حملة إسقاط القانون 113-13 المشؤوم (4).. حراك سوس الكبير والمفهوم الجديد للسلطة.

ذ. أحمد يحيا

مناظرة وطنية لاستدراك فرص الحوار التائهة والضائعة

في مقالي السابق بعنوان سوء الفهم الكبير حاولت أن ألامس بعض المخارج القانونية و الدستورية الناتجة عن التحديد الإداري للملك الغابوي بأقاليم سوس الكبير و الأخطاء التي خلقت احتقانا بهذه المناطق قبل أن يأتي عزيز أخنوش بقانون تنظيم الترحال الرعوي و محاولات تنزيله بل الانتقال إلى السرعة القصوى للتسريع بتنزيله وسط رفض و استهجان و استنكار غالبية ساكنة أقاليم سوس الكبير و لاسيما ذوي الحقوق …

الملفت للنظر هو ارتباك الحكومة رغم محاولاتها إظهار نوع من الحزم العبثي في سيرها قدما في تنفيذ و تنزيل مقتضيات القانون المشؤوم 13-113 المتعلق بتنظيم الترحال الرعوي وتكريسه أكثر من أي شيء آخر، رغم أن ازدياد رقعة الرفض والإلحاح على هذا الرفض ما فتئت تمتد بين ساكنة هذه الأقاليم بشكل غير مسبوق لدرجة أن منسوب الاحتقان كذلك وصل بهذه المناطق لدرجات قياسية غير مسبوقة تنذر بخصومة بين الدولة و مواطنيها بهذه المناطق الجغرافية الواسعة لا يعرف أحد أين سيستقر بها الحال و هذه الخصومة كذلك غير مسبوقة بين الطرفين حيث للمؤسسة الملكية بأقاليم سوس الكبير و عند المنحدرين منها الموزعين بين المدن المغربية و دول المهجر احتراما و اعتبارا و تقديرا رفيعين…

إن تهميش الحكومات المتعاقبة لهذه المناطق خاصة و للمغرب الغير النافع عامة و لعقود دفع الساكنة للهجرة الاضطرارية بغرض هدفين لا ثالث لهما، ضمان لقمة العيش للأهل بالموطن الأصل أولا و تنمية هذا الموطن الأصل و يتبع ذلك رغبة في توفير ظروف عيش كريم بعد رحلة الاغتراب و هذا التابع الأخير هو ما جعل سؤال حلم العودة سؤالا مقلقا لدى السواد الأعظم ممن أفنوا حياتهم من أجل تنمية بشرية حقيقية لبلدهم و لبلدتهم و لأهلهم إلا أن عوتهم للموطن في انتظار القدر المحتوم في ظل التحديد الإداري للملك الغابوي والقانون 13-113 تجعل هذه العودة عودة إلى الجحيم فلا يستغربن أحد من انطلاق هذه الاحتجاجات في اتجاه تصاعدي لن يهدأ حتى تلقى مطالبهم المتعلقة بأرضهم حلا عادلا و منصفا.

إن مشاكل أقاليم سوس الكبير الحالية و التي طفت إلى سطح الأحداث منذ أكتوبر الأخير بشكل خاص و التي فجرتها الخطوات الحثيثة للحكومة المغربية و سباقها ضد الزمن لتنزيل و تفعيل القانون 13-113 المتعلق بتنظيم الترحال الرعوي و تهييء و تدبير المراعي…، هذه المشاكل بقيت مجتمعة لعقود من الزمن -تمتد لمرحلة عهد الحماية- دون جواب تندرج كلها في صلب سؤال التنمية الشاملة المجالية المستدامة و المندمجة…

منذ خطاب العرش في يوليوز 2017 و الملك محمد السادس يضع أصبعه على المنزلقات التي تهدد إقلاع المغرب إقلاعا حقيقيا يجعل خدمة المواطن و ربط كل برامج التنمية بهذا المواطن و لقد كانت خطبه و رسائله في هذا الاتجاه قوية وثورية بحجم الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة و بحجم العقلية الكارثية و المتخلفة للإدارة المغربية اللتان تهددان المغرب بسكتة قلبية ثانية …

لقد استقر التقييم الملكي في نهاية المطاف على حكم أن النموذج التنموي المغربي قد فشل و منذ ذلك و هو يدعو الجميع إلى الإبداع في البحث عن نموذج تنموي بديل ناجح يلبي حاجيات الوطن و المواطن في إطار تنمية مجالية شاملة مستدامة و مندمجة…

جاء على لسان الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2017 :
( والواجب يقتضي أن يتلقى المواطنون أجوبة مقنعة، وفي آجال معقولة، عن تساؤلاتهم و شكاياتهم، مع ضرورة شرح الأسباب وتبرير القرارات، ولو بالرفض، الذي لا ينبغي أن يكون دون سند قانوني، وإنما لأنه مخالف للقانون، أو لأنه يجب على المواطن استكمال المساطر الجاري بها العمل.

وأمام هذا الوضع، فمن الحق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء و القناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟ )
ساكنة سوس تستغيث و تحتج و تطالب فهل تلقت أجوبة مقنعة و في آجال معقولة ؟؟؟

كل ما تلقاه المحتجون و المطالبون و المستغيثون ثلاثة جلسات أعتبرها مهازل لا ترقى لمنطق و منطوق الخطب الملكية التي توالت منذ خطاب العرش لسنة 2017 ، جلسة تهريج غير رسمية مع رئيس الحكومة أحال فيها محاوريه على وزيري الفلاحة و الداخلية، و جلسة عبث مع وزير الفلاحة ثم لقاء مجاملة مع والي جهة سوس ماسة…

إلا أن نتائج هذه اللقاءات التي تعاملت فيها الحكومة مع ممثلي السكان المتضررين باستخفاف و عدم احترام كبيرين لا يمكن قبولهما و يجب إدانتهما باعتبارهما تحقيرا و استهزاءا بمحاوريها و بمن يمثلونهم، ففي 30 أكتوبر 2018 استقبل رئيس الحكومة لجنة عن ممثلي السكان المتضررين بعد أن نظمت جمعيات المجتمع المدني بسوس وقفة احتجاجية أمام البرلمان يوم 26 اكتوبر 2018، و على علة الفريق المحاور و جوابا عن سؤال مشاكل التحديد الإداري للملك الغابوي أجاب السيد رئيس الحكومة أن الملف شائك و معقد و لم يبين أن يكمن التعقيد و لا معنى أنه شائك و هو تقريبا نفس جواب سلفه عبد الإله بنكيران الذي قال أن الملف أكبر منه …

وزير الفلاحة و ….التنمية القروية عند جلسته مع ممثلي الساكنة يوم 29 نونبر 2018 ثلاثة أيام بعد المسيرة الحاشدة لتنسيقيات المجتمع المدني بسوس بالدار البيضاء احتجاجا على نفس الموضوع و نفس المشاكل و بحضور موظفيه المعنيين بهذه الملفات اختزل كل المشاكل في وعده بإعطاء تعليماته للمصالح المختصة للمحاولة من حد الانتشار الكبير للخنزير البري أما الملف الأصل المتعلق بالتحديد الإداري للملك الغابوي فقال هو كذلك بأن الملف شائك و معقد علما أن المندوب السامي للمياه و الغابات و محاربة التصحر لم يكن حاضرا خلال هذا الاجتماع…

يوم 11 دجنبر 2018 استقبل والي جهة سوس ماسة لجنة عن ممثلي الساكنة المتضررين و وعد بوقف هجوم الرعاة الرحل على ممتلكات و أراضي الساكنة و دعا لجنة الحوار لحضور لقاء سينظم بتزنيت يومي 19 و 20 دجنبر بحضور رجال السلطة بجهة سوس ماسة و المنتخبين و ممثلي الإدارات الجهوية و الإقليمية المعنية لتدارس هذه المشاكل …
فالبنسبة للقاء السيد رئيس الحكومة يوم 30 أكتوبر 2018 فما زال المحاورون ينتظرون لقاء السيد وزير الداخلية الذي لا يظهر في الأفق أنه سيكون قريبا و لا يظهر في الأفق كذلك أنه ستكون من ورائه جدوى بعد التطورات التي بدأت تخرج للعلن…

أما لقاء السيد وزير الفلاحة … والتنمية القروية و كذلك لقاء السيد والي جهة سوس ماسة فقد ظهر أنهما لقاءان خارج تغطية المفهوم الجديد للسلطة و الإدارة على السواء و ذلك بعد أن تم تسريب برقية السيد والي جهة سوس ماسة يدعو فيها رؤساء مجالس العمالات و الأقاليم بالجهة لاجتماع يوم 28 دجنبر 2018 للتسريع في تنزيل و تفعيل مقتضيات 13-113 المتعلق بالترحال الرعوي و الرعي …خصوصا التفعيل العاجل للجنة الجهوية للمراعي و ذلك بناء على رسالة السيد وزير الداخلية رقم 11256 بتاريخ 30 نونبر 2018 ( غداة لقاء لجنة الحوار مع وزير الفلاحة) حول تنفيذ آليات الدورية المشتركة رقم 116/د لوزيري الداخلية و الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات بتاريخ 23 نونبر 2018 ولنلاحظ بتمعن التواريخ هنا و خصوصا تاريخ الدورية المشتركة بين الوزيرين وهو 23 دجنبر أي يومان قبل مسيرة الدار البيضاء و (06) ستة أيام قبل جلسة الحوار مع السيد وزير الفلاحة …

وهكذا ومن خلال التواريخ التي كشفتها برقية السيد والي جهة سوس ماسة يتضح أن هذه الحكومة غير مسؤولة و غير جادة و بالتالي غير جديرة بالاحترام ففي كل لقاء لا تفصح أبدا عن نواياها و لا عن إجراءاتها موهمة محاوريها بأنها تستقبلهم لتتباحث معهم في إيجاد الحلول لملفاتهم المطلبية فين حين أنها تطبخ إجراءاتها الفعلية و تسرع من وثيرة سباقها مع الزمن لتنزيل هذا القانون بل إن اللقاء الممتد على مدى يومين تحول للقاء لدراسة و تنزيل القانون 13-113 وقوانينه التنظيمية التي سيتم تنزيلها بمرسوم تفاديا لمناقشتها بالمؤسسة التشريعية حتى قبل أن تصدر بالجريدة الرسمية التي ربما هي في طرقها للنشر بها في غيبة الجميع.

أقف هنا و أعود للقانون 13-113 المشؤوم الصادر في في 27 أبريل 2016 و أعتبره قانونا مدرجا ضمن النموذج التنموي السابق و الفاشل مشمولا بحكم الملك محمد السادس الصادر في هذا الإطار و الذي بالرغم من تحقيقه لمكاسب متعددة إلا أنه نموذج تنموي فاشل غير قادر على الاستجابة و تلبية متطلبات التنمية الشاملة التي تفرضها التحديات الكبيرة التي يواجهها المغرب …

و في هذا الإطار جاء في الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية تحت عنوان “النموذج التنموي المأمول ورهانات العدالة الاجتماعية و المجالية ” بتاريخ 19 فبراير 2018:
( لقد وقفنا في خطابنا الأخير أمام البرلمان، على معيقات نموذجنا التنموي، ودعونا إلى القيام بمراجعة جماعية تعيد النظر فيه.

فقد تبين أن هذا النموذج، الذي ساهم في تحقيق العديد من المكاسب والمنجزات الاقتصادية والاجتماعية الملموسة، لم يعد قادرا على الاستجابة للمطالب والحاجيات المتزايدة للمواطنين، ولا على الحد من الفوارق الاجتماعية و التفاوتات المجالية، وبالتالي على تحقيق العدالة الاجتماعية.

إننا نتوخى من الدعوة لمراجعة هذا النموذج، أكثر من مجرد إصلاحات قطاعية معزولة، إعادة ترتيب بعض الأوراش الاقتصادية والبرامج الاجتماعية.

وإنما نتطلع لبلورة رؤية مندمجة للنموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي ببلادنا، ولمنظومة الحكامة المركزية والترابية، في كل أبعادها، بما في ذلك المنظومة القانونية التي تؤطره؛ رؤية كفيلة بإعطائه دفعة قوية، وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، ومعالجة نقط الضعف والاختلالات، التي أبانت عنها التجربة ) .

كما جاء في نفس الرسالة الملكية:
(….وفي هذا الصدد، نتوجه لكل الفاعلين المعنيين بالتأكيد على: أن المجال مفتوح للجميع للمساهمة بأفكارهم ومقترحاتهم البناءة، بكل حرية وموضوعية، فليس هناك أي حدود أو شروط أمام هذا النقاش الوطني الواسع، في إطار الالتزام بالدستور، واحترام ثوابت الأمة التي ينص عليها )
و كان الملك محمد السادس قد قال في خطابه في سياق متصل بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 2017-2018 :
( ……. وفي هذا الصدد، ندعو الحكومة والبرلمان، ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، كل في مجال اختصاصه، لإعادة النظر في نموذجنا التنموي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد.

إننا نتطلع لبلورة رؤية مندمجة لهذا النموذج، كفيلة بإعطائه نفسا جديدا، وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، ومعالجة نقط الضعف و الاختلالات، التي أبانت عنها التجربة.

وسيرا على المقاربة التشاركية، التي نعتمدها في القضايا الكبرى، كمراجعة الدستور، والجهوية الموسعة، فإننا ندعو إلى إشراك كل الكفاءات الوطنية، والفعاليات الجادة، وجميع القوى الحية للأمة.

كما ندعو للتحلي بالموضوعية، وتسمية الأمور بمسمياتها، دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي.

إننا نريدها وقفة وطنية جماعية، قصد الانكباب على القضايا والمشاكل، التي تشغل المغاربة، والمساهمة في نشر الوعي بضرورة تغيير العقليات التي تقف حاجزا أمام تحقيق التقدم الشامل الذي نطمح إليه.

وإذ نؤكد حرصنا على متابعة هذا الموضوع، فإننا ننتظر الاطلاع عن كثب، على المقترحات، والتدابير التي سيتم اتخاذها، من أجل بلورة مشروع نموذج تنموي جديد.)
فمن خلال نصوص الخطب الملكية و الرسالة الملكية يظهر بوضوح أن الحكومة و الإدارة الترابية في واد و المواطنون بأقاليم سوس في واد آخر أمام عجز نسيج الأحزاب السياسية المتربعة على رأس الجماعات الترابية على إرجاع الأمور إلى نصابها و إعادة طرح هذه المطالب في المؤسسة التشريعية لتنال تغييرات و تعديلات تجعل من القانون 13-113 رافعة حقيقية للتنمية المجالية الشاملة في هذه الاقاليم الممتدة على مساحات جغرافية شاسعة تحددها شجرة الأركان المصنفة تراثا عالميا إنسانيا …. و رأسمالا وطنيا لا ماديا ….
إن ظهير 04 مارس 1925 يحمي هذه الشجرة و يمنح ذوي الحقوق وحدهم و حصريا حق استغلال هذه الشجرة و استغلال الأرض التي توجد عليها ومن خلال سبقية بت هذا الظهير في جغرافية سوس الكبير فإن قانون تنظيم الترحال الرعوي يعتبر باطلا بقوة القانون.

لذلك أجدني مضطرا لإعادة التاكيد على ضرورة عقد مناظرة وطنية حول هذا القانون المشؤوم 13-113 و كل المواضيع ذات العلاقة بالتحديد الإداري للملك الغابوي، و أجد نفسي مضطرا من جديد على كتابة بعض و ليس كل المداخل المبررة لعقد هذه المناظرة الوطنية و ذلك بإعادة كتابة الفقرات الأخيرة من مقالي السابق حول القانون 13-113…

إن الوضع الراهن يحتاج حكمة ورجالا حكماء و كفاءات مقتنعة و متشبعة بالوطنية و الخوف على الوطن و وحدته من كل المنزلقات التي توفرها القوانين التي لم تستحضر البعد الوطني و التنموي و الشعبي و الاجتماعي و هي تنزل قوانين لا تخدم إلا أقلية اغتنت على حساب مآسي الطبقات الوسطى من الشعب المغربي و الخطير في كل هذا كأن كل ما جرى في محيطنا الإقليمي و الدولي منذ 2010 إلى الآن لم يحدث قط و أن المغاربة عامة سيبقون استثناء خالدا.

الموضوع خطير و كبير و يستلزم انكبابا فوريا من طرف كل مؤسسات الدولة المعنية لتدارك الأخطاء و المخارج ليست بالشيء الصعب المنال و إنما تحتاج قرارا سياسيا متبصرا يعطي الاعتبار للأرض و لملكيتها باعتبارها رأسمالا لا ماديا ومقدسا عند كل الأمازيغ و أهالي أو السكان الأصليين بأقاليم سوس الكبير و أعتقد أن الموضوع يستحق إشرافا للمؤسسة الملكية على إجراء مناظرة وطنية تدعى لها كل المؤسسات المعنية ابتداء بالسلطتين التنفيذية و التشريعية و الجماعات الترابية المعنية و كل الأحزاب و المركزيات النقابية الممثلة بالبرلمان بغرفتيه و ممثلي جمعيات المجتمع المدني بأقاليم سوس الكبير و رجال القانون من محامين و أساتذة جامعيين مختصين في القانون و علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا و كل من قد يفيد في إماطة اللثام عن حقيقة الإشكالية لأن المناظرة على هذه الشاكلة هي الكفيلة باختصار الطريق عن الساكنة في إجراء لقاءات و مفاوضات مع كل مؤسسة على حدة … ما يتطلب هدرا كبيرا للوقت و الزمن قد لا ينتظره الوضع القابل للتطور نحو المجهول..

إن عقد ورش وطني حول معضلتي التحديد الإداري للملك الغابوي و القانون 113-13 المتعلق بالترحال الرعوي و المجالات الرعوية و المراعي الغابوية بهدف الوصول لحلول يستمد مشروعيته من إغفال بعض المقتضيات الدستورية و لا سيما:
1 – جاء في الفقرة ما قبل الأخيرة من تصدير دستور 2011
( حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان).

و القانون 113-13 تأسس على منطق تمييزي اختص منطقة جغرافية يحددها التاريخ الاجتماعي و الثقافي و السياسي للمغرب قبل أن تحددها الجماعات الترابية كجهات أو أقاليم.

الفصل 13 من الدستور
( تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها)
و هو ما لم يحصل قط في نازلة الحال المتعلقة بإعداد هذين القانونين و لا المراسيم السالفة الذكر.

الفصل 152
( للحكومة و لمجلس النواب و لمجلس المستشارين أن يستشيروا المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي في جميع القضايا، التي لها طابع اقتصادي واجتماعي و بيئي.
يدلي المجلس برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة).

و في هذا الخصوص بحثت في أرشيق إصدارات المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي و لم أجد أثرا لرأي هذه المؤسسة الدستورية حول هذين القانونين و أتمنى صادقا أن أكون قد أخطأت.

الفصل 161
(المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال).

وفي باب هذا الفصل أعتقد أن رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة دستورية رأي ضروري على اعتبار أن موضوع هذه القوانين الجائرة يمس الحقوق الفردية و الجماعية الاقتصادية و الاجتماعية لمواطني المملكة المغربية من ساكنة أقاليم سوس و لأن للقانونين طابعا تمييزيا صرفا.
الفصلان 136 و 140
– الفصل 136
(يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة)
– الفصل 140
( للجماعات الترابية، وبناء على مبدإ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.
تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها).

و يبقى هذان الفصلان من دستور سنة 2011 مفتاحي حلحلة القانونين بعد منع الترحال الرعوي عبر التراب الوطني و حصر الأنشطة الرعوية في محيطها المحلي، و تصفية النزاع حول الأراضي و أملاك الساكنة الأصلية المتنازع عليها، على أساس نقل اختصاصات وزارة الفلاحة في هذا الباب للجماعات الترابية انطلاقا من توجه المملكة المغربية إلى سن سياسة اللامركزية و عدم التركيز و على أساس جماعات ترابية منتخبة بطريقة ديمقراطية و نزيهة و شفافة تعمل مبدأ المقاربة التشاركية في كل المناحي التي تهم التنمية المجالية المستدامة و المندمجة وفق العرف القبلي في المناطق التي ما زال يسود فيها كمؤسسة اجتماعية…

و قبل هذا على السيد وزير الفلاحة أن يفي بوعده الذي قدمه سنة 2013 بغرفة الفلاحة بأكادير حيث التزم بإنشاء مراعي لفائدة مربي الماشية و الإبل بأقاليمنا الصحراوية المسترجعة على مساحات تضاهي 700.000 ( سبعمائة ألف هكتار ) قبل أن يصدر هذا القانون المشؤوم و لو كان ذلك حصل أو حصل جزء منه لكنا في غنى عن أكثر من ثلثي هذه المشاكل التي تهدد الأمن و السلم الاجتماعي و الأهلي ليس بسوس..

وأختتم هذه الحلقة حول القانون المشؤوم 13-113 بهذه الفقرة من الرسالة الملكية للمشاركين في الدورة الثالثة للمنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية تحت عنوان “النموذج التنموي المأمول ورهانات العدالة الاجتماعية و المجالية ” بتاريخ 19 فبراير 2018:
( إننا نتوخى من الدعوة لمراجعة هذا النموذج، أكثر من مجرد إصلاحات قطاعية معزولة، إعادة ترتيب بعض الأوراش الاقتصادية والبرامج الاجتماعية، وإنما نتطلع لبلورة رؤية مندمجة للنموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي ببلادنا، ولمنظومة الحكامة المركزية والترابية، في كل أبعادها، بما في ذلك المنظومة القانونية التي تؤطره؛ رؤية كفيلة بإعطائه دفعة قوية، وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، ومعالجة نقط الضعف والاختلالات، التي أبانت عنها التجربة ).

إن المنظومة القانونية كما جاء في هذه الفقرة من الرسالة الملكية بخصوص القانون 13-113 و ظهائر و مراسيم التحديد الإداري للملك الغابوي تحتاج كلها فعلا لمراجعة حتى ترتقي لمستوى الرؤية المندمجة للنموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي ببلادنا، ولمنظومة الحكامة المركزية والترابية، في كل أبعادها، بما في ذلك المنظومة القانونية التي تؤطره…

و إن السبيل الأنسب لتحقيق ذلك سيكون مناظرة وطنية لربط هذه المناطق بتنمية مجالية و بشرية شاملة و مندمجة و مستدامة بعيدا عن ديكتاتورية العبث التي تمارسها الحكومة و الإدارة المغربيتان في تعاملهما مع مطالب ساكنة و ذوي الحقوق بأقاليم سوس الكبير…

طنجة في 19/12/2018

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *