عبد الله بادو*
عرف المغرب في العقدين الأخيرين من حكم الملك محمد السادس تحولات موسومة بالمد والجزر في مجالات عدة من بينها الامازيغية، حيث في بدايات عهده تحققت بعض المكتسبات، اعتبرها الفاعلون نقلة في تعاطي الدولة مع الامازيغية، حيث حظيت بمكتسبات في مجالات عدة خاصة التعليم والإعلام، وإحداث مؤسسة ذات مهام استشارية محدودة لهذا الغرض خاصة في النصف الأول من العقد الأول لهذه الألفية، إلا أن الأمور لم تتقدم على النحو المطلوب والمستحيل لتطلعات الحركة الامازيغية، حيث أنها لم تأخذ المنحى الايجابي لتحقيق تراكمات وتعزيز تلك المكتسبات وترصيدها.
ومن وجهة نظرنا يعود ذلك لكونها لم تمكن من الضمانات التشريعية والمؤسساتية الكافية لحمايتها والنهوض بها، بالرغم من التقدم الذي تحقق لها بترسيمها في دستور 2011. الشيء الذي عصف بهذه المكتسبات وأفرغها من جوهرها، في اول امتحان لإرادة الدولة وعزيمتها في انصاف الامازيغية، إذ سرعان مع عرف هذا التعاطي انزلاقات وانحرافات حالت دون ترجمة شعارات المرحلة الانتقالية إلى منجزات ملموسة وسياسيات عمومية ناجعة لتنمية الأمازيغية، قادرة على اخراج الأمازيغية من خانة اللغات المهددة بالاندثار ويضمن لها شروط حيويتها وملء وظائفها كلغة رسمية فعليا للمغرب، ويحد من الأخطار والتهديدات التي تهدد حاضرها ومستقبلها.
كما أن سيرورة تعاطي الدولة مع الأمازيغية يعكس غياب رؤية واضحة ودقيقة لسبل تمكينها من استراتيجيات فعالة لترجمة إرادة الدولة تلك، وتنفيذ التزاماتها تجاه اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وتفعيل أدوار ووظائف اللغة الامازيغية كلغة رسمية للبلاد. بما يعزز مكانتها في السياسة اللغوية واختياراتها خاصة المؤطرة للسياسة التعليمية. حيث أننا اليوم أمام مؤشرات وأرقام تؤكد محدودية ما تحقق إذ ظل إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام مثلا يراوح مكانه ولم يشهد تقدما يذكر بما ينسجم مع تطلعات الحركة الأمازيغية.
كما أن التعديلات الدستورية لسنة 2011 كانت فرصة للتقدم إلى الأمام لكن مع الأسف فقد تمت عرقلة ذلك التقدم بعد صياغة وتمرير مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية لأنه لا يوفر الضمانات الضرورية لضمان ترسيم فعلي للغة الأمازيغية ولو بعد انقضاء ال 15 سنة المرتقبة لتفعيله؛ حيث نجد انفسنا اليوم نتحدث عن إدماج جزئي وهامشي للأمازيغية، في بعض المجالات التي ترى الدولة أنها ذات الأولوية بالنسبة لها، وليس ترسيما فعليا ومنصفا لها.
كما يجب التنبيه إلى أن الأحزاب ومعها الدولة وبمباركة من بعض الأطراف من داخل الحركة الأمازيغية تسعى لتمرير قانون تنظيمي لن يؤدي إلى ترسيم حقيقي للأمازيغية ولا ينسجم مع الغاية الدستورية بربط تفعيل رسمية اللغة بإصدار قانون يضمن ذلك، ومن هنا ندعو إلى ضرورة تقييم علمي وموضوعي لما سبق من تدابير وإجراءات، وبحث سبل بناء تعاقدات بديلة قادرة على تجاوز الاختلالات والنواقص التي تقف حجرة عثرة وعائقا أمام ترسيم حقيقي وعادل ومنصف للأمازيغية.
* رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة