تيزي وزو- في صبيحة يوم الجمعة 10 مارس المشمسة تجمع حشد كبير من الأطفال والفتيات و النساء بالزي التقليدي في ساحة تاريحنت وهي أحد أكبر قرى بلدية بوجيمة بولاية تيزي وزو.
وبإمكاننا من البعيد سماع الأغنية التي كان يرددها الأطفال والتي تصبح مفهومة كلما اقتربنا منها “تفسوت تفسوت أن نجوجوغ ام تفسوت آنتنارني ام تاقوت” (الربيع الربيع نحن نزهر مثل الربيع و نكبر كالسحابة).
” أمقار نتفسوت” حيث استقبال الربيع هو سبب تجمع هؤلاء الأشخاص الذين يحضرون أنفسهم متجهين نحو الحقول في الصباح المبكر في طريقهم نحو… المغامرة. الساعة تشير إلى حوالي 9 و 30 د حيث أعطى المنظمون الذي هم من بين المنخرطين في الجمعية البيئية “قارورة” إشارة انطلاق القافلة.
وفي وسط الشوارع المزينة بالأخضر و الأصفر الذي تستمده لونه من الزهور وببياض أزهار البابونج وغيرها من النباتات التي تبعث الراحة في الأفئدة نزل الراجلون نحو الساحل و هو موقع طبيعي يقع في أسفل القرى و الذي ما زال يحتفظ بروعته الطبيعية و جماله الأخاذ.
وكان المسار مناسبة لاسترجاع القوى و استنشاق الهواء المنعش والاستمتاع بجمال مناظر بساتين الزيتون التي تصنع لوحة طبيعية خلابة.
فيما يواصل الأطفال من جهتهم الغناء وقطف الأزهار و الجري وراء الفراشات التي تطير حولهم. أما الفتيات الشابات اللائي زين أنفسهن خصيصا للمناسبة فتتوقفن من حين لأخر لالتقاط الصور تخليدا للذكرى و للحظات الجميلة التي يتقاسمنها.
وعلى صوت تغريد الطيور التي تختلط بهذه الطبيعة الغناء يرافق مراهقون بآلة القيتار و بالبندير الأطفال الذين يواصلون الغناء بأصواتهم العذبة و البريئة احتفالا بقدوم الربيع.
وعقب حوالي 40 دقيقة من السير على الأقدام بدأ الموقع يظهر من بعيد حيث تبرز مساحات خضراء شاسعة تختلط باللون الأبيض لأزهار البابونج والتي تنبعث رائحتها الزكية على مئات الأمتار.
النساء المسنات لا يستطعن المشي لمسافة طويلة و لهذا نقلن بالحافلة. ولدى وصول باقي المحتفلين كانت النسوة قد جلسن وبدأن في تيبوغارين (أغاني تقليدية للنساء القبائليات).
- عندما تتماشى التقاليد مع البيئة…
بدأ الاحتفال وسيتم استقبال تفسوت على هذا الموقع بكل ما يمثله من فرحة وبهجة وغناء ورقص و موسيقى و لعب الأطفال و قطف الأزهار للتفاؤل بموسم مليء بالخيرات.
ويعد أمقار نتفسوت تراث لا مادي يتوجب المحافظة عليه و تكريسه من خلال نقله للأجيال الشابة.
كما يعتبر هذا الموعد الذي أعيد إحياؤه من طرف شباب جمعية “قارورة” مناسبة لتوطيد العلاقة بين الطبيعة و هؤلاء الأطفال الذين نادرا ما يذهبون لاستكشاف الثروات الطبيعية لبلادهم.
ولهذا تم تقسيمهم على شكل أفواج و مرافقتهم للغابة لغرس الأشجار واكتشاف النباتات التي لم يتسن لهم التعرف عليها من قبل.
وفي طريق العودة كان كل الأطفال مزينين بتيجان من أغصان أشجار الزيتون والأزهار.
“غصن الزيتون يرمز للصحة و العمر الطويل بينما ترمز الأزهار لمستقبل مشرق وللنجاح. “احتفل بالربيع لجماله و لكل الأشياء الجميلة التي يأتي بها”، حسب ريان الذي يبلغ من العمر خمس سنوات.
من جهتها قالت اليسيا التي تبلغ من العمر 10 سنوات والتي كانت الفرحة بادية على وجهها وهي تحمل باقة من الأزهار بيدها و ترتدي فستانا قبائليا بألوان زاهية و تاج من الأزهار على رأسها ” قطفت هذه الباقة لآخذها معي إلى المنزل و قمت بصنع هذا التاج من أغصان الزيتون حتى يكون النجاح حليفي في الحياة”.
وفي هذه الأثناء تجمعت الفتيات مع أقرانهن لتنظيم “أورار” أو “قعدة” بالبندير و الغناء و الزغاريد مما جعل الاحتفال أكثر دفئا وبهجة.
- نساء مسنات تتذكرن رمزية الاحتفال…
نا ويزة مسنة في السبعينات من العمر جلست منعزلة بحثا عن القليل من الظل و للاستلقاء لأن حلقها التهب بسبب الأغاني التقليدية التي كانت ترددها منذ الصبيحة. “في القديم لاستقبال الربيع كانت النساء تطلي المنازل المبنية بالأحجار و الطين بطبقة جديدة من الطين و كانت تغطي “الكانون ” بخليط التربة و الرمل. كما كانت المنازل تنظف و تزين تحسبا لقدوم هذا الفصل الذي كان يولى له اهتماما كبيرا” حسبما ذكرت محدثتنا.
في النهار كانت النسوة تخرجن للحقول لقطف الأزهار و تزيين المنازل احتفالا بقدوم الربيع و التفاؤل بالسلام و الاستقرار و السعادة أضافت نا ويزة ،مشيرة إلى أن الطبق الرئيسي لهذا اليوم كان “تاحريرت” الذي يحضر بدقيق القمح و زيت الزيتون رمزا للصحة و الحياة الطويلة.
قدوم الربيع لم يكن فقط لتمني ازدهار العائلة و أفرادها بل كان أيضا لقطيع الحيوانات التي كانت تعد المورد الأساسي للقرويين . “حتى تبتعد الأمراض عن الحيوانات حيث كانت أغضان الأزهار تعلق في الإصطبل ” ، حسب ذات المتحدثة.
وأضافت “أنا سعيدة جدا لرؤية الأطفال و الشباب يحتفلون اليوم بأمقار تفسوت وهي العادة التي اختفت لسنوات طويلة. وبهذا يمكننا المحافظة على قيمنا و عاداتنا و ثقافتنا من الاندثار لأن الأمازيغية ليست فقط لغة نتكلمها ولكنها أيضا ممارسات ترافقها”.
ناعلجية مسنة أخرى أصرت على حضور هذا الاحتفال رغم إعاقتها و هي تتذكر طفولتها عندما كان يوقظها والديها في الصباح الباكر في أول يوم من تفسوت لقطف الأزهار.
كما تذكرت أيضا الأشخاص المسنون عندما كانوا يمسحون أوجه الأطفال بندى الصباح مرددين عبارات طلبا للسعادة و الصحة و النجاح. إلى جانب تحضير أطباق متعددة كالمسمن و السفنج و مختلف أنواع الخبز التقليدي و الكسكسي وغيرها. وهي الأطباق التي تم تقديمها خلال الاحتفال بقدوم الربيع الذي انتهى على حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر.
وفي إطار المحافظة على التراث المحلي اللامادي أشادت مديرة الثقافة نبيلة قومزيان بمبادرة الاحتفال بأمقار نتفسوت الذي نظمته جمعية “قارورة” لتاريحنت، مؤكدة أنه سيتم قريبا تعميم الاحتفال بالربيع حيث تعمل مصالحها حاليا على التحضير للحدث.
نقلا عن “واج”