أكد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى خلال الزيارة الميدانية التي قام بها أواخر يناير الماضي، إلى مؤسسة “مدارس.كم” (Medersat.com)، النموذجية في تعليم اللغة الأمازيغية بالمغرب، أن هذه “الشبكة تتميز عن غيرها من المؤسسات بالأهمية التي توليها لتعليم اللغات، خاصة الأمازيغية”، موضحا في تصريح للصحافة أن هذه المدرسة، التابعة لشبكة مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة، رغم وجودها في منطقة غير ناطقة بالأمازيغية، إلا أنها تقدم عملا نموذجيا في تلقين هذه اللغة، ابتداء من مرحلة ما قبل التمدرس إلى السادس ابتدائي”.
وأضاف بنموسى أن “الأمازيغية تدرس منطوقة ومكتوبة بتواز مع إتقان اللغتين العربية والفرنسية، معتبرا هذه التجربة بالغة الأهمية بالنسبة لمنظومة التعليم بأكملها في المغرب”.
وسبق لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في ندوة بالناظور، أن قال إن وزارته تستند في تدريس اللغة الأمازيغية “إلى الثوابت التي يقوم عليها النظام التربوي المغربي خاصة المرجعية الدستورية وتحديدا الفصل الخامس، ثم مقتضيات القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، الذي يؤكد في المادة 31 منه على “جعل المتعلم الحاصل على الباكالوريا متقنا للغتين العربية والأمازيغية ” إضافة إلى ما جاء به القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية”.
تصريحات الوزير الوصي على أحد أهم وأبرز القطاعات الحيوية تبدو مشجعة ومتفائلة مقارنة بتصريحات ووعود وخطابات رددها وزراء تعاقبوا على هذا القطاع سرعان ما تلاشت منذ إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين سنة 2003، بحيث لوحظ أن الامازيغية عانت من ميز ممنهج، مسترسل ومستمر.
ويلاحظ كذلك أن الوزير بنموسى تجاوز ما تضمنه بلاغ وزارته وتصريحاته أيضا عقب الندوة الصحفية ليوم 6 شتنبر 2022 والذي تحدث فيها، عن “إرساء ثلاثة أنشطة اعتيادية بجميع مؤسسات التعليم الأولي: القراءة باللغتين العربية والفرنسية، وأنشطة الرياضيات والأنشطة الحركية”، في تجاهل تام للأمازيغية باعتبارها لغة دستورية، رسمية وقانونية للدولة، وصولا إلى إعلان عن توظيف 400 أستاذ/ة، وهي لحظة جسدت منعطفا وتراجعا عن المخطط العشري لإدماج الأمازيغية المعد من طرف الوزارة والذي يشير إلى توظيف 1000 أستاذ خلال الموسم 2023/2022.
هذا التراجع يعتبر مؤشرا خطيرا ودليلا واضحا عن التناقض بين القول والفعل، الذي يسقط فيه مسؤولين مغاربة، وهو ما يفضح زيف خطاباتهم والتنصل من التزاماتهم ويكرس سياسة التمييز الممنهجة ضد لغة الدولة والمؤسسات ويضرب المقتضيات الدستورية بعرض الحائط، ويتجاوز مضمون القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها بالمغرب.
وتؤكد تناقضات الوزير وعشوائية تصريحاته أننا أمام سياسة ممنهجة ضد الأمازيغية، وتحول الدستور والقانون والالتزامات الدولية والتوصيات الأممية إلى مجرد ” حبر على ورق وشعارات لا طائل من تنفيذها”، وتكرس الأفق الغامض الذي يمكن لملف تدريس الأمازيغية أن يواجهه، وهذا التناقض يفسر التماطل ويؤدي إلى هدر الزمن وتجاهل القانون والدستور الذي يعتبر أسمى قانون في البلدان التي تحترم نفسها والتزاماتها وتعاقداتها مع المواطنين والمواطنات.
السياسة التمييزية التي أظهرها الوزير مع الدخول المدرسي الحالي، سواء في التعليم الأولي الذي لم يذكر فيه الأمازيغية على الإطلاق، أو التعليم الابتدائي دون الحديث عن الإعدادي والثانوي، تجاهلت كذلك توصيات منظمة “اليونسكو” التي أوصت الدول الأعضاء باعتماد التربية باللغة الأم، وضرورة إدخال اللغة الأم في النظام التربوي منذ السنوات الأولى للتمدرس، وهي التوصيات التي أكدت أن “اللغة الأم تضمن الاستمرارية والتواصل بين المحيطين الأسري والمدرسي، كما تشمل استراتيجيات التعلم وتلعب وظيفة الوسيط بين المرجع الثقافي الأسري والمرجع الثقافي المروج من قبل المؤسسة المدرسية”، كما تتجاهل المادتين 7 و 8 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
إن غياب الإرادة السياسية سيساهم بلا شك في عرقلة ورش تدريس الأمازيغية، وفضح هشاشة الإستراتيجية التربوية وتكريس الميز الممنهج ضد الأمازيغية في التعليم والإعلام والإدارات ومؤسسات الدولة والقطاعات الحكومية. والوزير بنموسى وكأنه لا يؤمن باستمرار المؤسسات، وغرد خارج السرب لما أعطى بدهره لما جاء في بلاغ وزارة التربية الوطنية بتاريخ 30 دجنبر 2020، والذي تحدث على أن الوزارة بصدد إعداد خارطة طريق لتدريس اللغة الامازيغية إعمالا لمقتضيات القانون الإطار 51.17 والقانون التنظيمي 26.16 والقانون التنظيمي 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
وإذا كانت المادة 32 من القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، والذي نشر في الجريدة الرسمية عدد 6816 بتاريخ 26 سبتمبر 2019، تنص على إلزام القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمنشآت العمومية والمؤسسات والهيئات الدستورية بوضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية، بكيفية تدريجية، فإن وزارة التربية الوطنية، كباقي القطاعات المعنية، لم تقدم إلى اليوم خارطة طريق حول استراتيجيتها لتعميم تدريس اللغة الامازيغية بالأسلاك التعليمية الثلاثة.
وبالعودة إلى العدد المعلن عنه من طرف وزير التربية الوطنية والمتعلق بتعيين 400 أستاذ متخصص لتدريس اللغة الامازيغية سنويا، فهو لم يحترم المادة 4 من الفقرة 2 من القانون التنظيمي 26.16 والتي تنص على تعميم تدريس الأمازيغية، بكيفية تدريجية في كافة مؤسسات التعليم الأولي، والتعليم الابتدائي، التعليم الإعدادي والثانوي في أفق 2026 ولا يحترم الأجل المحدد في القانون التنظيمي نفسه، لأنه بعملية حسابية بسيطة نحتاج لأزيد من 42 سنة لتعميم تدريس الأمازيغية في التعليم الابتدائي دون الحديث عن باقي الأسلاك التعليمية.
بنموسى يزيد الطين بلة، فعوض رد الاعتبار للأمازيغية، فإنه يضاعف من معاناة أساتذة الأمازيغية مع العنصرية والاحتقار الذي يتعرضون له من طرف بعض النيابات والمدراء والمفتشين وبعض الأساتذة الزملاء، وهذا الأمر نتيجة طبيعية لهذا التمييز الذي تكرسه الوزارة الوصية على القطاع، وتملصها من التزاماتها وتنصلها من تفعيل القوانين واحترام الدستور، هو حتما سيعطينا النتائج التي نتابعها اليوم.
عار أن نسمع اليوم بعدم توفر حجرة لأستاذ اللغة الأمازيغية وتخلي الوزارة عن هؤلاء الأطر والدفع بهم إلى الترحال بين الحجرات، نصف ساعة في هذا القسم و10 دقائق في قسم آخر، وإلزام بعض أساتذة الأمازيغية بتدريس 30 ساعة أسبوعيا مع تكليف بعضا منهم بتدريس مواد أخرى غير مادة تخصصهم، ورفض صفة أستاذ متخصص في اللغة الأمازيغية من طرف بعض النيابات وبعض المدراء، وغياب مذكرة و وزارية واضحة تنظم الغلاف المخصص للغة الأمازيغية، وعدد من المعاناة والمشاكل السوريالية التي يعيشها ورش تدريس الأمازيغية بعد 20 سنة من إدماجها في المنظومة التعليمية.