تحدوها رغبة قوية في أن تجعل من التمكين الاقتصادي للنساء وتقوية إدماجهن معركة يومية من أجل النهوض بوضعية المرأة، هي السيدة مليكة أوبلخير، نموذج للمرأة الحرفية بتجربة جمعوية، التي عملت على إيجاد موطئ قدم لها في الحقل التنموي، متسلحة بشغفها ورغبتها في مساعدة الآخرين.
واختارت هذه السيدة، الأم لطفلتين والمنحدرة من منطقة الساحل بنواحي مدينة تزنيت، قبل 15 سنة خلت، الاستقرار في عاصمة الفضة والانخراط في العمل الجمعوي قصد الإسهام في الجهود الرامية إلى تحسين المعيش اليومي للنساء، خاصة القرويات منهن، وتمكينهن اقتصاديا.
لم تثنها مغادرة فصول الدراسة بعد اجتياز مرحلة الابتدائي، فقد اقتحمت بعزيمة عالية عالم التطوع وتمكنت من أن تكون رئيسة لتعاونية فلاحية متخصصة في الأركان، وهي لاتزال في عمر الـ18، دون أن يثبط ذلك عزيمتها أو يحد من استشراف المستقبل بكل تفاؤل، متسلحة بالإصرار والرغبة في تحقيق ذاتها.
ومنذ سنة 2010، عززت مسارها الجمعوي بعدما تقلدت رئاسة تعاونية “تيزي ن تووري” بمنطقة أكلو، كبنية مساهمة في تعزيز الاقتصاد الاجتماعي التضامني، باعتباره أداة لمواجهة الهشاشة والإقصاء، ويوفر ضمانات لتيسير إقلاع ونجاح المقاولة النسائية، وكذا تحقيق الاستقلال المادي للمنخرطات من بنات بلدتها، اللاتي يزيد عددهن سنة بعد أخرى.
مسنودة بمسيرة متنوعة، راكمت السيدة أوبلخير تجربة جمعوية ومهنية غنية، وواصلت مثابرتها وكدها سعيا إلى تعزيز فرص ولوج المرأة المتساوي للعمل اللائق والحر وتوفير فرص الارتقاء المهني لها وتمكين النساء من وسائل الإنتاج بما يسمح لهن بتأمين معيشة كريمة في مواجهة أعباء الحياة التي تزيد يوما بعد يوم.
بعفوية واعتزاز باد على محياها، تروي السيدة أوبلخير، بعضا من تفاصيل مسارها اللامع الذي تحقق بعد سنوات من الصبر والنضال، كما تسميه، فكان ذلك دافعا لاستثمار تجربتها في تمكين النساء اقتصاديا واجتماعيا دون أن تغفل دورها كربة بيت، مزاوجة بينهما
ولم تتوان السيدة أوبلخير في البحث والاستفادة من التكوينات، وكذا المشاركة في المعارض والملتقيات التي يتم تنظميها في هذا المجال، وهو ما مكنها، بمعية زميلاتها، من تبادل التجارب مع تعاونيات أخرى، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.
داخل مقر التعاونية، تحظى السيدة أوبلخير باحترام كبير من طرف النساء المتعاونات، ينخرطن كخلية نحل في تحضير المنتوجات المشتقة من زيت الأركان، وقبله في جمع الثمار وجلبها، وما يلي ذلك من قلي وتحميص واستخلاص للزيت ومشتقاته، وسط جو تسوده مظاهر التعاون والمحبة، وتمتزج فيه أصوات تحطيم ثمار الأركان اليابسة مع ترديد أغاني وأهازيج التراث المحلي، وبين الفينة والأخرى دعابات وتحد بينهن في العمل.
وبالمناسبة، نوهت السيدة أوبلخير، التي تنشط أيضا كفاعلة جمعوية في عدد من التنظيمات المدنية، بالدور الهام الذي تضطلع به التعاونيات بشكل عام، وتعاونية “تيزي ن تووري”، بشكل خاص، في التمكين الاقتصادي للمرأة وتشجيع سلاسل الإنتاج ذات القيمة الربحية من خلال تحويل الأركان إلى لقمة عيش تسد الرمق وتمنع السؤال، وتوفر الرزق وتحسن المآل.
وتقول، في هذا السياق، إن من بين أهداف التعاونية تنظيم النساء، وتحسين ظروف عملهن وكذا إنتاج زيت الأركان، إلى جانب دعم تسويق المنتجات الطبيعية المشتقة من هذه المادة، وتعزيز روح التعاون والتآزر، وغرس ثقافة العمل الجماعي بينهن من أجل ابتكار طرق بديلة للحصول على موارد الرزق، ناهيك عن تفعيل دور المرأة في خدمة المجتمع والبيئة، وتفعيل دورها في التنمية الشاملة والمستدامة.
كما أعربت أوبلخير عن سعادتها بما حققته من نجاح في العمل الجمعوي، مشيرى إلى أنها أستطاعت بمعية زميلاتها تسويق ما أبدعن بأيديهن من منتوجات، خاصة زيوت الأركان، في الأسواق الوطنية والخارجية كأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج.
ولا تدخر السيدة مليكة أي جهد في الحرص على تقاسم واستفادة باقي المنخرطات في التعاونية من التكوينات المهنية لتطوير قدراتهن، وكذا السعي إلى الحصول على شهادات وعلامات وطنية، بدعم من الوزارة الوصية والسلطات الإقليمية.
وتذكر أن اختيار تأسيس تعاونية لتثمين الأركان، كان نابعا من حرص المرأة القروية والأمازيغية على الحفاظ على تراث وإرث الأجداد، مبرزة أنه بالإضافة إلى القيمة الغذائية والفوائد التجميلية لزيوت الأركان، فإن ارتباط النساء بشجرة الأركان هو ارتباط بالهوية وبمورد الرزق.
وعن اليوم العالمي للمرأة، الذي يصادف 8 مارس من كل سنة، تؤكد أنه مناسبة لإبراز تضحيات المرأة المغربية في مختلف المجالات، مشيدة بالمجهودات المبذولة في هذا الإطار من أجل تمكين المرأة.