كشفت تونس اليوم الاثنين النقاب عن حكومتها الجديدة التي ستركز على “إنقاذ البلاد” ومكافحة الفساد بعد 11 أسبوعا من إطاحة الرئيس قيس سعيد بالحكومة السابقة وتوليه السلطات.
ونشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على فيسبوك بيانا مصحوبا بصورة للرئيس سعيد ورئيسة الحكومة المكلفة نجلاء بودن جاء فيه “رئيس الجمهورية يصدر أمر تسمية رئيس الحكومة وأعضائها”.
ثم أدى 25 عضوا في الحكومة اليمين من بينهم تسع نساء، وفق بث مباشر للتلفزيون الحكومي. وبقي وزير الخارجية عثمان الجرندي ووزير التربية فتي السلاوتي اللذان كانا في الحكومة قبل 25 يوليوز، في منصبيهما في الحكومة الحالية.
وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، أوكلت امرأة هي الاستاذة الجامعية المتخصصة في الجيولوجيا وغير المعروفة في الأوساط السياسية نجلاء بودن مهمة تشكيل الحكومة في 29 سبتمبر، لكن سلطاتها وسلطات وزرائها ستكون محدودة بناء على التغييرات التي أقر ها الرئيس على السلطة التشريعية والتنفيذية. وسيكون نشاطها مراقبا وتحت اشراف سعيد.
وأكدت بودن (63 عاما) الاثنين في اول كلمة منذ تعيينها أن من أبرز مهام الحكومة الجديدة مكافحة الفساد و”استعادة الثقة بالدولة” واعادة الأمل للمواطنين وفتح مجال الاستثمار وتحسين ظروف العيش والتسريع في تنشيط الدورة الاقتصادية و”تشديد مبدأ المحاسبة”.
وجاء الاعلان غداة تظاهر الآلاف في شوارع تونس العاصمة ضد ما يعتبرونه “انقلابا” قام به الرئيس سعيد، في أكبر احتجاج شعبي حتى الآن على تدابير تعزيز صلاحياته منذ 25 يوليوز. كذلك قرر سعيد رفع الحصانة عن النواب وتعليق رواتبهم والمنح المالية التي كانوا يتقاضونها.
واكد سعيد في كلمة بعد اداء الحكومة اليمين على “انقاذ البلاد ممن يتربصون بها في الداخل والخارج” و”من يعتبرون المناصب غنيمة… سنفتح الملفات ولن نستثني أحدا ولا مكان لمن يريدون العبث بسيادة الدولة”. وتابع “لقد نهبوا من أموال الشعب الكثير”، من دون أن يأتي على ذكر أسماء.
كذلك، أعلن سعيد “سنعمل في قادم الأيام على ايجاد اطار لحوار وطني حقيقي…حوار مع الشباب في كل الجهات من الجمهورية ومع كل التونسيين والتونسيات الذين يقبلون بالحوار الصادق لاستكمال الثورة واستكمال حركة التصحيح والتحرير”. وستوضع مواعيد محددة لكل محطة من الحوار الوطني الذي لم يبين سعيد أهدافه ومنهجيته.
تم تعيين أستاذ القانون بالجامعة التونسية عماد مميش على رأس وزارة الدفاع. وكذلك، عاد توفيق شرف الدين لتولي حقيبة الداخلية بعدما أقاله رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي من المنصب مطلع العام 2021 اثر خلاف بين الرجلين تعلق بتعيينات في وزارة الداخلية.
وجاء في بعض فصول الأمر الرئاسي الذي أصدره سعيد أنه “يتم إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية” وتتحول هذه الصلاحيات إلى سعيد عوضا عن البرلمان المجمدة أعماله.
وورد في فصل آخر “يمارس الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة” و”تتكون الحكومة من رئيس ووزراء وكتاب دولة يعينهم رئيس الجمهورية”.
والسلطة التنفيذية أساسا في يد الحكومة ومسؤولة أمام البرلمان بموجب دستور 2014، لكن سعيد أعلن أنها ستكون مسؤولة أمام رئيس الجمهورية مستقبلا.
ويشار إلى أن بودن غير معروفة في الأوساط السياسية ولا يعرف عنها انتماء سياسي ولا خبرات في ادارة ملفات اقتصادية. وكلفت المتخصصة في مجال الضرائب سهام بوغديري بوزارة المالية في حين عين الخبير في المجال المصرفي سمير سعيد على رأس وزارة الاقتصاد والتخطيط.
ويمثل الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد أول الملفات على طاولة رئيسة الحكومة التونسية المكلفة، وهو قطاع يعاني منذ عقد من الزمن بسبب غياب الاستقرار السياسي الذي لا يزال يضعف رغبة المستثمرين والمانحين الدوليين في دفع الأموال.
وبلغ معدل النمو الاقتصادي في البلاد سنويا ما بين 2010 و2020 حوالى 0,6%. وبسبب الجائحة، سجل في العام 2020 انكماش بنسبة 8,8%، فضلا عن تأثر قطاع السياحة الذي كان يمثل 14% من الناتج الداخلي الخام والذي تضرر بشكل كبير. لكن المفاوضات توقفت منذ إعلان سعيد الإجراءات الاستثنائية.
كذلك، ارتفعت نسبة المديونية في تونس وتجاوزت 80%، وأصبحت تونس تقترض لسداد الديون ودفع أجور الموظفين.
ويعلل خبراء الوصول إلى هذا المستوى من التراجع إلى عدم الاستقرار الحكومي. فقد تعاقبت تسع حكومات على السلطة بسبب التجاذبات السياسية منذ ثورة 2011. وعلقت آمال كبيرة أيضا على أن يتحرر الاقتصاد من الفساد ومن أيدي المقربين من السلطة كما كان عليه الحال في نظام بن علي، لكن بقي مجال الأعمال حكرا على عائلات نافذة.