على سبيل التذكير ، نشير إلى أنه في مثل هذا اليوم من سنة 1789 قررت الجمعية الوطنية بفرنسا إلغاء النظام الفيودالي ؛ فهل لدينا فعلا بورجوازية وطنية صافية وغير هجنة لاتخاذ نفس القرار التاريخي ؟ وما هي حظوظنا لبلوغ نفس الغاية ؟
إن المغاربة جربوا كثيرا من الأشكال ، إبتداء من العنف الثوري أوالكفاح المسلح إلى العمل الإصلاحي المسمى تجاوزا بالمسلسل الدمقراطي أو الخيار الدمقراطي ، بعد عديد من الانتكاسات والمراجعات والتسويات ، وكان آخرها وليس بأخير ، تجربة التناوب التوافقي ، والتي لا يمكن تبخيس نتائجها أو تعظيمها ، لأن المهم ، في ظل الهشاشة التنظيمية والسياقات العامة ، بعد سقوط جدار برلين وتمثال صدام ( رمزا المنظومة الإشتراكية وكذا رأسمالية الدولة القومية ) ، المهم هو أن التناوب كان مفيدا ، و إن كان قسريا أو توافقيا ، والمهم هو وعي بعضنا بمحدودية مردوديته ووقعه الاجتماعي.
ورهاننا كان مجرد مدخل تجريبي لقياس إرادة التجاوب مع مطلب الملكية البرلمانية ، المقترح منذ 1975 ، كمقابل للقطع مع الإزدواجية، ولم يكن أبدا رهانا قطعيا او خيارا استراتيجيا ! ومع ذلك فعلى علته كان مزعجا وتمت الحيلولة دون استمراره ، بذريعة انه كان مجرد تهيئة الأجواء لانتقال سلس للحكم من ملك الى ملك ، بدليل ان مهندس التناوب أعفي مع الإحتفاظ بحزبه ليلعب دور ” الإطفائي ” عند الإقتضاء !
وما دامت الملكية البرلمانية مجرد خط مرحلي فهي مطلب ، والدمقراطية خيار استراتيجي ولا تكون مجرد مطلب الا لدى من يختزلها في كذا وسيلة (الانتخابات ) فقط ، وقد نتفق مع الذين يعتبرون أن مطلب الملكية البرلمانية هو ثمرة تسوية سياسية وثقافية ، لكن ما هي عروض الأطراف وضغوطاتها أيضا ، أو على الأقل ما هي تنازلات كل طرف على حدة في ظل موازين قوى واضحة ؟ وهل يمكن تعديل الاختلال بناء على حصة الأصوات أوالمقاعد أم لابد من قياس الإمتداد الجماهيري .
ولأن النضال محتوى قانوني وقيمي وفعل جماعي وميداني لا معنى للتبجح بأية ديموقراطية إذا لم يتم احترام القانون الذي ينظم العلاقات فيما بيننا ، فالقانون تعاقد ومعبر عن أسمى الإرادة والحرية اامؤطرتين لأشكال تواصلنا وطريقة إبرام قراراننا وتحديد مصيرنا المشترك . فعدم الانضباط لما ابرمناه فيما بيننا من التزامات متبادلة ، فوضى لا يمكن ان تبرر سلوكاتنا المخالفة للضوابط التي تعاهدنا والتزمنا معا بالخضوع لها ، وهي موثقة ضمن القانونين الأساسي والداخلي ، كشريعة بين المتعاقدين . من هنا فإن كل اشتغال خارج الضوابط القانونية لا يعتد به وهو والحالة هاته والعدم سيان ، لذلك فالسياسة قد تكون مزدهرة بفضل نعمة التواصل المنتج للتوافق حول الحد الأدنى المشترك ، بفضل الحوار السلمي المباشر الخالي من الوصم و التكفير والتخوين ، فالسياسة هي فن الممكن وإبداع الحلول لما هو يبدو مستحيلا بعقلانية وتبصر وواقعية.
فقديما نصحنا مؤطرونا بأن نتمرن على تجريب التحليل الملموس للواقع الملموس ، لكن أغلبنا فشل عند محطة التحليل المحسوس للواقع المحسوس ، رغم أنه لا احد منا يملك الحقيقة الثورية ، والحق في الكرامة حقيقة تتبلور عند الاحترام المطلق للحق في الإختلاف ، والصراع كالهوية لا تؤطره التوابث المبنية على الجمود العقائدي ، والتي لا يمكن للفعل المدني أن ينوب وكالة عن الفعل الحزبي ، خاصة في ظل غرور السلطة الرابعة التي تحاول السطو على أداور الفاعلين السياسيين وكذا الحقوقيين دون موجب دستوري ولا قانوني ولا مؤسساتي حتى ، في ظلال معركة أخلاقوية محضة لن تنتج إلا مزيدا من الغبن السياسي والتدليس الثقافي .