يحتفل الأمازيغ في شمال أفريقيا والعالم برأس السنة الأمازيغية وسط أجواء تطبعها إجراءات صحية من جراء انتشار فيروس كورونا.
ورغم أن الاحتفالات قد تقتصر على البيوت للعام الثاني على التوالي، إلا أن بعض الجمعيات الأمازيغية تستعد لإحياء السنة الأمازيغية بطرق مختلفة.
ويوافق 2022 في التقويم الأمازيغي عام 2972.
ورغم وجود اختلافات بين بعض المناطق المغاربية حول اليوم المخصص للاحتفالات، إلا أن معظم أمازيغ شمال أفريقيا يحتفلون بهذا اليوم في الـ 13 من يناير من التقويم الميلادي.
قصة يناير
تختلف الروايات عن أصول “ينّاير” أو “ناير”، لكن الرواية الأبعد عن الأسطرة والأقرب إلى قلوب المؤرخين هي قصة وصول الأمازيغ إلى عرش مصر.
فالاحتفال برأس السنة الأمازيغية هو في الأصل احتفال بانتصار الملك شيشنق -وهو أمازيغي من أصول ليبية- على الفراعنة الذين كان يحكمهم رمسيس الثالث.
ويقول مؤرخون إن المعركة حدثت على ضفاف النيل 950 سنة قبل الميلاد. وعلى إثر انتصاره، أصبح الملك شيشنق الأمازيغي حاكم الأسرة الثانية والعشرين للفراعنة.
ويعتبر الأمازيغ أن الاحتفال بـ”ينّاير” سيجلب لهم الخير والسعادة، والنجاح لأن يناير هو أول شهر في الرزنامة الأمازيغية الفلاحية.
ويحتفل أغلب الأمازيغ بـ”يناير” إما في الـ 12 أو الـ 13 من يناير كل عام.
عادات ترافق الاحتفالات
لا يخلو شهر يناير من الاحتفالات والطقوس التي تعكس الهوية الأمازيغية خاصة في الدول المغاربية، ففي الجزائر مثلا تجتمع العائلة لإعداد أطباق خاصة بهذه المناسبة، مثل طبق “شخشوخة” و”الرشتة” و “بركوكس” بالإضافة إلى “التراز” وهو مكون من الحلويات والتمر والفواكه الجافة.
وكلما تنوعت الأطباق والمأكولات كلما كانت السنة سنة خير ورزق.
وفي هذه المناسبة، يقوم أفراد العائلة بوضع الطفل الأصغر وسط “جفنة” أو صينية كبيرة ويدورون حوله ويرمون عليه “التراز”، اعتقادا منهم أن هذا سيزيد من رزق الطفل.
ويحتفل المغاربة بـ”ينّاير” باجتماع العائلة والأصدقاء حول طبق “تاكلا” أو العصيدة، وهو طبق أمازيغي أصيل.
وهناك عائلات تفضل إعداد الكسكس والطاجين والبيض المسلوق والفواكه الجافة، خاصة في نواحي منطقة سوس.
كما تتميز احتفالات “ينّاير” بـ”لعبة أغرمي”، حيث تقوم إحدى النساء بإخفاء نواة التمر داخل العصيدة قبل تقديمها، ومن يجدها يكون “أسعدي ناسكاس” (أي الشخص المحظوظ هذا العام).
أما في تونس، فالتقاليد تختلف حسب المناطق. وبما أن رأس السنة الأمازيغية ليس عطلة رسمية، فالاحتفال به يبقى محدودا إلا لدى بعض الأمازيغ التونسيين في الجبال، والذين ظلوا متشبثين بهذه التقاليد.
ويحتفل أمازيغ تونس بتحضير أطباق تقليدية كالعصيدة والكسكس و”تيكربابين”، وتجتمع العائلة أو القبيلة للاحتفال ثم الدعاء لتكون السنة الجديدة وافرة بالأمطار والمحاصيل الزراعية.
أما الليبيون، وبعد سقوط نظام العقيد معمر القدافي، فقد بدأوا يخرجون في احتفالات خاصة برأس السنة في المناطق المأهولة بالأمازيغ.
ففي جبل نفوسة مثلا تخرج النساء لجمع الأعشاب والنباتات ويعلقنها في أسقف منازلهن كمقدمة لبداية سنة زراعية خضراء مليئة بالوفرة والخصوبة.
وتسقى الأطباق (وخاصة الكسكس) بالحليب عوض المرق لتكون السنة صافية كصفاء الحليب، كما أنهم لا ينظفون الأواني ولا يشعلون النار ليلة رأس السنة.
كانت الجزائر سباقة لإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مدفوعة الأجر في عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وإعلان يوم رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية سنة 2018.
في المقابل ما يزال العديد من النشطاء الأمازيغ في المغرب وتونس وليبيا يطالبون بالاعتراف بـ”ينّاير” كعطلة وطنية رسمية.
وبعد اعتراف المغرب بالأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011، لا زالت مطالب الاعتراف بـ”ينّاير” من طرف الحقوقيين والنشطاء تقابل بالصمت.
ورغم أن المغرب كان سبّاقًا للاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة رسمية للبلاد في دستور 2011، إلا أنه لم يحسم بعد في إقرار رأس السنة الأمازيغية لرد الاعتبار لعنصر من عناصر الهوية الوطنية.
وقال رشيد الراخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، إن الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش أبانت عن مؤشرات إيجابية تفيد باتجاهها إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية.
وأضاف الراخا في تصريح لـ“إرم نيوز“، أن الائتلاف الحكومي وعد في برنامجه بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وإحداث صندوق خاص لهذا الغرض وضخه بميزانية تصل إلى مليار درهم بحلول العام 2025. لافتاً أن هذا القرار السياسي يوحي بأن هناك إرادة سياسية حقيقية لإقرار رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً خلال الولاية الحالية.
ورأى المتحدث أن ”لا وجود لمبرر يحرم المغاربة من الاحتفال بهذه المناسبة“، مشددا على أنه قام في وقت سابق بمبادرات عديدة من قبيل مراسلة الديوان الملكي، وحكومة عبدالإله بنكيران (2012-2016)، وبعدها حكومة سعد الدين العثماني (2017- 2021)، وكذا مراسلة أعضاء البرلمان بغرفيته (مجلس النواب، ومجلس المستشارين) للتعاطي مع هذه القضية بشكل إيجابي تماشيا مع روح وفلسفة الدستور.
واستحضر رئيس التجمع العالمي الأمازيغي الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى ”ثورة الملك والشعب“ (مناسبة وطنية) الذي تحدث فيه العاهل المغربي عن ”التاريخ الأمازيغي الطويل“ للمغرب.
وتمنى عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، قبل سنتين بمدينة تيزنيت “ أن تعرف السنوات المقبلة اعتمادا رسميا لرأس السنة الأمازيغية كعيد وطني يحتفل به المغاربة في جميع ربوع المملكة لما تحمله اللغة والثقافة الأمازيغيتان من دلالات كبيرة في علاقتهما بالأرض والتاريخ، خصوصا بعد تمرير القانون التنظيمي وما فتح معه من آفاق كبيرة”.
وتطالب الحركة الأمازيغية بإدراج رأس السنة الأمازيغية ضمن الأعياد والعطل الرسمية المنصوص عليها في المرسوم رقم 2.77.169 الصادر بتاريخ 29 فبراير من سنة 1977، وهو المرسوم الذي خضع لتعديلات عدة آخرها عام 2000.
وفي غضون ذلك، تستعد العديد من الهيئات والفعاليات الجمعوية في المغرب لتنظيم احتفالات بهذه المناسبة السنوية.
وراسل التجمع العالمي الأمازيغي أعضاء وعضوات البرلمان بغرفتيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين، من أجل الاعتراف بالسنة الأمازيغية الجديد 2972.
وجددت الهيئة الأمازيغية مراسلتها للبرلمانيين والمستشارين من أجل ” تقديم مقترحات قوانين من شأنها الاعتراف برأس السنة الأمازيغية 2972/2022عيدا وطنيا، وعطلة رسمية مؤدى عنها على غرار باقي الأعياد، والعطل الرسمية”.
أما في ليبيا، فالوضع لا يختلف كثيرا، فبعد الاضطهاد الذي تعرض له الأمازيغ في عهد معمر القذافي، أصبحت مطالبهم أكثر إلحاحا منذ سنة 2011.
في تونس، ومنذ الثورة، أصبحت وسائل الإعلام والمجتمع المدني أكثر انفتاحا للاعتراف بالهوية الأمازيغية، ولا يزال أمازيغ هذا البلد المغاربي ينتظرون اعتراف دولتهم بالثقافة الأمازيغية كجزء من الهوية التونسية.
وكالات