في الجزائر، اعتقلت السلطات من قيل إنه “مؤرخ” بسبب تصريحات إعلامية لإحدى القنوات الخليجية أساء فيها بكل وقاحة للمكون الهوياتي الثقافي واللغوي الأمازيغية، وربط فيها الثقافة الأمازيغية بما أطلق عليه “المشروع الصهيوني الفرنسي”، على حد تعبيره.
في الحقيقة، لقد أساء هذا “المؤرخ” لعلم التاريخ، وأساء إلى مهنته الجليلة: مهنة المؤرخ حيث يعتبر هذا الأخير، إلى جانب الصحفي، عدوا للسياسي. ولعل أحسن وصف استعمل في إطار عاصفة ردود الأفعال التي أثارتها تصريحاتها المسيئة لشعب بأكمله وثقافته ولغته، هو ممارسته “لتجارة الإيديولوجيا في سوق التاريخ”. كما أساء هذا “المؤرخ” إلى نفسه قبل الاخرين حين ربط بين الحضارة والثقافة الأمازيغية بعمقها التاريخي الكبير والممتد والذي يتجاوز قرونا طويلة من الزمن كما يتجاوز مساحات جغرافية شاسعة وممتدة، وبين ما أسماه مشاريع بعضها فقط يعود للقرن العشرين.
التاريخ علم جميل ومفيد، يساعد في حفظ الذاكرة ومعرفة الماضي واستيعاب معطيات الحاضر واستشراف المستقبل. ولا يمكن العبث به واستعماله وسيلة للنيل من الاخرين وذاكرتهم الجمعية والجماعية. والمعطيات التي لا تستند إلى أسناد دقيقة وأبحاث واضحة في مجال التاريخ لا يمكن أن تكون إلا محض إيديولوجيا.
لطالما كانت الأمازيغية، في شمال إفريقيا، بأبعادها الهوياتية والحضارية والثقافية واللغوية، موضوعا لإساءات نخبة العلماء الباحثين العرفاء، حتى لا نقول فقط المحسوبين على التاريخ، لاسيما في الفترة المعاصرة. وذلك بتعمد نشر الأكاذيب حول الأمازيغية مؤثرين باجتهاداتكم تلك على قرارات الدول في منطقة الشمال الإفريقي حيث همشت وأقصيت الثقافة واللغة الأمازيغية من أي اعتراف رسمي واهتمام رسمي لعشرات السنين منذ حصول هذه الدول على استقلالاتها. ونتذكر جميعا أسماء من قبيل الليبي علي فهمي خشيم المدعوم من الكولونيل القذافي – الذي حكم ليبيا بالحديد والنار ودعم عصابة البوليساريو حتى اخر أيام حياته- والجزائري عثمان سعدي في العديد من كتاباتهما الممولة من طرف “المجلس القومي للثقافة العربية” المدعوم من ليبيا آنذاك.
في مساره الإعلامي المتميز، نشر الصحافي المغربي محمد باهي تغطية إعلامية متميزة بقيت وثيقة تاريخية إلى الان في تغطيته للاجتماع التمهيدي للمؤتمر الأمازيغي العالمي (رسالة باريس التي نشرت بيومية الاتحاد الاشتراكي في 13 شتنبر 1995)، فند فيها الكثير مما روجه هؤلاء من ربط دائم للأمازيغية بما يسمونه المخططات “الصهيونية-الفرنسية”.
معلوم أن الأمازيغية والتاريخ أو التاريخ الأمازيغي شكل على الدوام هاجسا معرفيا لدى النخبة الفكرية والثقافية الأمازيغية، يكفي فقط أن نذكر هنا بعناوين المقالات الأولى التي كتبها الأستاذ علي صدقي أزايكو، وهو المتخصص في التاريخ، في بداياته مثل: تاريخ المغرب بين ما هو عليه وما ينبغي أن يكون عليه (منشور بالعدد الثاني من مجلة الكلمة 1971)، و”حين يحتقر تاريخنا وتداس كرامتنا” (بالعدد الرابع من نفس المجلة العام 1972).
من جانب اخر، أشارت وثيقة “بيان من أجل الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب” للأستاذ محمد شفيق. في المطلب الخامس إلى “استغلال التيارات المتعصبة للعروبة في الأربعين سنة الأخيرة (نشرت الوثيقة سنة 2000) سيطرتها الفعلية على توجيه البحث والتدريس فوجهت الدراسات التاريخية المتعلقة بالمغارب”. مع الدعوة إلى إعادة النظر بجد فيما يعلمه أبناؤنا من تاريخ ومن تاريخ المغارب خاصة”.
رشيد نجيب