في عمق الصحراء، وعلى أطراف منطقة تندوف، يعيش آلاف اللاجئين الصحراويين في ظروف تُلقي بظلالها القاتمة على حقوق الإنسان. مأساة امتدت لعقود، وسط نقص حاد في الموارد الأساسية، وقيود صارمة على حرية الحركة والتعبير. في هذا التحقيق، نسلط الضوء على الأزمة الإنسانية، ونناقش آفاق الحلول، من خلال حوار شامل مع المستشار الدكتور حسن بن ثابت، قاضي المحكمة الدولية لتسوية المنازعات والمبعوث الخاص لشؤون المغرب.
مخيمات تندوف.. مأساة إنسانية مستمرة
تُعد مخيمات تندوف من أبرز بؤر المعاناة الإنسانية في المنطقة، حيث يعيش سكانها في عزلة تامة. ظروف الإقامة في هذه المخيمات تنتهك أبسط معايير الكرامة الإنسانية، مع افتقارها للخدمات الصحية والتعليمية، وانتشار البطالة، وغياب أفق واضح للعودة إلى حياة طبيعية.
الدكتور حسن بن ثابت يعلق على هذا الوضع بقوله:
“الوضع في مخيمات تندوف لا يمكن وصفه إلا بأنه مأساوي. نحن نتحدث عن أجيال كاملة ولدت وترعرعت في ظروف من الفقر المدقع والحرمان، حيث يُحرم الناس من حقوقهم الأساسية، سواء في الحركة أو التعبير أو السعي لتحسين حياتهم. هذه المأساة تضع مسؤولية كبيرة على عاتق الجميع: المجتمع الدولي، والأطراف الإقليمية، وكل من يسعى لتحقيق السلام والاستقرار.”
حقوق الإنسان.. بين التقارير والتحرك الفعلي
رغم التقارير الدولية التي توثق الانتهاكات بحق سكان المخيمات، إلا أن التحرك الفعلي يظل خجولًا في مواجهة حجم الأزمة.
وحول هذا الموضوع، يضيف الدكتور حسن:
“التقارير الدولية تلعب دورًا مهمًا في توثيق الانتهاكات، لكنها ليست كافية. نحن بحاجة إلى تحرك دولي حقيقي لضمان توفير الحماية القانونية والإنسانية لهؤلاء اللاجئين. في المحكمة الدولية، نعمل على تعزيز هذه الجهود من خلال تقديم الدعم الفني والقانوني، وفتح قنوات للحوار بين الأطراف المعنية.”
الحكم الذاتي.. خطوة نحو حل شامل
وسط الجمود السياسي الذي طال أمده، يبرز مقترح الحكم الذاتي الذي قدمته الرباط كأحد الحلول الأكثر واقعية. المبادرة تقوم على تمكين سكان الصحراء من إدارة شؤونهم بأنفسهم، مع ضمانات دولية لحماية حقوقهم.
الدكتور حسن بن ثابت يؤكد أهمية هذا الحل قائلاً:
“الحكم الذاتي يقدم إطارًا عمليًا ومتوازنًا يراعي المصالح السياسية والإنسانية لجميع الأطراف. هذا المقترح لا يقتصر على توفير حل سياسي فحسب، بل يشمل أيضًا خططًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تحسن حياة السكان بشكل جذري. إذا توافرت الإرادة السياسية والدعم الدولي، فإن هذا الحل يمكن أن يكون نموذجًا لحل النزاعات المعقدة.”
التحديات: واقع معقد وآفاق الحل
لا يمكن الحديث عن حلول دون الاعتراف بوجود تحديات كبيرة تواجه تنفيذ أي مبادرة، أبرزها:
غياب التوافق السياسي الكامل: استمرار الخلافات بين الأطراف يعيق التقدم نحو الحل.
الوضع الإنساني المتدهور: يتطلب تحسين الظروف الحالية في المخيمات جهودًا إنسانية عاجلة.
البنية التحتية والإدارة المحلية: تنفيذ الحكم الذاتي يستلزم بناء مؤسسات قادرة على تلبية احتياجات السكان.
الدكتور حسن يشدد على أهمية الإرادة السياسية قائلاً:
“التحديات حقيقية، لكنها ليست مستحيلة. ما نحتاجه الآن هو التزام حقيقي من الأطراف المعنية، ودعم دولي شامل لتوفير الموارد اللازمة، سواء لتحسين الوضع الإنساني الحالي أو لضمان نجاح الحكم الذاتي كحل مستدام.
دور المحكمة الدولية.. التزام بالحلول
تلعب المحكمة الدولية لتسوية المنازعات دورًا رئيسيًا في دعم مسار الحلول. من خلال مراقبة الوضع الإنساني في المخيمات، وتعزيز الحوار بين الأطراف، تسعى المحكمة إلى تحقيق تسوية تنهي معاناة اللاجئين.
الدكتور حسن يوضح دور المحكمة بقوله:
“نحن في المحكمة الدولية ملتزمون ببذل كل جهد ممكن لإنهاء هذه الأزمة. دورنا لا يقتصر على الجانب القانوني، بل يشمل تقديم مبادرات للحوار، والعمل مع الشركاء الدوليين على ضمان تنفيذ الحلول بشكل عادل ومستدام. اللاجئون في تندوف ليسوا أرقامًا في تقارير؛ هم بشر يستحقون حياة كريمة ومستقبلًا أفضل.”
تفاؤل مدروس.. هل يمكن للأمل أن يصبح واقعًا؟
رغم التحديات، يُبدي الدكتور حسن بن ثابت تفاؤلًا مستندًا إلى تغير المناخ الدولي المحيط بالقضية.
“نحن متفائلون لأن هناك تغيرًا واضحًا في مواقف العديد من الأطراف الدولية. مبادرة الحكم الذاتي تحظى بدعم متزايد، ومع استمرار الحوار والالتزام، يمكن أن نشهد تقدمًا حقيقيًا. ما يهم الآن هو أن تُغلب الأطراف مصلحة الإنسان فوق أي اعتبار سياسي أو اقتصادي.”
رسالة أخيرة للأطراف المعنية
الدكتور حسن يختتم حديثه برسالة تحمل بعدًا إنسانيًا ودعوة للعمل المشترك:
“رسالتي للأطراف كافة هي أن تتحمل مسؤوليتها تجاه هذه المأساة. اللاجئون في تندوف يحتاجون إلى أفعال حقيقية، وليس فقط وعودًا. التعاون الدولي والإقليمي هو السبيل الوحيد لتحقيق الحلول التي يمكن أن تنهي معاناتهم وتفتح صفحة جديدة من الاستقرار والتنمية في المنطقة.”
خاتمة: من الألم إلى الأمل
ما يحدث في مخيمات تندوف ليس مجرد أزمة سياسية، بل هو مأساة إنسانية تتطلب حلولًا عاجلة وشاملة. بين معاناة الواقع وفرص الحل، يبرز الحكم الذاتي كخطوة نحو تحقيق السلام والاستقرار.
لكن النجاح لن يتحقق إلا بتكاتف الجهود الدولية والإقليمية، وبتبني مقاربة إنسانية تضع اللاجئين في مقدمة الأولويات. هل يمكن للأطراف المعنية أن تستجيب لهذا النداء؟ أم سيظل اللاجئون ينتظرون في صحراء الأمل المفقود؟