بقلم: الصافي مومن علي
ان للقرار الملكي باعفاء السيد عبد الإله بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة ، وجهان مختلفان احدهما ظاهر ، و الأخر خفي .
الوجه الظاهر – الذي يبدو لغالبية الناس – يتجلى في فشل بنكيران في تجاوز البلوكاج الحكومي الذي عمر زيد من خمسة أشهر ، أما الوجه الخفي ، الخافي عن أعين الناس فهو ان القرار الملكي يشكل بحق سيف العدالة الحاد ، الذي نزل اخيرا على رئيس الحكومة السابق عقابا له على ارتكابه جرائم دستورية شنيعة ، تحدى بها إرادة الشعب ، و تعدى بها أيضا على سيادته و على حقوقه الأزلية ، وذلك لما رفض رفضا باتا الاذعان لإحكام الفصل 86 من الدستور، المتضمن للإرادة الكلية للشعب ، المتمثلة في ضرورة إخراج الحكومة لكل القوانين التنظيمية الواردة في الدستور قبل انتهاء ولايتها التشريعية ، مما عطل تعطيلا كليا مضمون الفصل الخامس من الدستور ، الذي أفصح فيه المغاربة عن إرادتهم في جعل الأمازيغية لغة رسمية الى جانب العربية ، لارتباطها العضوي بهويتهم ، و بوطنيتهم ، وبكرامتهم ، و بمصير وجودهم ككل ، بل و حتى بالخيار الديموقراطي الذي تستند اليه دولتنا الحديثة في حياتها العامة ، والذي يقوم على المفهوم الجديد للديموقراطية القائل: “إن الديموقراطية ليست مجرد تجسيد للمساواة في ظل الحق و القانون ، وإنما لابد لها من عمق ثقافي” ، الوارد في خطاب العرش لسنة 2001.
والحق انني بقدر ما كنت مقتنعا بحتمية قاعدة القانون الكلي الأزلي التي تقضي بان لكل جريمة عقاب ، فان هذه القناعة كادت ان تتزعزع قبل صدور هذا القرار الملكي، لانني شعرت ان السيد عبد الاله بنكيران بدا وكانه افلت من العقاب ، على الرغم من ثبوت افعاله ثبوتا قطعيا. ومما زاد من حدة هذا الشعور نجاح السيد بنكيران في الافلات من العقاب من ضحيته، اي من الشعب المجنى عليه ، وذلك في امتحان انتخابات اكتوبر 2016 التي ظهر فيها هذا الشعب ، وكأن دستوره لم ينتهك ، و كأن ارادته وحقوقه لم يقع المساس بها ، لانه في الوقت الذي كان منتظرا منه، ان يقوم في هذه الانتخابات بعقاب بنكيران على تحكمه ، و بالتالي يعمل على
اخراجه منها مهزوما مدحورا ، فانه على النقيض من ذلك عمل على اخراجه منها متوجا ومنتصرا ، باستناده على ظن بائخ و سادج مفاده ان العقاب يكمن في العزوف عن التصويت وعن المشاركة في الانتخابات ، غير ان هذا الاعتقاد الخاطئ ادى به كما هو معلوم الى نتيجة عكسية ، قادت جموعه الغفيرة ، اي 82% من النسيج الانتخابي الى خارج الميدان ، حيث وقفت تتفرج – في حسرة – على بنكيران وحزبه ، و هم يسجلون الاهداف الانتخابية في شبه راحة كاملة ، خالية تقريبا من مضايقة اي دفاع.
اذن ، بعدما اخطأ الشعب بسوء حساباته الهدف المقصود ، وبعدما بدا والحالة هذه ان السيد بنكيران سيظل بدون عقاب ، هنا في اعتقادي تدخلت العدالة الكونية في شخص جلالة الملك محمد السادس ، لتعيد الامور مجراها الطبيعي ، وذلك باعتباره القاضي الأول الناطق بلسان القانون الكلي الازلي العادل .
ذلك اننا اذا قمنا باعادة قراءة الامور على ضوء المنطق الخفي لهذه العدالة الكونية فستبدوا لنا في شكل اخر ، نفهم من خلاله ان تعثر بنكيران في تشكيل الحكومة الجديدة يعتبرعملا مقصودا من هذه العدالة ، هدفها منه تهييئها الظروف و الشروط الموضوعية لإنضاج القرار الملكي النهائي القاضي بإنزال العقاب ، ليكون هذا القرار مقبولا مستساغا من طرف الجميع ، ومن تمة كان هذا التعثر بمثابة وضع العصا في عجلة تشكيل الحكومة ، لمنع اي نجاح في هذه المهمة ، كما نفهم ايضا من هذا المنطق الخفي ، ان العدالة كانت خلال مدة خمسة شهور التي عاني فيها السيد بنكيران في تنفيذ مهمته ، تقطر الشمع الحار عليه ، كعقاب جزئي له ، في انتظار صدور العقاب النهائي .
اذن ، هكذا يكون السيد بنكيران قد نال جزاؤه المستحق على سوء أفعاله ، خصوصا وانه تجرأ على المساس بالحقوق الطبيعية الامازيغية، التي تعتبر هي اللغة الام لجميع المغاربة ، كما يستفاد ذلك من الخطاب السامي باجدير القائل ” الامازيغية ملك لجميع المغاربة بدون استثناء”
وانه في هذا السياق يمكن القول ايضا ان العقاب الذي نزل عليه ، يشكل لعنة إصابته لعقوقه بر هذه الام الرؤوم.
وخلاصة القول ، فانه بالنظر الى مدى خطورة الاخطاء الصادرة من هذه الشخصية لمساسها بالقضايا الوطنية الاستراتيجية و الحساسة ، ومدى ما الت اليه الاوضاع في عهده من انسداد في كافة المستويات ، فان جلالة الملك محمد السادس بقراره الاخير ، الذي رفع به الورقة الحمراء ، في وجه هذا المخطئ ، يكون قد اثبت انه بحق انه الممثل الاسمي للامة اليقظ ، الساهر على احترام الدستور و على صيانة مصالح الامة الواردة في الفصل 42 من الدستور ، الذي احسن جلالته استعمال مقتضياته لايقاف المعني بالأمر عن حده ، بعدما فشل الشعب بسوء تدبيره في ايقافه في الانتخابات العامة لسنة 2016 .
هذه أفكار جيدة يجب نشرها . المغاربة يثقون في المتتسلمين ثقة عمياء.