يبدو أن مهرجان “مغرب الثقافات”، بالنظر إلى ما خلفه من ردود غالبيتها سلبية، أنه يغرد خارج السرب، ولو أنه يرفع شعارات التنوع والانفتاح الثقافي. إن دورته لهذه السنة، التي أسدل عنها الستار قبل يومين، لم تخل من ملاحظات وانتقادات واسعة، شملت الجوانب التنظيمية، واختيارات البرمجة، وأهم ما أثار حفيظة المتابعين، تغييب اللغة والثقافة الأمازيغيتين بشكل مثير للاستغراب، مقارنة بالدورات السابقة التي عرفت حضورا مقدرا للفنانين الأمازيغ، وكذا حضور اللغة الأمازيغية في اللوحات الاشهارية للمهرجان.
فعلى المستوى التنظيمي ل”موازين” عرفت الدورة الأخيرة ارتباكا واضحا، تجلى أساسا في ضعف التنسيق بين فرق الأمن الخاص والمنظمين، مما تسبب في ازدحام كبير عند مداخل عدد من المنصات، خصوصا منصة “السويسي”، التي شهدت عدة احتجاجات من طرف الجمهور جراء التأخر في ولوج الفضاء المخصص للحفلات، كما تم تسجيل ارتباك في توقيت بعض العروض، وتأخر فنانين عن الموعد المقرر، وهو ما خلف استياء لدى عدد من المتتبعين.
ولكن من أكثر النقاط المثيرة للجدل في هذه الدورة، هو الغياب شبه التام للفنانين الأمازيغ عن برمجة المهرجان، على عكس الدورات السابقة التي كانت تخصص، على الأقل، حيزا محترما للموسيقى الأمازيغية بمختلف أنماطها، رغم أن هناك أسماء فنية بارزة في الفن والأغنية الأمازيغية، الشيء الذي لم يستسغه المتابعين والمهتمين بالشأن الثقافي الأمازيغي بالخصوص.
وفي هذا السياق، ورغم مشاركة الفنان الأمازيغي الشاب حبيب سلام، إلا أن الملاحظ أن اسمه لم يدرج ضمن البرمجة الرسمية للمهرجان والتي تم نشرها على الموقع الرسمي للمهرجان، حيث ادرج يوم الأربعاء 25 يونيو بمنصة سلا والتي لم تبرمج فيها أي برمجه في هذا اليوم حسب الموقع الرسمي للمهرجان، وتم الاكتفاء بملصق على صفحة المهرجان على “فايسبوك”، كما انه لم يتم تغطية سهرته على هذه الصفحة كما هو جاري به العمل مع باقي السهرات التي عرفها المهرجان، وهو ما اعتبره العديد من المتتبعين شكلا من التهميش المقصود، خاصة أن حبيب سلام يعد من الأسماء الصاعدة في الساحة الفنية الأمازيغية.
إلى جانب هذا التغييب الفني، سجل أيضا غياب تام للكتابة الأمازيغية بحرف تيفيناغ، سواء في الملصقات واللافتات الرسمية للمهرجان، أو على المنصات أو في المواد الترويجية. وهو غياب يطرح أكثر من علامة استفهام. ومن حق المغاربة اعتبار ذلك خلالا فاضحا بما جاء به القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وكذا بمقتضيات الفصل الخامس من دستور 2011 الذي نص على رسمية اللغة الأمازيغية كلغة رسمية.
إنه تجاهل غير مبرر، كما يعتبر تقصيرا واضحا في احترام التعدد اللغوي والثقافي الذي يفترض أن يجسده المهرجان الذي يعتمد شعار “مغرب الثقافات”، لكنه مهرجان لا يؤمن بثقافة وطنه، ويقصي أحد أبرز مكونات الثقافة الأصلية المغربية، وهي الثقافة الأمازيغية. ولنا ان نطرح سؤالا جوهريا في هذا المقام: عن أي تنوع ثقافي وعن أية ثقافات يتحدث مهرجان “موازين”، إذا كانت الثقافة الأمازيغية تُقصى في عقر دارها؟
إن هذا الإقصاء يفتح النقاش حول مدى التزام مهرجان “موازين” بمبدأ تمثيل التعدد والتنوع الثقافي والاجتماعي المغربي، كما يحيل السؤال السالف عن أسئلة أخرى حول المعايير المعتمدة في اختيار الفنانين والفرق الموسيقية. فإذا كانت برمجة المهرجان تراعي فعلا التنوع الثقافي، فلماذا لم نلاحظ للأمازيغية أثرا في ذلك، وهي الثقافة الضاربة جذورها في عمق التاريخ الثقافي لشمال إفريقيا.
إذن لا مجال لنقاش مدى نجاح مهرجان بحجم “موازين”، علما أن نجاح أي تظاهرة تقام على أرض المغرب، لا يقاس فقط بوزن ونوع النجوم الحاضرين، بل أيضا بقدرته على احترام الخصوصية المغربية، على أن يعكس المهرجان التنوع الثقافي الوطني بكل مكوناته، وعلى رأسها الثقافة الأمازيغية، التي لا ينبغي التعامل معها بمنطق “الزينة الفولكلورية”، بل باعتبارها الثقافة الأصلية المتجذرة في الهوية المغربية.
رشيدة إمرزيك