إحراق الخيام، والاعتداء بالضرب والرفس، واعتقالات في صفوف المعتصمين
أوردت حركة على درب 96 المؤطرة لاعتصام ساكنة إميضر فوق جبل ألبان، بإقليم تنغير منذ ما يزد عن ستُ سنوات، تقريرا مفصلا حول انتفاضة 10 مارس 1996، التي تعرضت لهجوم من طرف القوات العمومية مدججة بشاحنات عسكرية وسيارات تابعة للدرك الملكي على خيام المعتصمين، وما ترتب عليه من عملية هدم وإحراق الخيام وسرقتها، والاعتداء على المعتصمين بالرفس والضرب بالحجارة والهراوات والاعتقالات.
وأوضحت الحركة الاحتجاجية بإميضر في مستهل تقريرها أنه بـ”الرغم من ما تزخر به جماعة إميضر من ثروات معدنية هائلة فإنها تعاني من انعدام ابسط البنيات التحتية والمرافق العمومية الحيوية، كما تعاني من تفاقم نسبة البطالة، وهذا راجع بالأساس إلى إقصاء أبناء الجماعة من العمل بالمنجم، إضافة إلى أن الشركة تقوم باستغلال مياه المنطقة خارج إطار القانون، مما يؤثر بشكل كبير على الفلاحة النشاط الأساسي للساكنة ونقص حاد في المياه الشرب بدواوير الجماعة بالإضافة إلى مشكل تلوث البيئة”.
وأضافت أن هذا الأوضاع هي من دفعت بـ “السّاكنة رجالا ونساء وأطفالا يخرجون للتنديد بهذه الأوضاع المزرية والمفارقة وذلك بداية من يوم 26 يناير 1996 الموافق للأسبوع الأول من شهر رمضان للاحتجاج ضد الإقصاء والتهميش واستنزاف ثرواتهم، ليدخلوا بذلك في اعتصام مفتوح أمام مقر إدارة شركة معادن إميضر وبشكل سلمي، فهذه الشركة تستغل مساحة تفوق المساحة المكرية بكثير بحيث إن عقد الكراء يحدد لها حق استغلال 25 هكتار فقط، وتحديا منها لجميع القوانين والأعراف الدولية تجاوزت المساحة المستغلة على حساب الأراضي الزراعية والرعوية دون أي تعويض يذكر”.
واسترسلت: “هذا المنجم الذي يتوسط أراضي جماعة إميضر تتسرب من معمله مواد كيماوية سامة أهمها مادتي السيانور والميركور… والكل يعلم خطورة هذه المواد مع العلم أن الشركة غير مصنفة بيئيا، ولا تتوفر على أية دراسة تأثير، مما أثّر سلبا على مردودية الفلاحة والكسب وتلويث المياه الباطنية والسطحية مما يشكل تهديدا مستمرا للكائنات الحية حيث أن عددا من قطعان الماشية قتلت عن آخرها في الحال بعد شربها للماء الملوث الذي يتسرب من المنجم”.
وأشارت إلى أن ” الشركة وبمباركة من السلطات المحلية كلما أرادت الزيادة في اليد العاملة لا تعير اهتماما للعاطلين المحليين وتستقطب غيرهم، بل أكثر من دلك فقد سنت لنفسها وبتنسيق مع النقابتين (CDT + UMT) والسلطات المحلية وكذلك مصالح المناجم قانونا تجعل من الشغل حقا وراثيا بحيث ينص البند السادس من الاتفاقية الجماعية المبرمة سنة 1987 بين هذه الأطراف على ضرورة إعطاء الأولوية لأبناء العمال في حالة وجود مناصب شغل شاغرة وهذا خرق لقانون الشغل ومبدأ تكافؤ الفرض وإقصاء لليد العاملة المحلية”.
أمام هذه الوضعية المزرية يقول التقرير المفصل لحركة على درب 96 “لم يبق للساكنة المحلية إلا أن يرفعوا أصواتهم معلنين بذلك عزمهم على المطالبة بحقوقهم داخل إطار القانون، بعد إخبار السلطات المحلية، قام الشباب العاطلين والمعطلين وكافة شرائح المجتمع في إميضر بتنظيم اعتصام أمام المدخل الرئيسي للمنجم المذكور يوم 29 يناير 1996، وقد عبر جميع المعتصمون عن مسؤوليتهم في السير قدما بهذا الشكل النضالي بأسلوب حضاري سلمي دون عرقلة لسير الأشغال بالمنجم، متشبثين بملف حقوقي سوسيو اقتصادي يضمن لهم الحقوق المقدسة المتعارف عليها في القانون والأعراف الدولية”، وللتعبير عن التزامهم بالمسؤولية يضيف التقرير “رفع المعتصمون شعارات مسؤولة تعبر عن همومهم وانشغالاتهم إزاء الوضعية المزرية التي يعيشونها رغم توفر جماعتهم على أغنى منجم للفضة بإفريقيا، وقد تم نصب خيام تقليدية لوقايتهم من البرد مغطاة لتفادي تسرب مياه الأمطار والثلوج إلى داخلها، كما رفعت لافتات مكتوب عليها شعارات مقتبسة في غالبيتها من الدستور ( الشغل حق دستوري ـ لا تراجع عن حقنا الدستوري…)”.
ويضيف التقرير أن مطالب المعتصمين، بعد مرور 15 يوما من الاعتصام أمام مقر إدارة الشركة، “قوبلت بالتجاهل واللامبالاة وعدم الاهتمام سواء من جانب إدارة الشركة التي كان همها الوحيد هو الزيادة في الإنتاج واستنزاف الخيرات وكذا السلطات المحلية التي من المفروض أن تلعب دور الحكم وإجبار الشركة على تطبيق القانون، وتجاهلها للقضية أبان عن تواطؤها مما أثار استياء الجميع بما في ذلك ساكنة إميضر”.
وأضاف التقرير أن المعتصمون قرروا أن يعطوا نفسا جديدا لشكلهم النضالي، بعد أن قوبلوا باللامبالاة والتجاهل، وقرروا أن ينقلوا خيامهم للاعتصام بالقرب من الطريق الوطنية رقم 10بمحاذاة بئر “تارڭيط” (إيغف نولبان) الذي تستغله الشركة بدون أيّ سند قانوني منذ 1986، إذ عمدت إلى حفر هذا البئر بالقرب من الضيعات الفلاحية ورغم رفض الساكنة و الشكايات التي أرسلها أصحاب الضيعات إلى الجهات المعنية للتعرض على حفره، وبالفعل فقد تسبب استغلال مياه هذا البئر إلى تضرر الفلاحة، النشاط الأساسي للساكنة بسبب جفاف الآبار المستعملة لري أراضيهم، هذا و قد قامت الشركة بعملية الحفر بمؤازرة من السلطات المحلية حيث قامت بتطويق المنطقة لمنع الساكنة من الوصول اليه بل أقدمت على الزج ب ستة 6 شبان في السجن سنة 1986لمدّة شهر عندما رفعوا أصواتهم للإعلان عن رفضهم لهذا العمل الغير قانوني”.
كما أضاف أن ” المعتصمين قاموا بنصب الخيام من جديد قرب البئر المستغل لضخ المياه على أساس أن من حقهم أن يتصرفوا في أراضيهم، ولتفادي الأخطاء و الثغرات التي قد تفاجئ الجميع، عبّر المعتصمون عن مستوى حضاري و ديمقراطي في تسيير شؤونهم الداخلية و اتخاذ القرارات، وهكذا كونوا مجموعة من اللجان للسهر على السير النموذجي و الطبيعي للأشكال النضالية والمسيرات الاحتجاجية التي كانوا يقومون بها إلى دواوير الجماعة و نحو مقر إدارة الشركة بالمنجم، ومن بين هذه اللجان: لجنة الحوار التي تم فرزها بشكل ديمقراطي داخل حلقية عارمة مكونة من الرجال و النساء، ولجنة الحراسة التي تسهر على ضمان الأمن داخل محيط المعتصم، إضافة إلى لجنة اليقظة، النظافة، لجنة السكن ولجنة مكلفة بضمان السير العادي على الطريق الوطنية رقم 10 وفي مجال الاعتصام وخلال المسيرات والتظاهرات، واستمر الشكل النضالي بشكل عادي وسط لامبالاة وتعنت إدارة الشركة والسلطات المحلية إلى غاية يوم الأحد 10 مارس 1996 حيث تم الهجوم على المعتصم بشكل وحشي من طرف القوات العمومية”.
الهجوم على المعتصمين:
“بعد اعتصام سلمي دام 45 يوما في ظروف قاسية دفاعا عن حقوقهم المشروعة ، لم تلقى مطالب ساكنة إميضر آذان صاغية بل بالعكس حيث تعاملت السلطات المحلية مع هذا الشكل الحضاري بطريقة وحشية” تقول حركة على درب 96 في تقريرها، وتضيف “في صبيحة يوم الأحد 10 مارس 1996 على الساعة السابعة قامت بإنزال لأزيد من 600 عنصر من القوات المساعدة وبدء الهجوم على المعتصمين الذين كانوا لازالوا نياما داخل خيامهم بدون سابق إنذار، حيث اقتحمت مجموعة من الشاحنات العسكرية وسيارة الدرك الملكي مقر الاعتصام من الجهة الشرقية والغربية وبدأ الهجوم الوحشي على خيام المعتصمين بأمر من عامل إقليم ورزازات وبقيادة رئيس الدائرة، لتبدأ عملية هدم وإحراق الخيام وسرقتها، والاعتداء على المعتصمين بالرفس والضرب بالحجارة والهراوات والسكاكين وعقب البنادق”.
وأمام هول وكثرة العدة والعدد المسخّر لهذه العملية، تضيف على درب 96 “قرر المعتصمون أن ينسحبوا من المكان بشكل سلمي تفاديا للمواجهة التي قد لا تحمد عقباها، وتمت مطاردة الجميع من المكان، أمّا رجال القوّات المساعدة فقد تجاوزوا الإطار المحدد للقيام بعمليتهم، وقاموا بمطاردة المعتصمين ورشفهم بالحجارة و المقلاع”، وزادت “قد تم صدّ هذه القوات بعد أن حاولت اقتحام منازل المواطنين والدخول إلى الحقول لانتهاك حرمات النساء اللواتي تعملن في الحقول لجمع بعض المحاصيل الزراعية، ولمّا رأى أبناء المنطقة النساء و الكهول تنتهك حرماتهم بالاعتداء عليهم بشكل و حشي ثار غضبهم وواجهوا القوات المساعدة ليس لأنها طاردتهم كمعتصمين لكن لأنها تجاوزت الحدود إلى حد لا يطاق”.
وأضافت أن السلطات الأمنية عمدت أثناء عملية الهجوم على المعتصمين إلى ” تطويق دواوير إميضر بشكل كامل حيث قامت القوات العمومية بقطع كل الطرق و الممرات المؤدية إلى إميضر من جهة بومالن دادس و تنغير، ولم ينتهي هجوم القوات العمومية إلا بعد زوال نفس اليوم بعد إنزال كثيف لعناصر القوات المساعدة و الدرك الملكي وقد قامت هذه القوات بالاستعانة بسيارة مدنية لتحميل الأسلحة و القنابل المسيلة للدموع”.
نتائج الهجوم:
أسفر هذا الهجوم الذي تعرض له المعتصمين بإميضر يوم 10 مارس 1996، حسب تقرير الحركة التي تحمل اسم “96” على” اعتقال ثلاثة و عشرون (23) فردا من ساكنة الجماعة من بينهم امرأتين، تم إطلاق سراحهما مساء نفس اليوم بعد تعرضهن للاعتداء و التعذيب و الشتم، ليتم نقلهم إلى مخفر الدرك بتنغير عبر سيارة في ملكية شركة معادن إميضر، الشيء الذي يؤكد تواطؤ الشركة في هذا الهجوم، كما إن اثنين منهم كانوا في حالة خطيرة بمستشفى بومالن دادس، وهذا ما لم تشير إليه وزارة الداخلية في بلاغها الموجه إلى وسائل الإعلام والذي تمّ نشرة في مجموعة من الجرائد الوطنية، كما لم تشر إليه الضابطة القضائية في محضرها الموجه إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بورزازات”.
كما أسفر على “إصابات متفاوتة الخطورة لمجموعة من المعتصمين وإغماءَات في صفوف مجموعة من المصابين جراء إصابتهم في رؤوسهم و مناطق حساسة من أجسادهم، ولم يتمكنوا من الذهاب الى المستشفيات بسبب تطويق القوات العمومية للقرية و خوفهم من الاعتقال”، إضافة إلى “السطو على ما لم يحرق من ممتلكات المعتصمين من أمتعة و خيام و نقوذ ووثائق شخصية تقدر القيمة الإجمالية لكل ذلك ثلاثون ألف درهم ( حوالي 36 قنينة غاز كبيرة و صغيرة، 42 خيمة، ملابس و أغطية، أكياس السكر، صناديق الخضر و الزيت و الشاي…) و مبالغ مالية”. حسب المصدر ذاته
كما أدى هجوم قوات الأمن على المعتصمين إلى “إصابة بعض من رجال القوات المساعدة بجروح خفيفة أثناء المواجهة داخل الحقول الفلاحية، وهذا ما اعتبرته الحركة الاحتجاجية في تقريرها ” نتيجة الدفاع عن النفس من قبل النساء اللواتي تم الاعتداء عليهن بالضرب و الشتم ، كما عانت القرية من حصار شديد ونشر الرعب والهلع بين الساكن العزل، كما أن جميع الأنشطة اليومية للسكان معرقلة بفعل تواجد فيالق من القوات في جميع الممرات المؤدية إلى الحقول مصدر العيش الوحيد للساكنة”، مشيرة إبى :استمرار مسلسل تحرشات القوات العمومية على المواطنين و متابعات واسعة في حق المناضلين و الناشطين بما في ذلك لجنة الحوار”.
الاعتقالات
بعد هجوم القوات العمومية على المعتصم يوم الأحد 10 مارس 1996، قالت حركة على درب 96 في تقريرها أن عدد الاعتقالات في صفوف الساكنة وصلت إلى 23 فرد من بينهم امرأتين،”تم اقتيادهم في سيارة تابعة لشركة معادن إميضر إلى مخفر الدرك بمدينة تنغير، وتم إطلاق سراح المرأتين في نفس اليوم في حين تم وضع الآخرين تحت الحراسة النظرية لمدة 24 ساعة بمخفر الدرك الملكي دون إخبار عائلاتهم”.
وأضافت حركة على درب 96 أنه “تم تحرير محضر مفبرك في حقهم تضمّن تهم جنائية خطيرة كالعصيان المدني، التحريض عليه، تكوين تجمع ثوري، استعمال العنف ضد القوات العمومية وإلحاق خسائر مادية في الملك الخاص، ليتم الزج بهم في السجن المحلي بورزازات رغم إنكارهم للتهم المنسوبة إليهم وعدم إمضائهم لمحاضر الضابطة القضائية المزورة”.
أمدال بريس: منتصر إثري