عيد الفطر يسمى في مدينة زوارا تفاسكا تمشكونت “العيد الصغير” وذلك تمييزا لها عن عيد الأضحى الذي يسمى تفسكا تمقارت “العيد الكبير” .. ومجتمع ات ويلول كان ولازال يولي اهتماماً خاصاً لعيد الفطر باعتباره يوم فرح للمؤمن ويوم للتواصل والتسامح ونبذ الخلافات ، ومناسبة سعيدة ينتظرها الكبار والصغار ويحرصون على الاحتفال به وإحياء أيامه ولياليه .
تبدأ حكاية عيد الفطر في مدينتي بخروج غير معتاد للمسحراتي ” ادبداب ” ، ذلك المخلوق الغريب الذي كنا نسترق السمع من تحت أغطية الصوف الخشنة ونحن ننتظر قدومه راسمين له الاف الاشكال في مخيلتنا الصغيرة عندما كان يزورنا كل ليلة من ليالي رمضان بصوته المولود من رحم السكون والآتي من زمن الأجداد ينساب بين الازقة والحوارى الضيقة في ظلمة الليالي المعتمة .
وتبلغ الحكاية ذروتها برؤيته بلحمه وشحمه ودبدبته ” طبلته ” يلف الشوارع منبها الناس إلى انتهاء أيام شهر رمضان المبارك وقدوم عيد الفطر ببهجته وسط فرحة الأطفال وسعادتهم باكتشاف سره الذي كان مدفون فى ظلمة الليالي الخوالي والذي سمعوا عنه وكانوا يتخيلونه وكأنه مخلوق قادم من العالم الآخر خصوصا وان اغلبهم لم يتمكنوا من مشاهدته خلال جولاته الليلية ، كان يخرج بمجرد تأكده من رؤية الهلال منبها الناس بقدوم العيد ، والناس بدورهم يقومون باكرمه كل حسب مقدرته واستطاعته بالدفع له عينيا ونقديا وذلك مقابل أتعابه طيلة الشهر ودوره في إيقاظ الناس للسحور.
الجميع كبارا وصغارا كانوا يسعدون برؤية المسحراتي ويستبشرون به وينتظرون قدومه لتبليغهم بانتهاء رمضان وقدوم العيد ، لم يكن لهم وسيلة للتبليغ سواء دقات الطبل في غير موعدها أو صوت جهاز المذياع في وقت لاحق ، كل شي يتم إعداده وتجهيزه لاستقبال هذا الحدث السعيد قبل قدومه بوقت كافي ، فكما كأن الاستعداد لشهر رمضان يبدأ مع الأيام الأخيرة لشهر شعبان ، كذلك الاستعداد لاستقبال عيد الفطر يبدأ مع بداية العشر الأواخر من شهر رمضان ، فتتغير حركة السوق وينتقل ازدحام الناس من محلات اللحوم والمواد الغذائية والخضروات والافران الى محلات الملابس والألعاب والحلويات ، ويتغير نشاط الباعة المتجولين والذين يفرشون في برطال البيطسا ( ايضرحن) من بيع احتياجات شهر رمضان إلى بيع الألعاب والملابس والاحدية والمشروبات والحلويات التي يحرص جميع التجار أصحاب المحلات منهم والمتجولين على توفيرها ، وبالمقابل يحرص الجميع على إدخال الفرح والبهجة والسرور على اسرهم كل حسب مقدرته وذلك بتوفير حاجاتهم وخصوصا احتياجات الأطفال ، ومن الأشياء المألوفة التي لازالت عالقة في الذاكرة هي رؤية الآباء وأبنائهم في محلات الملابس والألعاب والأحذية والفرحة تعلو وجوه الأطفال وهم يحملون بين أيديهم في فرح وسرور بما اشتروه للعيد ، وعادة ما تتم عملية الشراء في الفترة المسائية قبل الإفطار ، لأن حركة السوق تهدأ تماما في الفترة الليلية ، ولا توجد أي محلات مفتوحه ليلاً سوى الافران وبعض محلات المواد الغذائية وبيع السجائر .
تجمع العائلات في الليالي الأخيرة من شهر رمضان في احدى البيوت من اجل اعداد حلويات العيد فصل من فصول الحكاية التي اختفت ولم يعد لها وجود وذلك بسبب انتشار محلات بيع الحلويات الجاهزة التي لم يكن لها وجود في الماضي ، هي عادة من بقايا العادات التركية التي اكتسبها الناس في فترة الحكم التركي الذي امتد لأكثر من أربعمائة سنة ومن أشهر الحلويات التي كانت تعد في البيوت الكعك بنوعيه ، و المقروض التونسي والطرابلسي والغريبة ، ومع اختفاء هذه العادة اختفت لوحة لوحات الاستعداد لاستقبال العيد وفصل من فصول الحكاية وهي لوحة الأولاد والبنات في الشوارع وهم يحملون إلى الأفران ما أعدته النساء في البيوت من حلويات في أواني خاصة فوق رؤوسهم ، واختفى معها الازدحام عن الافران وانتقل إلى محلات بيع الحلويات الحديثة .
ولا تكتمل فصول حكاية العيد دون الحديث عن الخياطين والملاخين والحلاقين .. وتستمر الحكاية
يتبع ..
تانميرت
شعبان يونس التايب
_____________
* * الصورة لصلاة عيد الأضحى في مدينة زوارا عام 1914 .. كانت تؤدي في الفضاء خارج المسجد .