حرية الصحافة والإعلام بالمغرب: الإصلاح المؤجل

محمد زاهـد

رغم تزايد وتيرة النقاش السياسي والحقوقي والمهني حول الشأن الصحافي والإعلامي. ورغم التدفق والأهمية المجتمعية التي يكتسيها ويحتلها على صعيد القطاعات الحيوية الأخرى، وكذا رغم المخاضات العسيرة التي ميزت مسارات تحولات وتطورات المشهد الإعلامي، يبدو أن سؤال إصلاح وتأهيل هذا القطاع لا زال مؤجلا إلى حين. كما يبدو أن موعد التأسيس لمنظومة إعلامية ذات سلطة، واستقلالية، ومهنية، وتعددية، وديمقراطية، هو الأخر لا زال يراوح مكانه ولم يحن وقته بعد. فهل ستكون مشاريع القوانين- المدونات التي تقدمت بها وزارة الاتصال بمثابة الحجرة الثقيلة التي سيلقى بها في بركة الإعلام الجامدة؟ وهل سيكون منظور الوزارة الوصية وسياسة الحكومة المتبعة في هذا المجال هي التي ستخرج هذا المخاض من عنق الزجاجة؟ أم أن هناك ثوابت ومحددات واختيارات هي التي تؤسس لدعامات وقواعد اللعبة الإعلامية بالمغرب؟ أم أن ثلاثية – لازمة السلطة، والمجتمع، والإعلام هي لعبة أقوى من أي مخطط إصلاحي لقطاع الصحافة والاعلام؟.

الواقع أنه لا يمكن أن نتصور، أولاً وأخيراً، وجود بلد ديمقراطي بدون وجود صحافة حرة ومسوؤلة، رغم أن هذه الأخيرة تستخدم وتستعمل في كثير من الأحيان كخلفية للتحكم في الحدود المرسومة لحرية الإعلام والصحافة. ومن هذا المنطلق، فوجود قواعد وضوابط قانونية ومهنية سليمة تحدد وتؤطر مهنة الصحافة، هي ما يؤسس لمناخ إعلامي ديمقراطي وتعددي ودينامي ومنخرط في التحولات المجتمعية ويحقق أدواره ووظائفة في ظل موجة التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة.

خارج هذه الدائرة التي تحيل على نماذج المنظومات الإعلامية التعددية والديمقراطية المتقدمة، والتي تشكل مرجعا على صعيد نماذج التجارب ذات الريادة العالمية على مستوى حريات الرأي والتعبير والإعلام والصحافة، فعديدة هي القضايا الشائكة والأسئلة التي يطرحها موضوع حرية الصحافة بالمغرب، حيث تسجل حركية ومخاضات لكن بتقدم يكاد يكون متوقفاً وجامدًا، أو هو مثل الشمس التي تدور حول نفسها فقط. فهل سيظل الوزير مصطفى الخلفي ثابتا على ترديد مقولة: ومع ذلك فهي تدور؟. أم أن الأيام هي التي ستدور دورتها ويظل إصلاح قطاع الإعلام والاتصال رهانا مؤجلاً مرة أخرى؟. ومن أين ينبغي أن يبدأ الإصلاح الشامل لمنظومة الاعلام؟ وما هي المداخل التي يجب أن يشملها هذا الإصلاح الذي طال أمده؟ وما هي التحديات والانتظارات التي تطرح كرهان أمام التأسيس لإعلام مهني ومستقل ولصحافة حرة وتعددية؟. إضافة إلى أسئلة أخرى عديدة تطرح نفسها في سياق الحديث عن حرية الاعلام والصحافة بالمغرب، مثل: أي إعلام نريد؟ وأي نموذج اقتصادي يجب اعتماده في هذا الشأن؟ وكيف يمكن أن نرسم حدود العلاقة بين الاعلام والسياسة/ السلطة، وكذا بين الاعلام والمال/ الثروة، في ظل التباسات وتداخل علاقة هذه العناصر فيما بينها؟.

في بلد مثل المغرب، يصل فيه عدد مستعملي الأنترنت إلى أزيد من 15 مليون فرد، كما يبلغ عدد المواقع الالكترونية فيه حوالي 500 موقع وبوابة الكترونية، و12 إذاعة عمومية وخصوصية و8 قنوات تلفزية وعدد كبير من عناوين وسائل الإعلام الأخرى المكتوبة من مجلات وجرائد موزعة بين اليومي والأسبوعي والشهري والدوري. إضافة إلى حوالي 35 فضاء للتكوين في مجال الصحافة والاتصال ومهن السمعي البصري. لكن، ومن خلال هذه المعطيات الأولية، يمكن القول بأن هناك 3 أصناف من مستويات الإعلام تؤثث المشهد والسوق الإعلامية، وهي: الإعلام المكتوب، الإعلام السمعي البصري، والإعلام الالكتروني. إلا أن الأهم في كل هذا هو طبيعة التحديات التي أصبحت تفرض نفسها أمام كل صنف من هذه الأصناف السابقة، وهي التحديات التي من شأن تجاوزها الاجابة عن الكثير من الأسئلة السابقة.

فالإعلام المكتوب، لعل أهم تحدي يطرحه هو التراجع الكبير لمستوى المقروئية في مقابل تزايد عدد مستعملي الأنترنت، وهذا التزايد هو على حساب عدد قراء الإعلام المكتوب، حيث أن عدد زيارات المواقع الالكترونية أصبح يفوق 3 أضعاف قراء الجرائد بالنظر للتحول الذي حدث في مجال التكنولوجيا وما يسمى ب “الأنفوميديا”.

أما الإعلام الالكتروني، وهو مكون جديد ضمن الساحة الإعلامية، ونظرا لهذه الخصوصية في حد ذاتها، فهو أيضا يواجه تحديات عديدة، لعل أهمها ما يتعلق بغياب التأطير والتنظيم المهني والقانوني والمؤسساتي في ظل الفراغ القائم والفوضى التي تميزه في غياب ضوابط أخلاقية ومهنية. إضافة إلى تحديات أخرى. أما الإعلام السمعي البصري، فبكل تأكيد يعيش هو الأخر على وقع عدة تحديات وتطرح أمامه رهانات مستقبلية جمة. علاوة عن المشاكل والصعوبات التي يتخبط فيها وجعلت مستوى الخدمة والجودة الإعلامية والمهنية فيه محكومة بنوع من الارتجال والرداءة وغياب الإبداع، وهو السبب وراء هجرة المغاربة نحو القنوات الأخرى، وفي أرقام قياس نسب المشاهدة بالمغرب خير دليل عن ذلك.

مجمل القول، ومن خلال هذه الاستنتاجات الأولية، وبالقدر الذي نحن في أمس الحاجة لإصلاح شامل وجذري لمنظومة الإعلام والحقل الصحفي بالمغرب، بقدر ما تتأكد مسوغات هذا الإصلاح لتجاوز هذه التحديات المفروضة على قطاع حيوي واستراتيجي. إصلاح يؤكد خبراء إعلاميون أنه يتحدد من خلال 4 مداخل أساسية، وهي: المدخل القانوني، المدخل المؤسساتي، المدخل الاقتصادي/ الاجتماعي، المدخل المهني. ينضاف إلى ذلك ضرورة وجود إرادات قوية وجريئة تؤسس لتحرير إعلامي واعد ولمقاربة موضوعية وتعددية وفق قواعد وضوابط ديمقراطية في إطار دينامية التحولات والاصلاحات التي يجب أن تفرز اختيارات سياسية تؤسس لانتقال إعلامي مستقل عن مراكز التحكم والقرار السياسي والمالي.

ورغم ذلك، فيبقى السؤال الأهم الذي يطرح نفسه في سياق الحديث عن وضعية حرية الاعلام والصحافة بالمغرب، وكذا في سياق الحديث عن غياب منظور شامل لإصلاح هذا المجال، فهو سؤال يتعلق بموقع السياسات الحكومية في هذا الإطار، لاسيما في ظل فشل العديد من المقاربات السابقة في تعزيز وخلق شروط التأهيل والإصلاح الذي سيجعل المنظومة الإعلامية بالمغرب في صلب التحولات والتفاعلات المجتمعية وقادرة على مواكبة التطورات الحاصلة في مختلف المجالات. فهل تملك مثلا حكومة عبد الإله بنكيران، ووزارة الاتصال الوصية عن القطاع، رؤية ومخطط لإصلاح واعد على ضوء مشاريع القوانين الثلاثة التي تقدمت بها، وهي مدونة الصحفي المهني والمجلس الوطني للصحافة ومدونة الصحافة والنشر؟ وهل الإشكال القائم أصلا هو مجرد عنصر مرتبط بقوانين جديدة فقط في ظل تخلف القوانين السابقة؟ أم أن الأمر أكبر من كل هذا ويتجاوز منظور حكومات متعاقبة لا ناقة لها في التأسيس لحرية الإعلام والصحافة بالمغرب ولإصلاح حقيقي بدل الإصلاحات المؤجلة، وهو الوضع الذي فشلت معه كل الوصفات السحرية لعلاج قطاع “سيادي”، خاصة الإعلام العمومي؟.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *