تقرير: حميد أيت علي “أفرزيز”
منذ سنوات والجمعيات المدنية بجماعتي الطاوس وسيدي علي جهة درعة تافيلالت، مهتمة بالرحل ومعاناتهم، خاصة أن المنطقة صحراوية جافة تعرف تساقطات موسمية نادرة، بالإضافة إلى أن المنطقة حدودية تم فيها طرد الرحل من مجالهم الرعوي، بذريعة الأمن ومراقبة الحدود، ليجد الرحل أنفسهم في مجال شبه رعوي دون ماء أو كلأ لقطيعهم…
فما هي التدابير المتخذة من لدن المجتمع المدني؟ وما هي الحلول والتطلعات التي تعمل عليها جمعيات المنطقة لمحاربة مشاكل الرحل لجعلهم يستقرون بالمنطقة الحدودية؟ أسئلة كثيرة سنحاول الاجابة عنها عبر التقرير التالي، الذي أعدته جريدة “العالم الأمازيغي”، مساهمة منها للعمل الجمعوي، وكتشجيع منها للمبادرات التي تهتم بالرحل والمهمشين بالمناطق الحدودية.
هي سنوات من العمل الدأوب، والذي قامت به جمعيات ثلاث، بالجماعتين الحدوديتين “الطاوس وسيدي علي”، من أجل رحل الهوامش، حيث بادرت جمعية “إغرمان” بقصر أجدايد المؤسسة سنة 2002، وجمعية “جميعا من أجل المنطقة” بقصر مرزوگة، وجمعية “المعيدر” بقصر تافراوت المؤسستين سنة 2015، إلى تبني ملف الرحل، ومحاربة جميع مشاكلهم، بالامكانيات المتوفرة، تحت شعار “الكرامة للرحل”.
شعار له حمولة وثقل كبير، جسدته الجمعيات الثلاث على أرض الواقع، بتمويل ذاتي تم من خلاله حفر أبار كثيرة، وتجهيزها بالطاقات الشمسية ومضخات المياه وصهاريج لتخزين الماء، بالإضافة للمساعدات المادية، وتوزيع خيم وملابس وطاقات شمسية للإنارة، وكذا تنظيم قوافل طبية بغية محاربة الأمراض المزمنة، مع توعية شاملة للرحل، كي يعي ما له وما عليه.
بمجهود المجتمع المدني تم فيه معالجة مشكل غياب الأبار التي تجعل من الرحل، يضطرون فيها مغادرة أماكن رعي ماشيتهم بحثا عن الماء؛ كذلك بعد تقديم خيم للرحل وطاقات شمسية، بادرت هذه الجمعيات في إحصاء الرحل الغير مسجلين في عقود الزواج، والذين لا يملكون كناش الحالة المدنية، مما جعل الأطفال يعيشون في مستقبل مجهول.
بالمجهود الجبار من طرف المجتمع المدني تم تسجيل الرحل في عقود الزواج، مما جعلهم يحصلون كذلك على البطاقة الوطنية والحالة المدنية، معتزين بمغربيتهم وانتمائهم لأرض أجدادهم.
بعد كل هذه الخطوات والتضحيات الجسام، وضعت الجمعيات الثلاث على عاتقها تمدرس تلاميذ الرحل، والذين لا يعرفون للمدارس سبل، لأسباب كثيرة، إقصائية كانت أو بعد الادارة من المواطن، ليتدارس المجتمع المدني خطوة بناء مدارس متنقلة بجوار الأبار التي تم حفرها سلفا، بشراكة مع جمعيات فرنسية ومحسنين وضعوا أنفسهم رهن الاشارة لبناء هذه المدارس المتنقلة، لإنقاذ رحل الهوامش وأطفالهم من الأمية التي تنخر مجتمعهم.
هي مدارس ستكون متنقلة، تنقل الرحل وأبنائهم، وهي تجربة ناجحة في عدة مناطق بالمغرب كزاگورة وأزيلال…إلا أن صعوبة إيجاد أستاذ قار يتكلف بتعليم أطفال الرحل، وتوفير أجرته شهريا، وكذا الاعتراف بتمدرس الأطفال بغية استمرار دراستهم في الاعدادي، جعل من الجمعيات الثلاث في أمس الحاجة لدعم الدولة عامة، ولجهة درعة تافيلالت خاصة، مما جعل المجتمع المدني يبادر في اللقاء برئيس جهة درعة تافيلالت، بغية وضع مشروع الجمعيات الثلاث بين يدي الجهة، قصد إنجاحه واخراجه لأرض الواقع.
اللقاء الذي جمع الفاعلين المدنيين من جمعية “إغرمان” وجمعية “جميعا من أجل المنطقة” وجمعية “المعيدر”، برئيس جهة درعة تافيلالت بمعية نائبه يوسف أمنزو، يومه الأحد 20 يناير 2019، كان مناسبة للتأكيد على أولوية التعاون بين الجهة والمجتمع المدني، لتحقيق نسبة تمدرس عالية لأبناء الرحل في إطار إتفاقية متعددة الأطراف يقوم فيها كل الشركاء بالتزامات محددة تحقق هذا الهدف.
اللقاء أيضا تناول، ملف تزويد الرحل وماشيتهم بالماء الشروب عبر حفر وتجهيز مزيدا من الآبار، حيث تم تدارس ذلك مع التأكيد على جاهزية الجهة لدعم أي عمل تعاوني يرمي إلى بلورة مشروع من شأنه تحقيق المطلوب.
من جانبهم في ذات اللقاء، استعرض الفاعلين الجمعويين، وضعية الخدمات الصحية الموجهة للرحل، حيث عبَّر من خلال ذلك، رئيس الجهة على استعداده للتواصل مع السلطات الصحية مركزيا لدعم مطالبهم، وجدد التأكيد على أهمية الاستفادة من دعم الجهة للقوافل الطبية الذي يوفره مجلس الجهة للمساهمة في تقريب الخدمات الصحية من ساكنة الجهة.
كإجابة من جهة درعة تافيلالت، عن تحديات المجال الرعوي، باعتباره مجالا حيويا لمنظومة عيش الرحل، وخاصة بعد وضع الجهة أمام ما يتعرض له هذا المجال من ضغط وتقلص متعدد الأسباب، تم استعراض مجموعة من المقاربات الكفيلة بتفعيل ترافع مثمر لصالح هذه الشريحة من المواطنين ذوي الخصوصيات المعيشية الاستثنائية، والتي تستدعي تعاون جميع المتدخلين المعنيين لتوفير حماية حقوق الرحل المكفولة قانونيا، وتحقيق التنمية التي تضمن لهم شروط العيش الكريم.
يشار أن اللقاء الذي جمع المجتع المدني بجماعة “الطاوس وسيدي علي” الحدوديتين، برئيس جهة درعة تافيلالت، جاء بعد دعوة الجهة للمجتمع المدني، إلى تشبيك العلاقات جهويا والتنسيق من أجل تنظيم حملة جهوية شاملة في كل الجماعات الترابية للمساهمة في رصد واقع الطفولة غير المتمدرسة بالجهة، وتقديم البيانات للسلطات المختصة والحرص على تتبع جهود إدماجهم في الفصول الدراسية تمتيعا لهم بهذا الحق الوجودي، والذي عليه مدار كرامتهم وكرامة الوطن حالا ومستقبلا.