نظم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بتعاون مع سفارة أوكرانيا بالمملكة المغربية، معرضًا ثقافيًا وفنيًا بارزًا تحت عنوان “حديقة المطرزات” للفنانة الأوكرانية ألكسندرا تيليزينكو. أقيم هذا المعرض في الفترة ما بين 13 و15 نونبر 2024، وشهد يوم الأربعاء 13 نونبر انطلاق فعالياته عند الساعة الثالثة بعد الزوال. كان المعرض فضاءً إبداعيًا وحضاريًا مميزًا جمع بين التقاليد والفنون الأمازيغية والأوكرانية، ليقدم نموذجًا حيًا لتلاقي الثقافات وتفاعلها الإيجابي عبر الفن.
فن الطرز: حكاية التراث الأوكراني بلمسة عصرية
تميزت أعمال الفنانة ألكسندرا تيليزينكو بتقديم رؤية إبداعية لفن التطريز التقليدي الأوكراني، حيث جمعت بين التقنيات القديمة والحرفية اليدوية الدقيقة وبين الأشكال والأفكار الحديثة التي أضفت على أعمالها طابعًا معاصرًا. استطاعت تيليزينكو، من خلال مجموعتها المدهشة، أن تأسر أنظار الزوار بما قدمته من أعمال تنبض بالألوان الزاهية والرموز الهندسية المعقدة، التي تروي كل منها حكاية متجذرة في التراث الأوكراني.
وأوضحت تيليزينكو، خلال المعرض، أن استلهامها الأساسي يأتي من التراث الأوكراني الغني بالأقمشة والألوان والرموز التي تعبر عن ثقافة شعبها عبر القرون. ترى الفنانة أن كل قطعة تطريز ليست مجرد عمل فني بل وسيلة لنقل القصص التاريخية والتقاليد الشعبية، وربط الماضي بالحاضر. كما كشفت عن اهتمامها الخاص بدراسة أوجه التشابه بين الزخارف الأوكرانية التقليدية ونظيرتها الأمازيغية، وهو ما انعكس بوضوح في أعمالها الفنية، ليشكل بذلك بعدًا ثقافيًا فريدًا يبرز أهمية التبادل الثقافي في إثراء الفنون.
المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية: منارة للتفاعل الثقافي
في كلمته خلال افتتاح المعرض، أكد عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أحمد بوكوس، أن هذه التظاهرة تندرج في إطار الأنشطة الإشعاعية التي ينظمها المعهد بشكل منتظم، بهدف الاحتفاء بالموروث الثقافي الأمازيغي وتعزيز الحوار الثقافي مع الشعوب الأخرى.
وأبرز بوكوس أهمية الفن كوسيلة للتواصل بين الحضارات المختلفة، مشيرًا إلى أن المعهد يسعى باستمرار إلى التعريف بالثقافة الأمازيغية على المستوى الدولي، وتعزيز قيم الانفتاح والتنوع الثقافي.
كما أشار بوكوس إلى أن التفاعل بين الثقافتين الأمازيغية والأوكرانية في هذا المعرض يعكس عمق القيم الإنسانية المشتركة التي تظهر في الحرف اليدوية والتطريز التقليدي، حيث يتجلى الإبداع في أدق تفاصيل هذه الأعمال الفنية، ما يجعلها جسرًا بين الماضي والحاضر وبين الثقافات المختلفة.
التبادل الثقافي: جسور تربط الشعوب عبر الفنون
من جانبه، عبر سفير أوكرانيا لدى المغرب، سيرجي ساينكو، عن شكره وامتنانه للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على تنظيم هذا المعرض الذي يعكس عمق العلاقات الثقافية بين المغرب وأوكرانيا. وأشاد السفير بمستوى الأعمال المعروضة، مؤكدًا أن الفن يمثل لغة عالمية يمكنها أن تعزز التفاهم والتقارب بين الشعوب.
وأضاف ساينكو أن المعرض يشكل فرصة مميزة للتعريف بالتراث الأوكراني، الذي يتقاطع في عدة جوانب مع التراث الأمازيغي، وخاصة من حيث الحرف اليدوية والتطريزات التي تعتمد على الرمزية الهندسية الغنية. كما أكد أن هذا النوع من التبادل الثقافي يعزز من العلاقات الثنائية ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين البلدين.
فعاليات مرافقة: تجربة غنية بتفاصيل الفن الأصيل
إلى جانب عرض اللوحات المطرزة، شهد المعرض عرض أزياء أوكراني تقليدي تميز بتقديم ملابس مزينة بتطريزات يدوية تعكس براعة الحرفيين الأوكرانيين. وكانت هذه التصاميم بمثابة نافذة على التنوع الكبير في الأزياء التقليدية الأوكرانية، التي تجمع بين جمال الشكل ودقة التنفيذ.
كما تم عرض لوحات فنية مطرزة تعبر عن الرموز الهندسية التي تلعب دورًا أساسيًا في الحرف التقليدية الأوكرانية. وقد أتاح ذلك للزوار فرصة للاستمتاع بجمالية الفنون اليدوية واكتشاف القيم الفنية المشتركة بين الثقافتين الأمازيغية والأوكرانية.
الفن كوسيلة للحوار والتفاهم
كان معرض “حديقة المطرزات” بمثابة احتفاء بالفن الأوكراني وفي الوقت ذاته دعوة للتأمل في أهمية الحفاظ على التراث الثقافي بمختلف أشكاله. ومن خلال هذه الفعالية، أثبت المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مرة أخرى أنه ليس فقط مركزًا للحفاظ على التراث الأمازيغي، بل أيضًا منصة لتعزيز التفاعل الثقافي العالمي.
لقد أتاح المعرض فرصة للزوار للتعرف على أبعاد جديدة للإبداع الفني، حيث تمثل هذه الفعاليات جسرًا بين الثقافات المختلفة، تُبرز التنوع الذي يجعل من المغرب ملتقى حضاريًا عالميًا. كما يعكس هذا الحدث قدرة الفنون على تخطي الحواجز وتعزيز الفهم المتبادل بين الشعوب.
ختام المعرض: احتفاء بالفن والتراث
اختُتم معرض “حديقة المطرزات” وسط إشادة واسعة من الحضور، الذين أعربوا عن إعجابهم بما قدمته الفنانة تيليزينكو من أعمال جسدت التراث الأوكراني برؤية فنية مبتكرة. وفي الوقت ذاته، شكل هذا الحدث فرصة لتعزيز مكانة الثقافة الأمازيغية وإبراز دورها كجزء أساسي من الهوية المغربية المتنوعة.
يبقى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، من خلال تنظيم مثل هذه الفعاليات، منصة حيوية للحوار بين الثقافات، ومنارة تُضيء سبل التفاعل بين الحضارات المختلفة، في سبيل تحقيق فهم أعمق لقيم الإبداع الإنساني وتعزيز التواصل الثقافي عالميًا.
أميمة تثريت الكايسي ) متدربة)