النقد جزء لا يتجزأ منالعمل موضوع النقد. يكتسي أهمية كبيرة في إغنائه برؤية مغايرة، يوجه ويثير الانتباه ويُقوّم، غايته تجويده أولا وأخيرا. بينما غيابه يترك ثغرات في العمل تُظهر عيوبه ونقائصه، الشيء الذي قد يضر بقيمته ويؤثر في أهميته. لذلك لا ينبغي التضايق من النقد أو الانزعاج منه، بل على العكس من ذلك يتعين طلبه وابتغاؤه لأنه يعطي البديل ويقدم التصويب وفق نظرة مخالفة ومكمّلة. ففي مجال الأدب والفن مثلا، يكون النقد قاعدة لا يكتمل العمل إلا بحضور الناقد وبرؤيته التي ترتقي بالعمل وتكون بمثابة قيمة مضافة له. وليس الأمر على غراره، للأسف في مجال السياسة في بلدنا المغرب بالخصوص وفي البلدان التي تعيش شعوبها نفس الظروف الاجتماعية، لكون الفاعل السياسي في أغلب التنظيمات السياسية، انطلاقا من قناعات شخصية وطموح ذاتي، يرى أن الصواب الوحيد هو ما يعتقده هو صحيحا والسبيل الوحيد لبلوغ الهدف المراد هو ما يفهمه شخصيا.
فرأي كبير الحزب مقدس وملاحظاته قانون ورغباته أوامر، إلى درجة أن التراتبية في المسؤولية الحزبية تقابلها تراتبية في الرأي وفي السلطة والقيادة ولا شيء يحدد هذه الأخيرة غير القرب أو البعد من كاتب أول أو أمين عام أو رئيس الحزب. فالديموقراطية لا تعدو أن تكون إلا شعارا.
هذه المعطيات تدل على مشقة مهمة ممارسة السياسة من داخل الأحزاب السياسية في ظل الأجواء القائمة وصعوبة التحرك فيها لمن نشأ في أحضان الحركة الأمازيغية وتشبع بفكرها. فثقافة الحركة الأمازيغية ديموقراطية بمعنى الآلية والقيمة في نفس الوقت، ومرجعتيها دينامية ورؤيتها علمية.
نتساءل حول حجم التنازلات التي سيقدمها الملتحقون الأمازيغ بالأحزاب، وسعة صدرهم ومقدار صبرهم في تفاعلهم مع رفاقهم الجدد في التنظيم.
ننتظر حماسهم في الترافع حول قضايا المجتمع وتأكيدهم على أهمية ومكانة الأمازيغية والديموقراطية في تنمية المغرب.
نترقب مذكرات وبلاغات باسم هذا الحزب، وتصريح وبيان باسم ذلك.
أقول العمل الحزبي وليس السياسي لأن مواقف الحركة الأمازيغية سياسية في أغلبها منذ مدة، مجحف في حقها من يقول إن مطالبها لا تشمل إلا اللغة والثقافة والتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية. كما أنه بالرغم من استقلالية الحركة في مجملها عن كل تنظيم سياسي، فبعض مكوناتها، كما يعلم الجميع لها ألوان حزبية. وللتأكد من هذا القول يكفي النظر في بياناتها ومواقفها، فالمطالبة بدولة القانون المبنية على التداول على الحكم وفصل السلطات واستقلال القضاء وسمو القانون والتدبير الديموقراطي لشؤون المجتمع وإعادة كتابة التاريخ وحرية المعتقد، كلها مطالب سياسية بامتياز، تنادي بها الحركة الأمازيغية ومازالت تنادي وتجهر بندائها.
لا أحد ينكر التحول الذي يحدث عند الأفراد والجماعات بالممارسة واكتساب التجربة، ولا أحد يستطيع أن يجادل في بعد النظر وكيفية تقدير الأمور عند المتمرسين. لكنه مع ذلك لا تعني إمكانية تحول المواقف بتغير المواقع تغيير المبادئ، فهذه تبقى ثابتة لا تتبدل.
فالأمازيغية أولوية أغلبية مناضلي الحركة الأمازيغية ويلزم أن تبقى كذلك، وأن العمل الحزبي صيغة جديدة للدفاع عنها والنضال من أجل دعمها وتنميتها. ولا ينبغي أن تكون كيس الكاهن الذي يبرق ويستهوي في مظهره، ويحتوي على أدوات تتحول بقدرة العراف حسب إرادته ورغبته. على شاكلة “تمغربيت” أمازيغية الشكل ونقيضتها في المعنى. (أنظر تمغرابيت وما وراء المصطلح).
لكن هل يجب أن نقف مكتوفي الأيدي وطويلي اللسان نعاتب هذا وننتقذ ذاك؟ بالطبع لا يجوز ذلك، رغم أن الأمازيغ يقولون ⵢⵓⴼ” ⵓⵙⵉⴽⵉ ⴳⴰⵔ ⵜⴰⴽⵔⵣⴰ (ⵜⴰⵃⵕⵕⴰⵜ)” معناه يستحسن التريث في الأمور.
السؤال اللينيني ذائع الصيت يطرح نفسه بإلحاح ما العمل إذن؟
لقد وقعت تراجعات خطيرة في مكتسبات الأمازيغية في العشرية الأخيرة، سببها في اعتقادي عاملان اثنان. أولهما ذاتي للحركة الأمازيغية. ذلك أنها عرفت سكونا ونوعا من الركود بعد سنة 2011 أعطى عنها انطباعا وكأنها ضعفت. وهو مجرد انطباع ليس إلا. لأن لهذا الارتخاء تفسير منطقي، وهو أن سقف المطالب لديها قبل هذا التاريخ كان يتجلى في دسترة الأمازيغية وبتحقيقها لما وضعته في أعلى مطالبها، أنجزت الحركة أقصى ما يمكن لها انجازه. الشيء الذي يتطلب منها إعادة ترتيب أولوياتها ويستدعي وقتا كذلك. وقد بدأت بالفعل تظهر محاولات لتنظيم العمل في الحقل السياسي.
العامل الثاني هو أنه في نفس المرحلة، وصلت إلى الحكم أحزاب تُكنّ العداوة للأمازيغية ووجدت في هذه المرحلة فرصة سانحة لتقوم بمجموعة من التراجعات والتخلي عن مجموعة من التزامات سابقتها. فتقهقر تعليم الأمازيغية وتأخر تفعيل الطابع الرسمي المتعلق بها… وعملت الحكومة على تثبيط الأمازيغية على مدى الولايتين الأخيرتين.
للنهوض بالأمازيغية في الوقت الراهن، أظن أن الاشتغال على هذين العنصرين كفيل بمساعدة الحركة الأمازيغية لاستعادة حيويتها وحماسها، أما القوة التي أبانت عنها فهي كامنة في ذاتها وثابتة في عدالة قضيتها.
فما هي السبل التي يمكن أن تسلكها في مواصلة عملها؟
وماهي امكانياتها لتنفيذ اختياراتها؟
هل تستطيع لوحدها ايجاد الأجوبة المناسبة للأسئلة المطروحة، أم أن الأمر يستوجب تحالفات؟
في هذه الحالة، ماهي الجهات التي يمكن التحالف معها؟
تقول الفئة المنخرطة في التكتل المسمى بتمغربيت أنه سيجتمع حوله كل المغارية وبالتالي سيساعد على تجاوز صراعات مكونات الجنسية المغربية، بالرغم من أن الصراعات الموجودة تتعلق أساسا بالمواقف والمبادئ وليس بغيرها.
ولكن ألا يجدر بنا الالتفاف حول مشروع أكثر طموحا وقابل للإنجاز عوض التكتل حول شعار غير متفق عليه؟ مشروع بتصور يتجاوز الهوية الضيقة التي يصعب تأصيلها في التاريخ. فالحركة الأمازيغية ليست الحركة الهوياتية الوحيدة في العالم، فالتجارب كثيرة ومتعددة، كما أن الأمازيغية لا تخص المغرب وحده، فكل حركات بلدان تمازغا معنية بمصير الهوية الأمازيغية.
لكن الظروف الداخلية الخاصة بكل دولة تجعل الأمازيغ يكيفون نضالاتهم ويلائمونها مع واقعهم دون تجاهل لما يقع في البلدان الأخرى. لذلك، لا ينبغي في رأيي تصور ورش الأمازيغية كشأن فئوي محلي فقط، بل هو رهان مشترك بين مختلف الفاعلين في نفس البلد وبين كل البلدان التي تشملها الأمازيغية. فالمشاريع المستقبلية جهوية بالأساس. فالعولمة والعَوْرَبة اللتان تهددان الأمازيغية لا يمكن التصدي لهما إلا جهويا بتكتلات وتحالفات أكثر قوة. ولمثل هذا السبب لا ينبغي التقوقع كثيرا فيما هو محلي.
في الوقت الراهن، لا تقوى الحركة الأمازيغية في المغرب على الانخراط في مشروع سياسي ذاتي يستجيب لرؤيتها ولتطلعاتها وحتى لو صاغته لا تقوى على تنفيذه لكون الشروط الموضوعية غير متوفرة، وبالتالي يصبح من الضروري، لمن شاءت من مكوناتها الدخول في العمل السياسي الحزبي، التعاقد والتوافق مع غيرها من التنظيمات الموجودة في الساحة. على شرط أن يكون أساس كل تحالف هو معيار استفادة الأمازيغية. بحيث، لأن التفاوض يفرض ذلك، تكون التنازلات بقدر ما تحصل عليه الأمازيغية، إذا كان الهاجس فعلا هو الدفاع عن الأمازيغية.
نعم إن حرية الفرد مضمونة في جميع الأحوال، لا أحد له وصاية على غيره، لكن هناك تعاقد أخلاقي بين مكونات الحركة الأمازيغية. لذلك يجب ان يكون هناك تواصل مع الحركة الأم في إطار من الوضوح في البيان والصراحة في البلاغ.
وكما لا يجوز تقييد الأمازيغة كمشروع كبير بقطر دون غيره، لا يصح كذلك ربطه، في تقديري، بموعد محدد داخلي لبلد من بلدان شمال افريقيا. لأنه تكبيل لها وتحويلها إلى ذريعة عوض الغاية، فاعتبارها سلاح فعال يمكن بواسطته هزم الغريم الساسي كما يقول البعض يضعها في خانة الوسيلة، وزوال الهدف يفسد أهمية الوسيلة. كما أن تحويل الهوية إلى أداة يشكل منعطفا خطيرا في المجتمع وبالخصوص عند الذين ينتسبون إليها. فمطية الهوية إخضاع لهم، لأننا نحن من نوجد في الهوية، نعيش ونتعايش بالثقافة وباللغة، فكل ما يرمز إلى الهوية يذكرنا بها ويؤثر فينا بشكل مباشر أو غير مباشر، والاخضاع استعباد واستدلال.