حراك الريف يغير طقوس عيد الفطر

بقلم احمد الدغرني

كانت الأعياد في بعض فترات تاريخ الشعوب تتميز بتقديم قرابين بشرية الى الآلهة يوم العيد، ويرتبط تقديم القرابين بفترة تاريخية قديمة مثل ماكان يفعله بعض سكان ضفاف وادي النيل بتقديم فتياتهم للغرق في الواد لكي لا يغرق الشعب، ويكف عنهم الفيضان الذي يهدد بغرق الشعب…. وكان عيد الفطر هذه المرة في الريف عيد قرابين سفك دماء بعض شباب الريف، ويوم هذا العيد هو مناسبة لتقييم النتائج السياسية للشهر بكامله، لأنه تميز هذا العام بكونه شهرا سياسيا بالنسبة للشعب في الداخل والخارج بسبب الحراك في الريف.

وقد شاءت الأقدار أن أكون ممن قضوا يوم 26 يونيه 2017 (يوم عيدالفطر) بالحسيمةً، انطلقت من الرباط صحبة زميلي المحامي بسلا نور الدين لشهب، على الساعة الثامنة والنصف صباح يوم هذا العيد الذي أعلن فيه الريفيون تنظيم مسيرة احتجاج بمدينة الحسيمة، كان العيد من نوع الأعياد الدينية، التي يحتفل الناس فيها بمرور مشقة الجوع والعطش، وكثرة المصاريف خلال شهر رمضان، لكن تخصيص هذا العيد للاحتجاج يدل على أن العطش والجوع والمشقة لم تنته في الريف بعد انقضاء أيام رمضان، الذي تميز بالريف هذا العام بكونه “رمضان الحراك” لأن الشهر بكامله تميز بالاعتقالات والمحاكمات في صفوف النشطاء، وتعريض بعضهم للضرب والتعذيب، والنقل من الريف إلى معتقل وسجون الدارالبيضاء، وشملت طقوس رمضان المزج بين صلوات “التراويح ” والمسيرات والوقفات الاحتجاجية بليالي رمضان، وقد مر رمضان مع مايسمى “عسكرة الريف” بنقل آلاف من الشرطة والدرك ومختلف أنواع القوات الى الريف، لم تصدر عنها أرقام رسمية تحدد عددها، ولكن أحاديث الناس تذكر أن عددها يتجاوز 25000 من النساء والرجال يقارب أن يساوي نصف عدد سًكان المدينة، (عدد سكان مدينة الحسيمة 56716 حسب احصاء 2004) وهم الطرف الثاني من الشعب المغربي الذي اضطر أن يشارك في الحراك من الجانب المضاد له، وهو طرف من القوات المخزنية التي ترابط بالليل والنهار.

قضى بدوره رمضان صعبا، وقضى يوم العيد في الحراسة وتحت أشعة الشمس القاسية وبعيدا عن العائلات. كان أول سؤال طرحناه ونحن نفكر في قضاء العيد بالريف هو أي طريق سنسلك بالسيارة؟ هل طريق طنجة؟ أو فاس – تازة؟ فأدركنا بقليل من الانتباه بأن طريق فاس تازة تمر عبر تيزي اوسلي، وأكنول، التي تسمى تاريخيا وجغرافيا “مثلث الموت” لأنها طريق وعرة تمر بين أصعب جبال الريف، وهي طريق بدأ توسيعها وإصلاحها منذ عدة سنوات ولم ينته بعد، وفيها قناطر لم تبن بعد، وأجزاء غير معبدة des pistes فقررتا أن نسلك طريق طنجة تطوان، لنصل مبكرا. طرح سؤال كيف يصل المسافر من خارج الريف إلى الحسيمة بحدة منذ سنة 1957 حيث ظهرت فكرة “طريق الوحدة” التي كانت حلما لربط فاس بمدينة الحسيمة وكانت طريق الوحدة بداية المشاريع الفاشلة في دولة الاستقلال المخزني، ولا زال الناس يفكرون كيف سنصل بسهولة الى الحسيمة سنة 2017؟.

فوجئنا ونحن نمر من طنجة نحو تطوان بحراسة الطريق قرب تطوان من حوالي 40 كلمترا بقوات الدرك الملكي والقوات المساعدة من الجانبين، واستغربنا من هذا النوع من الحراسة المشددة يوم العيد، وفهمنا فيما بعد أن الأمر يتعلق بسفر الملك يوم العيد الى شواطئ المضيق وهي أيضا مدينة ريفية…

لا أحد يحب السفر يوم العيد، ولكن ترك الريفيين وحدهم، يقضون يوم العيد بدون تضامن الناس معهم في محنتهم سيكون ضد منطق الذين يدعون الى الوحدة، وهم لم ينتبهوا إلى خطورة وضعية شعب يحتفل يوم العيد بكل أنانية وأفراح…، وشعب يقضي العيد تحت العسكرة والضرب والسجن وقنابل كريموجين…. بدأنا في المغرب نفترق بين العيد الأسود والأبيض، ومن الأحسن من سنة 2017 أن نشترك الحزن والأفراح لكي نتحد في الوطن، وهناك عما قريب سيحل عيد الأضحى، والنبدأ التفكير كيف سًيمر بالريف؟.

لاشك أن بعض الناس ينتظرون أن يتوقف حراك الريف وينتهي،والمخزن مصر على استعراض القوات النظامية ليظهر قويا أمام الشعب، ويستخدم منطق الغلبة، ويقصد أن الريفيين سيغلبون بالقوة، ونتساءل هل سيغلب الريفيون هذه المرة وينتهي حراكهم وتنتصر القوة المخزنية؟.

لا أظن صراحة أن الانتصار بهذا الأسلوب ممكن، لأن استعراض القوات الحالية مركز عمليا في محور الحسيمة الذي لايتجاوز حوالي 40 كلمتر مربع، وحتى يمكن للقوات أن تغطي كل الريف الذي انتشر فيه الحراك يظهر أنها غيّر كافية، لأن الحراك انتشر في البوادي، ولم تستطع الصحافة أن تغطيه، لان عدد سكان الريف يصل تقريبا الى 12 مليون نسمة، يشغلون ثلث مساحة المغرب، باعتبار الريف يشمل كل شواطئ البحر الأبيض المتوسط ويمتد إلى الجزائر وأحواز فاس ،ولكون المحتجين من الشباب الذي يستطيع قطع المسافات على الأقدام وعبر الجبال والغابات…

الأعياد الدينية هي من أقدم الأعياد سوف تنهار بأساليب القمع يوم العيد بعد أن دشن شباب الريف انتقاد خطبة الجمعة بالحسيمة بعد أن هاجمهم خطيب الجمعة ونعتهم بأوصاف الفتن، وردوا عليه بأداء الصلوات في الفضاء الطلق خارج المساجد وتنظيم الاحتجاج يوم العيد وهي عمليات تجديد في النضال الشعبي السلمي تفضح نقط الضعف في السياسة الدينية للمخزن…

سألنا عن أصدقائنا في طنجة والناضور هل وصلوا إلى أهاليهم في الحسيمة يوم العيد فأجابونا بأن القوات المخزنية تمنعهم من السفر من الناضور نحو الحسيمة، وأضفنا الى لائحة انتهاك الحقوق ذلك المنع من حرية التنقل يوم العيد، وشاءت الصدف أن نصل الى الحسيمة بدون منعنا من المرور كما وقع حسب بعض الروايات لحوالي 50 سيارة قادمة من طريق الناضور نحو الحسيمة وذلك لأن أهل طنجة لم ينظموا علانية القافلة التضامنية التي كانوا ينوون تنظيمها يوم العيد نحو الحسيمة بسبب تشديد المنع، والمعاملة السيئة لقوات المخزن.

وصلنا الى مدينة الحسيمة مساء يوم العيد، فوجدنا ساحة الحرية (مركز المدينة) كما يسميها الشباب فيها وقفة مركزة لقوات المخزن، وهي وقفة على كل حال، لا يهم من وقف، نجح الحراك في تخطيطها، وجزء منها أصبح موقفا parking لسيارات تلك القوات التي خربت كثير امن زليجها، وفي كل شارع أو زنقة ترابط قوات بملابس الميدان، وكأننا في قشلة Caserne وليس في مدينة وساحة يلعب فيها الأطفال والطيور ويلتقي فيها الفنانون والسياح، كما يعرف زوار مدينة الحسيمة، وكل من وضع رجله داخل الساحة يضرب ويعتقل… وليس هناك أي مظهر ليوم العيد، وكل الناس بملابسهم العادية، وعلى وجوههم علامات الحذر والغضب، وهدف الشباب هو تتبع الأحداث والأخبار بواسطة الهواتف، وأقوى مناضلي الحراك يستغلون الفجوات لإفشال المنع، وتحدي الخوف…

قضينا ليلة حزينة في الحسيمة، وغادرنها في ثاني أيام العيد في الصباح الباكر في طريق الرجوع اخترنا أن لنعود من حيث جئنا (طنجة -تطوان) وسلكنا طريق الحسيمة -تازة، وصادف ثاني أيام العيد يوم 27 يونيه 1957 ذكرى اغتيال الشهيد عباس المساعدي، وعلمنا أن شباب الريف يخلدون هذه الذكرى سنويا بمقبرة الشهداء التي يوجد بها قبر عباس المساعدي بقرية اجدير التي تبعد حوالي 20 كلمترا عن قرية تيزي اوسلي، وشاركناهم في إحياء هذه الذكرى الأليمة، وأخبرنا بعض الشباب أنه على مسافة قريبة من اجدير (تامجونت) يوجد قبر الكولونيل عبابو احد قادة المحاولة الإنقلابية للعاشر من يوليوز 1971
في الريف تاريخ حديث للشهداء في كل مكان، وفيه تتجدد المعارضة السياسية المغربية، وليست بمعارضة مصنوعة أمستوردة، وعلى شباب المغرب الحالي أن يدرس تجربة الريفيين ونموذجهم، ويواكبها خارج الدعايات المغرضة، وخاصة أن يدرسها في أمكنتها ويتعرف إلى شخصياتها عن قرب، وأن لا يؤمن ويصدق ما يسمعونه على السنة الحكم والأحزاب والسماسرة الجمعويين والسياسيين…

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *