أصدر حديثا كتاب “ابن الشاطئ” أو “إويس ن تغارت iwis n taɣart” لمؤلفه الكاتب “ابراهيم العسري أمازيغ” عن دار النشر “central du souss”؛ الكتاب عبارة عن رواية تقع في 133 صفحة؛ وقد حملت هذه الرواية نفسا جديدا للإبداع الروائي الأمازيغي لجمالية السرد والحكي الذي خطه الكاتب ليسافر بالقارئ إلى ثنايا عميقة جدا في فصول الرواية.
والواضح أنه ما زالت للعلاقات الإنسانية عموما والعاطفية خصوصا منزلة كبرى في أعمال ابراهيم العسري الأدبية.
ففي رواية “ijawwan n tayri “أو “رياح الحب” الصادرة سنة 2008 تداخلت فيها مجموعة من العناصر: (الدينية والسياسية والاقتصادية لمقاربة علاقة جنسية اعتبرت غير شرعية أسفر عنها حمل؛ مع إعطاء قيمة كبرى لشخصية تيللي “tilelli” أو الجانب النسوي من تلك العلاقة الجنسية وصور مدى معاناتها بعدها في مجتمع مليء بالمفارقات والتناقضات.
وتجاوزا لرواية iṣmḍal n tmagit لعدم رغبتي في تقليص موضوعها في علاقة جدلية بين الرجل والمرأة لأن هذا الموضوع في رأيي جزء صغير في الثيم العام للرواية المتمثل في قضية أكبر متعلقة بالهوية.
سأمر مباشرة إلى رواية (tamɣra uccan) أو “عرس الذئاب” الصادرة سنة 2018 والتي وزع فيها الكاتب اهتمامه بالتساوي على كل من “جامع” “jamε” و “تنيرت” (tanirt ) وهما الشخصيتان المحوريتان في الرواية كلاهما دمرت حياتهما بسبب حادثة اغتصاب..
وبالمقارنة مع الروايات السابقة فقد كسر الكاتب القاعدة هذه المرة في رواية iwis n taɣart أو إبن الشاطئ وقارب موضوع الجنسانية من منظور ذكوري محض؛ هل صفة العهر مقتصرة على النساء؟ هل يمكن أن يكون هناك أيضا رجل عاهر؟ هل سيتقبل الرجل المشبع بمفارقات المجتمع الذكوري صفات عاهر؟ أم العكس؟ والذي يميز هذه الرواية عن سابقاتها أيضا هو التقنيات السردية التي وضعها الكاتب لدمج موضوعات وثيمات مختلفة يصعب دمجها في الغالب في نسق سردي متجانس كموضوع صراع الثقافات: (الجنس والدين والتطرف الديني والسياسة والأحداث التاريخية والمثلية الجنسية والعنصرية…) والواضح أنه يصعب مقاربة الرواية من زاوية واحدة لتعدد مواضيعها؛ كما أن هناك قفزة نوعية وتطورا ملحوظا لدى الكاتب في أساليب النص خاصة في اللغة المستعملة إذ وظف لغة أمازيغية سليمة مفهومة خالية من الأخطاء اللغوية مواكبة لتطور الأدب الأمازيغي في السنوات الاخيرة؛ والجدير بالذكر أن الرواية مكتوبة بالحرف اللاتيني وحرف تيفيناغ معا.
نبذة عن الرواية:
تنقل الرواية في فصولها القارئ من عوالم شاطئ أكادير في بداية التسعينيات من القرن الماضي؛ حيث كان نقطة التقاء مختلف الثقافات وقد انصب اهتمام الكاتب على شخصية رئيسية وهو “حماد” الذي ألف مناداته ب”جيمس” مذ كان يبيع قنينات المشروبات الغازية مع أبيه في الشاطئ وهو طفل صغير. كبر “جيمس” وأصبح يتحدث العديد من اللغات بطلاقة؛ وقد اكتسب تلك المهارة نظرا لاحتكاكه المتواصل مع الأجنبيات في الشاطئ؛ كان بلين وطلاقة كبيرة اكتسبهما مع الخبرة يوقع السائحات في فخ جمال وجهه وفتوة عضلاته لاختلاس أموالهن بطرق ملتوية وباستراتيجية مدروسة تبدأ بممارسة الجنس وتنتهي بتحليق الطائرة بالسائحة في سماء أكادير نحو بلدها بعد جولة في متاجر ومحلات “ayt ɣiklli bdda” أو أصحاب “كالعادة” وهم شركاء جيمس في النصب. بداية ب “إديث” الألمانية الأربعينية الحسناء؛ التي من خلالها ستنقلنا الرواية من شاطئ أكادير إلى برلين؛ حيث وصف الكاتب الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تمر بها ألمانيا قبل وأثناء وبعد سقوط جدار برلين سنة 1989.
ثم أتى حدث التدخل الأمريكي في إيران الذي أدى إلى ركود السياحة في أكادير ووقع ذلك على “جيمس”, لكن سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها ليعود ابن الشاطئ إلى عادته وهذه المرة مع “فرانشيسكا” الإيطالية المناهضة للعنصرية ضد الأجانب والتي واجهت الاضطهاد من قبل جماعة سرية إيطالية متطرفة.
ثم الفرنسية “جانيت” التي أوقعت “جيمس” في أزمة هوياتية وأسقطته في شباك صراع داخلي وأسئلة غير متناهية: هل أنا عاهر؟ هل ما أقوم به يسمى عهرا؟ ما الفرق بيني وبين العاهرة؟ هذه الاسئلة غيرت مجرى الأحداث في الرواية من صراع بين الشخصيات إلى صراع داخلي لدى “جيمس” صراع داخلي تخلله جلد الذات وتأنيب الضمير والشعور بالضياع.. هنا بدأ “جيمس” رحلة البحث عن ذاته أخيرا .. هذا التطور السريع في الأحداث وظف من قبل الكاتب لعرض قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وعاطفية جديدة عرضها الكاتب بشكل متجانس ومتناسق وبأسلوب سردي جميل. وأسدل الكاتب الستار عن روايته بعبارة “كن لها رجلا, ولا تكن لها عاهرا “”g as argaz ad as ur tgt amggan”.
خديجة الحمداي