من خلال المسار النضالي للحركة الأمازيغية، منذ البروز الأول المعلِن عن صعود تيار فكري، ثقافي هوياتي جديد يكسر بل كسر أحادية تصوير الهوية الحضارية للمغرب و عموم شمال أفريقيا، هذا التصور الإيديولوجي الذي أسس لمؤسسات السلطة و دولة ما بعد الاستعمار و الحماية،من خلال معارك خاضتها الحركة باعتبارها حركة مدنية احتجاجية مطلبية، تطالب بضرورة احترام حقوق الإنسان في شموليتها و ضمنها الحقوق الثقافية و الاجتماعية للأمازيغ على أرضهم، هذا الرهان الذي نجحت فيه بفرض هذا النقاش كقضية، على كل المستويات لمناقشتها وفق تصورات كل المتدخلين، و إعادة النظر في مقومات عدة كانت مسلمات سياسية لدرجة الطابو، و منها مفاهيم الوطنية، و الهوية الوطنية، و التشريع.
كل هذه النجاحات في البداية أتت أكلها و صادفت نضجها خلال انتقال العرش، حيث اعتبرت القضية الأمازيغية قضية وطنية و أعلن عن النوايا الحسنة سياسيا تجاهها و إبداء النية في الاعتناء بها و ايلائها رعاية خاصة و خُصص لها معهد ملكي استشاريا في الموضوع.
و بعده أكدت كل التيارات السياسة سيرها على النهج الملكي في تقبل بل الانفتاح على الأمازيغية وفق رؤيتها السياسة و خلفياتها الفكرية و الإيديولوجية، و قد تجلي ذلك بعد فشل المعهد الملكي في تعميم و تنزيل الاتفاق البرنامج لتدريس اللغة الأمازيغية و عجز عميد المعهد عن التصرف إزاء هذا الفشل مما يؤكد أن الإشكال الامازيغي بعد 2000 هو إشكال سياسي بامتياز.
حيث أن انتكاسات الحركة و القضية الأمازيغية أتت بعد الانتصارات في المعارك الفكرية و التأسيسية لخطاب تقوى بزاد العلوم الإنسانية و الحقة، أي أن هذه الانتكاسات حصلت في أجرأة تفعيل و تنزيل ما سمي بالانفتاح على الأمازيغية حيث واجهت معارضة شرسة من أحزاب سياسية أو عرقلة مبرمجة مسبقا، و قد بدا ذلك من تركيبة أعضاء المكتب الإداري للمعهد حتى عجز وزارة التربية والتعليم في تنزيل العقد البرنامج في التدريس، وصولا لدستور 2011 و النقاش و التهديد الذي طرح لتعديل صياغة إدراج الأمازيغية كلغة رسمية للدولة و إصرار السياسة على تكرار و دسترة و وجوب الاهتمام باللغة العربية و إدراج باقي التعابير اللهجية و الثقافية دستوريا لتخفيف وطأ الدسترة عليهم و تنزيل القانون التنظيمي و إنهائه بإخضاع المعهد نفسه تحت سلطة مجلس اللغات و الثقافة المغربية.
كل هذا التحامل السياسي يحتم الانتقال من مرحلة النضال بالشعارات و النوايا، إلى مرحلة النضال من أجل التحديد و التجسيد، و الذي لن يتأتي إلا بالنضال السياسي المواجه للدكاكين السياسية الرافضة و المعرقلة لمسار تبوأ الأمازيغية مكانتها ضمن مؤسسات الدولة السياسية و الاجتماعية و حتى السيادة منها.و خلق حالة من الجذب و الاستقطاب لعرض قدرات الاختيار الأمازيغي في المساهمة الفعّالة في دمقرطة المجتمع و الدولة المغربية وفق التصور الأمازيغي لمغرب التعايش و المستقبل و بالطبع هذه المواجهة التي لابد أنّ لها قواعد اشتباك و مصوغات تحالف و تبادل المصالح هذا المسار له كذلك قواعده و حساباته التي يجب مراعاتها و العمل على إنجاح الخوض فيها و بها، أي أنها مياه جديدة على الحركة و مناضليها الذين ألفوا النضال الثقافي و المقاربة الفكرية المعتمدة على قواعد و ضوابط متعارف عليها تحسم في أحقية و جدارة الطرف انطلاقا من زاده المعرفي و رجاحة تحليله ، بينما حقل السياسية له قاعدة المتغيرة غير الثابتة و حقائقه غير المقدسة باعتباره مجالا نسبيا بامتياز دون أن ننسى الطبيعة السياسية العامة لمؤسسات الدولة المغربية و سمو و علو كعب المخزن كبنية تنظيمية و حاكمة بقسط كبير و مؤثر، على كل المؤسسات و القوانين.
هذا الخوض الجديد أنتج لنا تخبطا من طرف الفاعلين ضمن الحركة الأمازيغية العاجزين عن ضمان انتقال سلس من النضال الثقافي للفعل السياسي المباشر بل عجزوا عن إدراك معنى الممارسة السياسية بقضية أو من أجل قضية ، و كذلك تخبط السلطة في التعامل مع إدراك و طموح الحركة الأمازيغية للفعل السياسي المباشر إتماما لتحقيق حقوقها في شقها السياسي، و قد تجلي هذا في فشل كل الفاعلين الأمازيغ في إخراج حزب أو تنظيم سياسي أمازيغي أو التوحد ضمن مجموعة ضغط، لوبي، داخل حزب أو أحزاب معينة و تجلى تخبط السلطة في حل مشروع الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي و الحفاظ على القضية الأمازيغية ضمن أوراق سياسية تستعملها وفق سياقاتها و مصالحها و ليس وفق رؤية دمقرطة الدولة و المجتمع . بالتالي تحولت الأمازيغية لمجال تسابق و مزايدات سياسية للكل و حتى لألذ أعداء القضية الأمازيغية الشامتين في تشتت الفعل النضالي الأمازيغي و تيهانه بين ما هو تنظيمي و ما هو سياسي.
و تحقيقا لشعار ما أخذ بالسياسة لا يسترد إلا بالسياسة يتوجب على الحركة الأمازيغية الدفع نحو فعل سياسي أمازيغي منضبط للإرث الثقافي و المفاهيمي الذي أنتجته لعقود لتحويله لتصور سياسي و برامج سياسية لدمقرطة الحقل السياسي و المؤسساتي بالمغرب وفق أدبيات و قواعد النضال السياسي بالمغرب ،و لكن بدايتا يتوجب على النخب الثقافية الأمازيغية ترك المجال أمام بروز نخب و قيادات سياسية متمرسة تزاول النضال و الفعل السياسي و ليس التصحيح الفكري و التصويب المفاهيمي.