جمال المعطى التراثي في لوحات جميلة: قراءة للوحات التشكيلية المغربية فاطمة حراز

لحسن ملواني ـ المغرب

على غرار بلدان عربية كثيرة عرفت الفنون التشكيلية المغربية في العصر الحالي تجارب كثيرة من حيث الخامات والرؤى والمدارس الفنية، ومن حيث التجديد والمحاكاة في زمن الانفتاح الإعلامي الذي خلق تقاربا بين المبدعين والنقاد في الغرب والشرق، مما ساعد على تلاقح التجارب، وتبادل الإمكانات التعبيرية المتعددة.. كل ذلك ساعد المبدعين الشباب الذين يجدون في ذواتهم موهبة الفنون في المحاكاة والتجريب والتجديد…

وإذا كانت المهرجانات والملتقيات والمعارض عاملا مساعدا على التعارف والوقوف على تجارب البمبدعات والمبدعين بمختلف الأجيال فقد كانت لنا فرصة التعرف على مبدعين ومبدعات ضمن فعاليات المعرض الجماعي الذي نظمته جمعية واحة الفنون بقلعة مكونة وبدار الثقافة، ومن هؤلاء الفنانين المبدعة  فاطمة حراز  المنحدرة من مدينة تنجداد قبل أن تنتقل إلى مدينة فاس مواصلة مشوارها الدراسي الذي أثمر حصولها على شهادة البكالوريا، وشهادة تقني في الصباغة وتزيين المباني، وبكالوريا في الفنون التطبيقة، وحصولها على شهادة تقني متخصص في التلائم الجمال والتراث لسنة 2021. وهي شواهد لها أثرها على مستواها الفني والتعبيري والجمالي تشكيليا.

التراث في لوحاتها

التشكيلية المغربية فاطمة حراز

فاطمة حراز على غرار مبدعين ومبدعات ظلت في منجزها الإبداعي وفيّة للتراث برموزها ومعطياتها الآيلة للنسيان في عصر أتت فيه العولمة على كثير من عناصر ثقافت الشعوب.

ولا أحد يجرؤ على نكران حسنات التراث لكونه عمدة هويتنا الثقافية، ولكونه مصدرا من مصادر الإبداع، منه نستوحي تميزنا الحضاري، ومنه نمتح فرادة التفنن في ثقافة العيش وطبيعة التواصل الإنساني الذي لا حدود لتنوعه، كما يخول لنا فرادة تجسيد معطياته فنيا ضمن قوالب تعمق جماليته وتضفي عليه مزيدا من الرمزية الضاربة في عمق وقلب الثقافة، ونعارض من يحاول وضع قطيعة مع التراث، كما نعارض من يحاول التمسك بكل معطياته بعيدا عن الغربلة والتبصر في الانتقاء، فالتراث إرث حضاري يحمل الكثير من العناصر التي بلغت نضجها رؤية وإبداعا، إلا أن هذا الإرث لن يكون كله مناسبا كمنبع للإبداع، فلكل عصر إبداعه الذي يحمل من عناصر الماضي بقدر ما يحمله من عناصر الجدة والمحاينة.. فالتراث بهذا منبع يصل الماضي بالحاضر عبر المبدعين الذين يستندون إليه فيمدهم بخلاصة وزبدة تجارب مبدعين أمثالهم عبروا ثم رحلوا وتركوا إرثهم الإبداعي ثروة قابلة للنمو والتزكية بالتمحيص والإضافة والتجديد، لذا فالتراث فارض لنفسه في عدة زوايا منها الحفاظ على الهوية والبناء على أساس متين ،مع التفاعل معه تفاعل الأجداد والآباء مع الأبناء.

فالتراث منبع للأخذ والإلهام، وأساس للحاضر والمستقبل، ووسيلة تأصيل لإبداعاتنا مهما تجددت، حقل قابل للتجديد واستنبات المختلف المواكب للعصر…

والحال أن الإبداعات الأمازيغية سينما وتشكيلا وشعرا وأغنية… اتخذت التراث منبعا للاستيحاء والإلهام مما أضفى عليها سمة الفرادة والتميز والأصالة..(1) وتبعا لذلك نلاحظ الفنانة شديدة الاهتمام بالتراث الأمازيغي بالخصوص مستوحية جل موضوعات لوحاتها من هذا التراث الثري الذي يُحَمِّل المبدعين بمختلف الفنون الاهتمام الخاص بتجسيده وإبراز ملامح جماله وروعته كرسالة للأجيال الشابة التي صار تغترب عن أصولها شيئا فشيئا.

في لوحات فاطمة بروز للمرأة بملابسها الأمازيغية الجميلة والمتجانسة شكلا ولون، وبأوشامها المحيلة على اللغة الأمازيغية، أوشام نجد لها مثيلا في المعمار وفي الزربية الأمازيغة.

ويبدو أن الفنانة متحكمة في أدواتها الفنية من حيث الرتوشات والاحتشادات اللونية والظلال والنور.

واهنمامه بالمرأة لا يبعدها عن بورتريهات خاصة بالرجل ،ويجمعهما إبراز ملامح تراثية عريقة تسعى ويسعى غيرها من المبدعين إلى المحافظة عليها كإرث حضاري يستحق الالتفاتة إليه.

الخيل في لوحاتها

إذا كان للخيل مكانة وحضور بارزان في النصوص الدينية إلى جانب الشعر، فإن التشكيل بدوره حَفَل بهذا الكائن الجميل الذي أبدع ومازال يبدع به الفنانون أعمالا راقية كل حسب نظرته وتجربته وكفاءته وتقنياته وخاماته، بل إن بينهم من جعل الخيل مفردة وموضوعا للوحاته على امتداد تجربته الإبداعية، يقدمها في كل عمل تقديما جديدا مما يوحي بكون الخيل مصدر إيحاء دائم وإلهام للكثير من مبدعين ينتمون إلى مختلف البلدان العالمية وفي مختلف العصور. ولأن الخيل كائنات بهية لجملة من الصفات التي تميزها عن غيرها فقد ظلت آسرة وساحرة للمبدعين في مجال التشكيل وغيره من الفنون الأخرى، فالخيل جميلة الوجه والعينين والأذنين، ظهرها وصدرها أملسان، علاوة على قوائمها وشعرها الطويل الكثيف المتدلى على عنقها العريض. إلى جانب حركاتها المتزنة، فالحصان كائن ذكي يستطيع أن يرقص على إيقاعات مختلفة (2)، والحال أن الفنانة كغيرها من الفنانين والفنانات استمالهم التجريب في التفنن في إبراز الحصان جزئيا أو كليا لما يمتلكه من جمالية موحية تجعل الأعمال الفنية تزيدها جمالا من حيث اللون والوضعيات والملامح.

وهكذا نجد الحصان في لوحاتها بوضعيات وأشكال مختلفة توحي بجمالها كما توحي باهتمام الفنانة بالخيل باعتباره ذا علاقة بتراثنا وتاريخنا الوطني والإنساني  بطولة ودفاعا عن الوطن.

نظرة عامة

الفنانة التشكيلية المغربية فاطمة حراز فنانة واعدة يشي منجزها الإبداعي بكونها تمتلك من المهارات والكفايات ما يجعلها تستطيع إنجاز إبداعات متنوعة بصيغ متعددة وبأدوات وتقنيات وأساليب مختلفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

  هامش:

  1. انظر كتابنا ” قراءة عاشقة لإبداعات أمازيغية “[ مركز الطباعة بأيت ملول ، الطبعة 1 ،2011م] ص 4 وما بعدها ، للوقوف على فصل خاص بعلاقة التراث بالإبداع.
  2. انظر مقالي في صحيفة القدس العربي ،عدد5 يونيو 2018م صحيفة القدس العربي.

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *