواضيع التي يعالجها، وكلنا أمل فيمن يعيد إليه الحياة.
aya mma mmuɛdrɣ am
ata gʷri g yan wanu
ya tgd i nn iflulu
ad yad ur nali
afad ad thnnad

شاهد أيضاً

أكادير.. الكرنفال الدولي “بيلماون” يبرز تنوع وثراء التراث الأمازيغي

جاب الكرنفال الدولي “بيلماون” مساء أمس الأربعاء، أهم شوارع مدينة أكادير، وذلك لإبراز تنوع وثراء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *