تحتل جماعة تغدوين المنتمية لإقليم الحوز حيزا كبيرا في خارطة الهشاشة بسبب الخصائص الطبيعية الصعبة من جهة ، و بسبب خذلان ممثلي الساكنة و استقالة باقي مؤسسات الدولة من جهة أخرى .
إن أبناء جماعة تغدوين ومن سبق لهم أن زاروا دواويرها يعرفون أنها لا تحتضن أبدا ما يشير إلى الدولة، و كأن أرضها لا تقبل أن يستثمر فيها المال العام، أو أن سكانها أناس من الدرجة الثانية لا يليقون إلا لملئ الطوابير و الهتاف بوطنية زائفة هي كل ما تركه لهم من سرقوا الوطن في وضح النهار.
إذا أردت أن تدرس يجب أن تغادر الجماعة ، إذا أردت أن تعالج – بضم التاء – يجب أن تغادر الجماعة ، إذا أردت أن تشتغل يجب أن تغادر الجماعة، و إذا أردت أن تغادر الجماعة فستعاني الويلات في ظل غياب الطرق المعبدة و المسالك المعدة للعبور المطمئن .. هو واقع الحال الذي يتجاوز أسطر هذا المقال ليصبح المضلة اليومية التي يعيش تحتها ألاف المغاربة الذين شاءت الأقدار أن ينتموا لهذه المنطقة ، واقع الحال الذي ينسج أكواما من علامات الاستفهام التي تفرض نفسها بإلحاح : أين تذهب هذه الأغلفة المالية التي نسمع أنها خصصت للجماعة في مختلف المجالات ؟ ما موقع الخطابات الجوفاء التي ترقص على إيقاع أغنية ” العام زين ” من هذا الواقع ؟ ما هو دور المجالس المنتخبة الممثلة للجماعة ؟ من المسؤول عن تسلل البرود لهذه البنايات المتناثرة هنا و هناك دون أن تعالج يوما ما و لو مشكلة واحدة ؟ من المستفيد من ضياع أبسط حقوق السكان ؟.
أسئلة و أخرى ستفضح الإجابة الموضوعية عنها ألاعيب مافيا استثمرت فقر الناس و حاجتهم و بساطتهم لخدمة أجنداتها الخاصة و الضيقة مرتدية عباءة ممثلي الساكنة .
إن الدور المحوري للمجلس الجماعي يمكن اختزاله في الرقي بحياة سكان الجماعة من خلال ضمان الولوج للخدمات الأساسية، غير أن المجلس الجماعي الذي ابتلي به الغدوينيون لا يخدم إلا مصلحة الرئيس و زبانيته الذين أعماهم الجشع عن مهمتهم الأصلية و باعوا ضميرهم عندما وجدوا من يدفع الثمن .. كلنا نعرف أن اللص عندما يكون في قاعة المحكمة أمام ضحاياه يحتاج إلى محام يدافع عنه و ينزع عنه التهم المنسوبة إليه، لكن في حالتنا هذه فإن إضفاء الشرعية على من تفضحه جبال تغدوين و هضابها و وديانها و أحجارها و ترابها قبل الملامح الشاحبة لأناسها ، يتم أمام الجموع العامة ، و الذين تكلفوا بهذه المهمة القدرة هم من كانت تصدح حناجرهم البارحة بطبقة الكادحين و الجماهير الشعبية و بالاشتراكية و الديموقراطية ، و إذا بهم اليوم يقبلون عن طواعية بأن يلعبوا دور المنديل الذي ينظف به السفاح يده من جرائمه البشعة ، و دور مساحيق التجميل الرخيصة التي تضعها العاهرات لإخفاء ما فعله الزمان بأوجههن.
فبئس الدور و بئس ثمن الدور و بئس الذي قبل الدور و هو الذي أخبرنا أحمد شوقي أنه كاد أن يكون رسولا و أخبرنا كارل ماركس أنه مناصر الضعفاء ، و إذا بقناعه يسقط في غفلة منه و تتبدى أنيابه المكشرة و ملامحه الشيطانية التي أعطتهم حجمهم الحقيقي كأقزام قبلوا القيام بأعمال السخرة عند إقطاعي جعل من الجماعة مقاولة له و من أعضاء مجلسها خداما له و من ميزانيتها بطاريته الخاصة التي يتصدق بفتاتها – بضم الفاء – على من يبدو أنه لم يتملك لا دروس الشريعة و لا أخلاق الالتزام بالمسؤولية و لا حرمة العلم و المعرفة .