تقرير: اتحاد العمل النسائي يسجل تنامي العنف ضد النساء ويطالب بسحب القانون 13/103

سجل تقرير صادر عن شبكة مراكز النجدة والإيواء التابعة لاتحاد العمل النسائي أنه بالرغم من كل المجھودات التي بذلتها الحركة النسائية من أجل تغییر وتعدیل مجموعة من القوانین كمدونة الأسرة، قانون الجنسیة وقانون الشغل وإقرار بعض التدابیر الھادفة إلى تحسین التمثیلیة النسائیة في المجالس المنتخبة ومواقع المسؤولیة، “فقد تبین فیما یخص مدونة الأسرة أنه بعد مرور 14 سنة على تطبیقھا ظھرت العدید من الإشكالات سواء على مستوى النص أو التطبیق مما یستلزم مراجعتھا قصد ملاءمتھا مع الاتفاقیات الدولیة ومع الدستور الجدید، وحتى القوانین التي تم إخراجھا تفعیلا لدستور 2011 كالقانون المتعلق بھیئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمییز، وقانون محاربة العنف ضد النساء وقانون الاتجار بالبشر فإنھا لم ترق إلى مستوى تطلعات ومطالب الحركة النسائیة ونضالاتھا، ولا تنسجم مع ما یتطلبه السیاق الوطني والدولي من إقرار فعلي للمساواة”.

واستعرض التقریر السنوي لشبكة مراكز النجدة والإيواء، الذي تم تقديمه خلال ندوة صحفية نظمها اتحاد العمل النسائي تخليدا للأيام الأممية لمناهضة العنف ضد النساء، واحتفالا بالذكرى 70 للوم العالمي لحقوق الإنسان، صباح اليوم، 10 دجنبر 2018، معطیات إحصائیة وتحلیلیة حول حالات العنف التي استقبلتھا شبكة مراكز النجدة والإیواء التابعة لاتحاد العمل النسائي في كل من الرباط، الدار البیضاء، القنیطرة، فاس، مكناس، العرائش، طنجة، تطوان، سطات، خریبكة، أبي الجعد، مراكش، آسفي، أكادیر، الراشیدیة والداخلة، وعرض معطیات تعرف بطبیعة العنف الذي تتعرض له ھؤلاء النساء والطفلات ونوعه سواء منه الجسدي أو النفسي أو الجنسي أو الاقتصادي و یعرفنا بمواصفاتھن والفئة الاجتماعیة التي یمثلنھا كما یقدم لنا صورة عن ملامح ممارسي العنف ومواصفاتھم وعلاقة الضحیة بھم، كما يستعرض نوع الخدمات التي تقدمھا مراكز النجدة للناجیات على مستوى الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي والبرامج الموازیة الموجھة لفائدة ھؤلاء النساء، ویسائل الدولة عن مدى توفیر آلیات الحمایة والتكفل بھن في المناطق التي ینتمین إلیھا.

وأشار التقرير إلى أن مراكز النجدة التابعة لاتحاد العمل النسائي استقبلت 9500 حالة یشكل الرجال %2.50 والطفلات %5.50 وتشكل نسبة النساء %92، “كما تتلقى مراكز النجدة یومیا اتصالات ھاتفیة من طرف نساء ضحایا العنف أو من طرف أحد أقاربھن واحیانا من طرف قطاعات حكومیة ومؤسسات وطنیة بمعدل یتراوح ما بین 15 و 20 مكالمة في الیوم ، ویقدم لھن التوجیھ والإرشاد القانوني…”.

وقد اعتمدت المراكز في جمعها للمعطيات على استمارة موحدة “توثق كل المعلومات عن ھذه الحالات “رقم الملف والاسم ورقم البطاقة الوطنیة ھذه المعلومات تظل سریة حفاظا على خصوصیة الضحیة و أمنھا، ثم جزءا آخر یتضمن كل المعلومات عن موضوع العنف قابل للدراسة والتحلیل و الاستثمار، ویتضمن كل ملف الشكایة او مقال الدعوى و الوثائق والإجراءات التي قام بھا المركز من دعم قانوني أو نفسي و دعم اجتماعي، و مآل الدعوى”، كما تقدم المراكز كذلك برامج للمستفیدات من خدماتھا تستھدف تقویة قدراتھن و تكوینھن على كل مستجدات القوانین وخاصة مدونة الأسرة و القانون الجنائي و الاتفاقیات الدولیة ذات الصلة بحقوق المرأة و ما تضمنه الدستور من حقوق بالإضافة إلى توجیھات تربویة و نفسیة، یقدمھا مختصون/ت، محامون/ ت ، وأطباء نفسانیون/ ت، بالإضافة إلى اعتماد بعض مراكز النجدة (مثل مراكش وأكادیر والعرائش وطنجة) لدورات في التكوین المھني في الخیاطة والطبخ والحلاقة بشراكة مع قطاعات حكومیة، تمكن العدید من ھؤلاء المستفیدات من الحصول على شواھد تتیح لھن إمكانیة الحصول على عمل أو تشكیل تعاونیات فیما بینھن والحصول على قروض لإعداد مشاریعھن الخاصة” حسب التقرير.

وخلصت المعطيات المستخرجة من الاستمارات التي عبأتها شبكة مراكز النجدة والإيواء إلى أن العنف ضد النساء ینتشر أكثر في المجال الحضري، والنساء اللواتي یتعرضن بشكل كبیر للعنف ھن اللواتي یتراوح عمرھن ما بین 18 و39 سنة، إضافة الى محدودیة مستواھن التعلیمي فأكثر من نصفھن أمیات أو لم یتجاوزن التعلیم الأولي، كما أن مستواھن الاقتصادي جد متدني فأكثر من النصف ھن ربات بیوت، دون ان یعني ذلك أن باقي الفئات ھي في منأى عن العنف بسبب مستواھا الدراسي أو الاقتصادي لأن العنف یخترق كل الطبقات والفئات.

وأضاف التقرير أن الجهة التي يصدر عنها العنف أو المعنف ینتمي لنفس الفئة الاجتماعیة من حیث تدني المستوى التعلیمي والاقتصادي وأكبر نسبة منھم تتراوح أعمارھم مابین 30 سنة إلى 60 سنة ویشكل العنف الزوجي أكبر نسبة ضمن حالات العنف الواردة على مراكز النجدة بسبب غیاب التوازن داخل الأسرة و استمرار التمییز في أدوار و مسؤولیات طرفي العلاقة الزوجیة.

وأشار التقریر إلى أن هذه المعطيات التي یقدمھا لیست إلا جزءا مما تعانیه العدید من النساء المغربیات المعنفات، وھن النساء اللواتي تمكن من الوصول إلى مراكز النجدة والبوح بمعاناتھن ، یفضحن بالأرقام خطورة الظاھرة و تأثیرھا السلبي علیھن وعلى أسرھن و على المجتمع ،وتكلفتھا المرھقة كاھلھن و للدولة نفسھا كتكلفة العلاج ، تكلفة التوقف عن العمل، تكلفة التنقل بین المحاكم و المستشفیات و مراكز الشرطة لتقدیم الشكایة أو رفع دعوى أو إعداد الوثائق اللازمة لذلك (الشھادة الطبیة ، الصور وثائق الإثبات)، وما یترتب عن ھذا الوضع من عنف نفسي و انعكاسه علیھن وعلى أطفالھن و استقرارھم.

وأكد التقرير أنه على الرغم من ھول ھذه الأرقام، “وفي الوقت الذي كان یفترض في الحكومة الأخذ بعین الاعتبار خطورة ھذا العنف المبني على النوع وآثاره وتكلفته المرتفعة على النساء وأطفالھن وعلى المجتمع ككل فإن قانون 13/103 الذي أصدرته في الشھور الأخیرة لمواجھة ھذه الظاھرة جاء مخیبا للآمال ولتطلعات الحركة النسائیة التي وانطلاقا مما راكمته من خبرة میدانیة في ھذا المجال، ومن اطلاعھا على تجارب دولیة طالبت بقانون شامل لمحاربة العنف ضد النساء یتضمن الوقایة والحمایة والتكافل وعدم الإفلات من العقاب، كمعاییر دولیة للحمایة الفعلیة للنساء ضحایا العنف”.

وجدد تقرير اتحاد العمل النسائي رفضه للقانون 13/103 ومطالبته بسحبه، نظرا لكونه لیس شاملا مستقلا وإنما مجرد تعدیلات جزئیة على القانون الجنائي والمسطرة الجنائیة، وعدم تعریفه العنف بكل أنواعه كالاغتصاب والاغتصاب الزوجي والعنف السیاسي، وعنف الدولة المرتكب من موظفیھا أو مرافقھا، وتزویج الطفلات، وعدم شموله لمجموعة من الفئات من النساء ضحایا العنف كالأمھات العازبات والنساء المھاجرات والنساء ذوي الاحتیاجات الخاصة.

وأضاف أن القانون لا یستحضر مقاربة النوع، حیث یشمل نطاق تطبیقه فئات أخرى غیر النساء كالأزواج والأصول والفروع…، وكذلك لكون تدابیر الحمایة المنصوص علیھا رغم اھمیتھا فإنھا صعبة التطبیق في غیاب الیات مؤسساتیة وموارد بشریة ومیزانیة خاصة لضمان استفادة فعلیة للنساء منھا، واختصار بعد الوقایة في فقرة وحیدة في نھایة القانون كتوصیة دون تحدید دقیق لمسؤولیات للسلطات العمومیة والقطاعات التربویة والإعلامیة في القضاء على العنف ضد النساء.

وندد التقرير بإقصاء الجمعیات النسائیة والحقوقیة التي كان لھا الفضل في تكسیر الصمت عن ھذه الظاھرة من تشكیلة اللجن الجھویة والمحلیة والوطنیة، وحصر تنصیبھا كطرف مدني في قضایا العنف على الجمعیات ذات المنفعة العامة شریطة الحصول على إذن كتابي من طرف الضحیة، وكذا غیاب الحمایة اللازمة للعاملات في مراكز الاستماع والایواء.

ومن أجل حمایة فعلیة للنساء من العنف المبني على النوع طالب تقرير اتحاد العمل النسائي بإعادة النظر في القانون 13/103 والأخذ بعین الاعتبار مجموع التعدیلات التي قدمتھا المنظمات النسائیة والحقوقیة التي اكدت ولازالت على قانون شامل یعتمد المعاییر الأربعة الدولیة: الوقایة والحمایة والتكافل وعدم الإفلات من العقاب، محملة الدولة مسؤولیتھا في التكفل بالنساء الناجیات من العنف من خلال احداث مراكز الإیواء وإعادة الخط الأخضر وتوفیر المتابعة الطبیة والنفسیة لھن مع تیسیر ولوجھن للعدالة، وكذا مراجعة جذریة للقانون الجنائي على مستوى فلسفته وبنیته بما یضمن حمایة النساء من العنف والتمییز.

كما طالب بالنص على تدابیر حمائیة فوریة تستفید منھا النساء بمجرد وقوع العنف لضمان امنھن وسلامتھن، وإعمال المقاربة التشاركیة عند صیاغة القوانین والخطط والاستراتیجیات ذات الصلة بالحقوق الإنسانیة للنساء، وكذا تغییر جذري لمدونة الأسرة وملائمتھا للاتفاقیات الدولیة وللدستور بما یضمن المساواة الفعلیة ویحفظ كرامة النساء، و یحقق التوازن بین كل أفراد الأسرة.

ویأتي ھذا التقریر في سیاق التزم فیه المغرب منذ أكثر من عقدین من الزمن على الانخراط في المنظومة الحقوقیة الأممیة و مصادقتھ على العدید من الاتفاقیات الدولیة و البروتوكولات الاختیاریة وخاصة تلك المتعلقة بحقوق النساء والطفلات كاتفاقیة القضاء على كل أشكال التمییز ضد المرأة و الإعلان العالمي لمناھضة العنف ضد النساء ،واتفاقیة حقوق الطفل ، و رفعھ لبعض التحفظات على ھذه الاتفاقیات، بالإضافة إلى الآلیات و الھیئات التي تم إحداثھا في ھذا الإطار و تفاعلھ مع الآلیات الأممیة لتتبع تنفیذ ھذه الاتفاقیات و التوصیات التي أصدرتھا و التزامھ بتقدیم التقاریر بخصوصھا، وھو ما رسخه دستور 2011 حیث نص وأكد على كل ھذه الحقوق والالتزامات.

وقد ساھمت الحركة النسائیة والحقوقیة بشكل واضح في ھذه السیرورة بالتتبع والمواكبة و الفعل كقوة اقتراحیة وقوة ضغط من أجل مواصلة تفعیل ھذه الالتزامات.

أمضال أمازيغ كمال الوسطاني

شاهد أيضاً

ندوة دولية بأكادير حول أهمية التربة في التنمية المستدامة

افتتحت يوم الاثنين فاتح يوليوز بأكادير ندوة دولية حول موضوع “متجذرة في القدرة على الصمود: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *