“تيمغارين” في قلـب “الزلزال”

 نهضن من تحت الرُّكام كطائر الفنيق الذي ينبعث من رماده، أزلن عليهن غُبار ليلة الثامن من شتنبر من العام الماضي، بعد أن وجدنا أنفسهن تحت الركام والخراب والدمار وسط قرى وبلدات ومداشر تغيرت ملامحها وشكلها في ظرف خمس ثوان. نهضن ووقفن بعزيمة وإصرار، استلهمن تحدّي تيهيا وحنكة النفزاوية وعزيمة تين هينان، دون ربمّا أن يعرف أغلبهن من تكن هؤلاء الملهمات في التاريخ الأمازيغي، لكن المؤكد هو أنهن يعرفن جيّدا ما تعنيه كلمة “تمغارت” في المجتمع الأمازيغي.

استمدين دروسا في التحدي والصمود والمقاومة من التاريخ ومن حياتهن اليومية المليئة بالكفاح والنضال في قرى وجبال الأطلس، فوقفن بجانب الرّجال طيلة الفترة العصيبة التي مروا منها ولا تزال مستمرة إلى حدود كتابة هذه الأسطر، بل تقدمن في مناسبات كثيرة صفوف المطالبين بتسوية وضعيتهم وملفاتهم بعد ستة أشهر من الزلزال، كنّ في مقدمة الاحتجاجات والمسيرات، كما كنّ في مقدمة مستقبلي المساعدات الإنسانية التي قدمها الشعب المغربي للمتضررين طوال الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال.

“تيويزي ن تمغارين”:

تضامن وتعاون “اللا فاظمة” و”اللامنّة” و”اللاعائشة” و”اللافاطم” واللاخديجة” وغيرهن من سيدات ونساء “دوار تنصغار ت” التابع للجماعة الترابية أسني بإقليم الحوز، منقطع النظير. ففي كل مرّة تمر من أمامهن إلا وتجدهن يجلسن معا داخل “خيمة” بيضاء أنشئت لغرض إعداد الكسكس للضيوف الذين يتوافدون من كل حدب وصوب على قريتهن التي أضحت طيلة أيام الزلزال حديث الإعلام الوطني والدولي، ولا تزال.

ورغم مرور أزيد من ستة أشهر على الزلزال، إلا أنهن حافظن على هذه العادة، إذ يلتقين في أغلب أيام الجمعة، يشتغلت كخلية نحل، يعُدن “الكسكس” لأهل “الدوار” وللضيوف الذين يتوافدون على المسجد الكبير الذي بقي صامدا في وجه “الزلزال”. وكلما تجدد لقاءهن إلا ويناقشن الأوضاع والمعاناة التي لا تزال أغلبهن تعيشنها داخل الخيّام البلاستيكية المتناثرة والمنتشرة في قريتهن.

يُرددن في أول نقاش معهن “لقد طال أمد هذه المعاناة ولا ندري إلى متى ستستمر؟ لكن الحمد لله على كل حال”، أمّا الحالة النفسية لأغلبهن كما لأغلب ضحايا الزلزال في مختلف الأقاليم والمناطق المتضررة، فتلك قصة حزينة ومؤلمة أخرى لا تترجمها إلا نظراتهن وملامحهن التي تغيّرت بشكل لا تخفيه عين من يعرفهن قبل 08 شتنبر.

بين 08 شتنبر و08 مارس:

بينما كان العالم يحتفي بالمرأة ويُكرمها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف 08 مارس من كل عام، ويهديها الورد والتهاني والتبريكات في الفنادق والصالونات ومكاتب العمل.. كانت “اللاخديجة” على عادتها قد استيقظت في “مخيم بلاستيكي” وبدأت للتو رُوتينها اليومي الذي تعايشت معه منذ ستة أشهر، خارج “الكّيطون” بارد قارس لم تستطع أن تعد فطورها فوق “الفران الترابي” الذي جهزته خارجا.

تقول السيدة التي تكافح الظروف القاهرة التي ألمت بها وبهن وغيرت حياتهن رأسا على عقب “النساء هنا يتذكرن 08 شتنبر، ويحفظن جيدا هذا التاريخ، أمّا 08 مارس فلم يسمعن عنه إلا في أخبار الإذاعة والتلفزيون”.

وأضافت بأمازيغيتها “نرجو من الله أن يعيننا على هذه الظروف القاهرة، لقد تعبنا حقا من العيش في هذه الظروف التي لم نعتاد عليها ولم نتوقع يوما أننا سنجد أنفسنا فيها”، تنهدت قليلا وأضافت “نحن بين أيادي الله والحمد لله على كل حال”.

يقدن الاحتجاجات:

يوم الخميس 18 يناير 2024، كان عدد من السيدات المتضررات بمناطق إيجوكاك في مقدمة مسيرة احتجاجية مشياً على الأقدام، قطعن العشرات من الكيلومترات للتنديد بما وصفناه “الاقصاء من الاستفادة من المساعدات المالية الاستعجالية المخصصة للأسر المتضررة من الزلزال ومن دعم البناء وإعادة الإعمار لمنازلهم المُدمرة”.

وشاركن إلى جانب العشرات من المتضررين من المنطقة التابعة لإقليم الحوز، في مسيرة مشيا على الأقدام صوب عمالة إقليم الحوز، رافعين شعارات ضد المسؤولين المحليين والإقليميين.

وطالبن عامل إقليم الحوز بالتدخل لإيجاد حل لِمعاناتهم، والسهر على التنزيل السليم والسريع للتعليمات الملكية، وهو ما لم يجد أذان صاغية، ليستمرن إلى جانب المتظاهرين في مسيرتهن تجاه ولاية مراكش، ليستقبلهم/ن مدير الشؤون الداخلية بولاية جهة مراكش آسفي، وفتح معهن/م حواراً مع ممثلي الساكنة المتضررة وَوعدهم بتسوية ملفاتهم في أقرب الآجال.

وبعد مرور شهرين على “وعود الولاية”، تقول زهرة من إيجوكاك ” لم نرى شيئا إلى حدود اليوم، هي مجرد وعود كاذبة يمتصون بها غضب الساكنة المتضررة، أما الواقع، فلا يزال على حاله، بل زاد سوءا مع استمرار المعاناة وتفاقمها”.

صرختهن وصلت الرباط:

من مختلف الأقاليم المتضررة وبعد يومين من تخليد اليوم العالمي للمرأة، كانت الساحة المقابلة للبرلمان صباح الأحد 10 مارس على موعد مع وقفة احتجاجية تنديدية بما وصفوه “الإقصاء الذي تعرض له الضحايا، والتلاعبات التي عرفها ملف التعويضات، وتَقاعس السلطات المحلية والإقليمية في إيجاد حلول للضحايا، بالإضافة إلى تَفاقم مُعاناتهم في ظل الظروف المناخية الصعبة التي تشهدها المناطق المتضررة”.

ورفع المحتجون القادمون من مختلف الأقاليم والمناطق المتضررة، شعارات تطالب بتسوية وضعية ملفاتهم من أجل الاستفادة من الدعم المخصص للمتضررين من الزلزال، وتنفيذ ما جاء في التعليمات الملكية، وتسوية وضعية “غير مقيم بصفة دائمة”.

النساء المتضررات لم يخلفن الموعد بدورهن، إذ نقلن صرخاتهن إلى الساحة المقابلة للبرلمان، وردّدن بجانب المحتجين شعارات منددة بالإقصاء الذي تعرضن له، وطالبن بتسوية ملفاتهن.

وقالت إحدى المتظاهرات “جئنا إلى الرباط من أجل إيصال معاناتنا إلى المسؤولين، لأننا لم نتلقى أي تعويضات من التي أمر بها الملك”، وأضافت “أنا أيضا متضررة ولم استفد، لذلك اتيت للمطالبة بحقي”.

شاهد أيضاً

أساتذة وباحثون يُبرزون دور “المغرب في تحرير الجزائر ” ببني أنصار

احتضن “فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير” ببني انصار، إقليم الناظور، مساء السبت 27 أبريل 2024، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *