تعريب أبناء الجالية المغربية بالخارج: هل هذه الحكومة مجنونة؟

بقلم: عبد الله بوشطارت

نشرت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني بلاغا رسميا حول موضوع تنظيم مباراة انتقاء الأساتذة الذين سيدرسون اللغة العربية لابناء الجالية المغربية في الخارج. وهي المباراة التي ستعقد يوم 10 أبريل من سنة 2018 ويصل عدد المناصب المتبارى بشأنها 188 منصبا موزعا على ثلاث دول أوربية. فرنسا خصص لها 146 أستاذ إسبانيا 26 أستاذ فيما سيتجه 16 استاذا إلى بلجيكا وذلك لمدة أربع سنوات.

قبل هذا البلاغ الوزاري، نظمت الوزارة المنتدبة المكلفة بشؤون المغاربة المقيمين بالخارج ندوة صحفية بالصخيرات حضرها الوزير بنعتيق وزميله في الاتحاد الاشتراكي الوزير المكلف بالوظيفة العمومية ووزير الثقافة والاتصال المحسوب على حزب الحركة الشعبية (نفس الحزب الذي ينتمي اليه امزازاي وزير التربية الوطنية). في تلك الندوة تم الاعلان عن البرنامج الثقافي السنوي للوزارة المنتدبة الذي يتشكل من تقديم 180 عرض مسرحي كلها ناطقة بالعربية للمغاربة المقيمين في العالم وخاصة في اوروبا والشرق الاوسط وبعض الدول الافريقية. هذا العدد الكبير من العروض المسرحية ( 180 ) سيقدم من طرف 36 فرقة مسرحية كلها ناطقة بالعربية فصحى وعامية.

هكذا نلاحظ ونسجل بكل مرارة تغييب واقصاء ممنهج للامازيغية في التدريس والتعليم في برنامج وزارة التربية الوطنية ثم اقصائها بشكل مقصود أيضا في البرنامج الثقافي لوزارة بنعتيق ولم يشرك ولو فرقة مسرحية أمازيغية.

إنه جنون التعريب على شكل الجنون الذي يصيب البقر. جنون التعريب الذي عاد في حكومة يتزعهما حزب اسلامي من شلة الاخوان وبقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يشكل المعبد العروبي الاسمنتي في المغرب وخزان الايديلوجية القومية العربية ثم برعاية حزب الحركة الشعبية الحزب الأصفر التائه الذي انسلخ حتى عن بعض شعاراته ومبادئه القديمة في التعبير عن الامازيغية واصوات العالم القروي. هذا اللوبي الحزبي بالرغم من أن رؤسائه محسوبين على الامازيغية خاصة العثماني والعنصر إلا أنهما يتماهان مع ايديلوجية الدولة في تشجيع العروبة ودعم التعريب داخل المغرب وخارجه . ويستعملان الامازيغية فقط في تحيين خطابهم السياسي الموجه للشعب استغلالا للعواطف وتجييشا لها.

لكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو لماذا الحكومة المغربية كثفت كل جهودها وجندت كل وسائلها لتعريب ابناء الجالية المغربية في العالم خلال هذه الفترة بالضبط ؟
توجد أسباب كثيرة جعلت الحكومة المغربية حاليا تصوب مدفعيتها الايديلوجية الى ابناء مغاربة العالم، وكلها منطلقات خاطئة وغير استراتيجية للدولة المغربية .

السبب الاول هو أن الاجيال الحالية لابناء مغاربة العالم خاصة في أوربا لا يعرفون ولا يتحدثون اللغة العربية حيث يتكلمون لغة البلد المستقبل ولغتهم الأم الامازيغية وقد اتضح هذا بشكل ملموس في بعض تصريحات اللاعبين الذين يتم انتقائهم لللعب في صفوف المنتخب المغربي وجلهم أمازيغ يظهر أنهم لا يفهمون العربية الدارجة وما بالك بالفصحى.

ولكن يثقنون الامازيغية واللغات الاوربية . الدولة تستهدف هذه العينات وتنطلق من منطلق خاطئ للاسف وهو أن من بين شروط الانتماء إلى الوطن وادخال الوطنية إلى الاجيال الصاعدة في اوساط الجالية يشترط الحديث باللغة العربية وهذا غلط كبير لأن الامازيغية هي أيضا لغة وطنية ورسمية وهي الحامل الاساس للهوية المغربية وللانتماء للوطن.

رسميا وبالارقام تعتبر اللغة الامازيغية هي اللغة الثانية في فرنسا بعد الفرنسية من حيث عدد المتداولين والمتكلمين بها. لان الجالية الامازيغية هي الاكبر عددا في فرنسا ونتحدث بالطبع عن امازيغ الجزائر والمغرب وتونس وباقي بلدان الصحراء . وهذا يبين أن الامازيغية لغة حية في أوروبا ، فلماذا الدولة المغربية منزعجة من أمازيغية مغاربة الخارج ؟ هل تسبب لها مشاكل ؟ الجواب هو لا ، ولكن الاشكال هو في بنية العقل السياسي للدولة المغربية وأحزابها ، لاتزال تنظر إلى الامازيغية من منظور قديم وهو منظور ما يسمى بالحركة الوطنية التي صنفت الامازيغية للأسف في خانة الانفصال والفوضى والتفرقة….إلخ. وتتعامل معها وهي كذلك حتى مع ابناء الجيل الرابع للجالية المغربية .

والحال هو أن الامازيغية هي لغة الانفتاح هي لغة الحداثة ستساعد كثيرا أبناء مغاربة العالم للابتعاد عن الافكار المتزمتة والمتطرفة وتدريس الثقافة الامازيغية وتاريخها وخصوصية الاسلام الامازيغي المعتدل والمنفتح الذي ينبني على الزهد والتصوف والبساطة ، سيزيد لهم من درجات التعلق ومستويات الارتباط بوطنهم المغرب وسيجعلهم أكثر تشبثا به ولن ينظروا أبدا إلى أية جهة أخرى حيث يأتي الارهاب والتعصب الديني والمذهبي والفكر الجهادي.

إن أطفال المغاربة المقيمين في الخارج في حاجة ماسة لمن يدرسهم الحضارة الامازيغية العريقة ومن يعلمهم أن القيم الكونية وما يعرفه الغرب حاليا من تقدم وتطور واحترام للانسية هو نابع من عصارة الفكر المتوسطي ومن حضارة العالم الأبيض المتوسط التي تشكل الحضارة الامازيغية جزء منها . إنهم في حاجة لعرفوا أن المغرب قريب جدا من أوروبا ليس فقط جغرافيا وانما ثقافيا وحضاريا وتاريخيا وأن الثقافة والتاريخ ينتميان إلى المشترك بين الامم بالرغم من إختلاف اللغات والاديان والالوان ، وهم ليسوا في حاجة لكي يعلموا أنهم ينتمون إلى خير أمة خرجت للناس.

لا نتوسل الحكومة لبعث أساتذة لتدريس الامازيغية إلى الخارج أو لبعث فرقة مسرحية أمازيغية إلى اوربا أو إلى الهند أو إلى الصين بقدرما ننبهها إلى وجوب إحترام الدستور والالتزام بموالته الاتفاقيات والتعهدات الدولية التي وقعتها الدولة المغربية فيما يخص محاربة كل أشكال التمييز العنصري، حتى لا يتم تصنيفها ضمن الدولة العنصرية .

حقيقة هذه السياسة التي تستهدف أبناء مغاربة العالم لتعريبهم يفضح بشكل صريح نوايا الدولة وعمق سياساتها العمومية لمحاربة الامازيغية وذلك ما يتضح من خلال التباطئ في اخراج القوانين التنظيمية لتفعيل ترسيم الامازيغية دستوريا.

الحكومة لم تكتف بتعريب المغاربة في الداخل بل تتعقبهم في الخارج داخل بلدان المهجر والغربة.

 

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *