عدم التمكن من تحقيق التعميم الأفقي لتدريس اللغة الأمازيغية بسلك التعليم الابتدائي من العراقيل التي ينبغي أن تجد حلا عاجلا
قام المركز الذي تديرونه، بمجموعة من الدراسات الميدانية حول الممارسات التَّعَلُّمِيَّة في اللغة الأمازيغية، لتقويم التحصيل الدراسي في هذا المجال. فماهي الغاية وراء هذه الدراسات؟
بداية، لابد من تقديم الشكر الوافر لكم الأستاذ محمد مخليص على هذه المبادرة الحميدة التي دأبتم على القيام بها كلما استجد مستجد في مجالي النشر والطبع بمؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، غايتكم في ذلك، بطبيعة الحال، هي التعريف بهذه المستجدات ونشر المعرفة التي تنتجها هذه المؤسسة الوطنية التي تعتبر رائدة في مجال تخصصها واشتغالها.
أما فيما يتعلق بسؤالكم، فكما تعلمون من المهام المنوطة بمركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية “إعداد البرامج البيداغوجية وعُدة التكوين الخاصة بمختلف الفاعلين في مجال التربية والتكوين، والمساعدة على تكوين الموارد البشرية المؤهلة، بتنسيق وتشارك مع المؤسسات المعنية. كما يعمل على المساهمة في القيام بأبحاث في مجال الديداكتيك والبيداغوجيا والأندراغوجيا وتنظيم لقاءات علمية (تداريب، مناظرات ومنتديات، أيام دراسية ولقاءات…)، ووضع هندسة التكوين، وإعداد المعينات البيداغوجية والأندراغوجية من أجل تدريس اللغة والثقافة الأمازيغيتين”.
وبالتالي، فإن هذا المركز الذي أتشرف اليوم بمسؤولية إدارته، بعدما تقلدها بسبق زمني مني ثلة من الأساتذة الأفاضل الذين قدموا الكثير للبحث العلمي بهذا المركز، وهذه فرصة لنتقدم بالشكر الوافر لهم منهم الأستاذ امحمد البغدادي وعبد السلام خلفي (الذي ما يزال يشتغل معنا حاليا)، وقبلهم الأستاذ بودريس بلعيد تغمده الله بواسع رحمته. دون إغفال ثلة من الباحثات اللواتي زاولن مهامهن بذات المركز ونذكر منهن الأستاذة فاطمة أكناو والأستاذة هنو لعرج والأستاذة مريم الدمناتي. قلت هذا المركز اشتغل في هذا الاتجاه، وضمن الخطة الاستراتيجية العامة للمعهد، على جملة من المشاريع البحثية شملت تلك المجالات التي أشرت إليها سلفا، ونتج عن ذلك الاشتغال القيام ببعض الدراسات الميدانية التي حاولت الإجابة عن بعض الأسئلة التي كانت مطروحة، سواء تعلق الأمر بأبجدية تفيناغ والتعلم بواسطته، أو بدرجة تحصيل المتعلمين والمتعلمات، أو بالممارسة التعليمية للمدرسين. فكانت الحصيلة في هذا المجال طبع ونشر ثلاث دراسات كانت آخرها تلك الموسومة ب: “الممارسات التعليمية في اللغة الأمازيغية: دراسة ميدانية” وهي من منشورات دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط. ساهم في إنجاز هذه الدراسة كل الباحثات والباحثين العاملين بالمركز بتعاون مع السيدات والسادة الأساتذة الممارسين بالمؤسسات التعليمية التي شملتها الدراسة بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الست التي شكلت مجتمع الدراسة. وجوابا على سؤالكم فغايات هذه الدراسات الميدانية كما أسلفت هي تقديم بعض عناصر الإجابة عن الأسئلة التي تطرح بخصوص بعض القضايا المرتبطة بتدريس اللغة الأمازيغية عموما وبدرجة تحصيل المتعلمين؛ بحيث إن الدراستين السابقتين اللتان أنجزتا قبل هذه الدراسة الأخيرة كانت الغاية من الأولى معرفة درجة تمكن المتعلمين والمتعلمات من الكتابة والقراءة بتوظيف حرف تفيناغ والتي خلصت إلى أن الصعوبات المسجلة على مستوى التعلمات لا ترتبط أساسا بالحرف في حد ذاته، أما الثانية فكانت غايتها معرفة درجة التحصيل لدى المتعلمات والمتعلمين بالمستويين الرابع والسادس من مهارة القراءة، فاستهدفت بذلك تقويم مكوني القراءة والتعبير الكتابي وقدمت معرفة علمية عن درجة التحصيل في علاقتها بمختلف المتغيرات الأكثر تأثرا في تفسير النتائج والتي منها تلك المتغيرات ذات الصلة بالأستاذ، والتي انتهت إلى أن مردودية المتعلمين في شق منها يمكن تفسيرها بمدى تمثل الأستاذ لمنهاج اللغة الأمازيغية وللمقاربة الديداكتيكية المعتمدة في التدريس. لهذا جاءت هذه الدراسة الُثالثة الأخيرة بغاية بناء معرفة موضوعية عن الممارسات التعليمية لدى مدرسي اللغة الأمازيغية، وكذا تعزيز مكانة هذه اللغة من خلال تأهيل مواردها البشرية ومعرفة مكامن القوة والضعف في ممارساتهم التعليمية.
ما هي المنهجية التي اعتمدها المركز للقيام بهذه الدراسات والتقييمات؟
حري ذكره في هذا الإطار أن المركز يعتمد المنهجية العلمية المتعارف عليها في مجال إنجاز الدراسات الميدانية في مجال التقويم. وبالتالي، فالمنهجية المعتمدة في القيام بهذه الدراسات التقويمية لا تحيد عن هذا النهج؛ بحيث يتم أولا تحديد مجال التدخل وحصر أسئلة الدراسة، بعدما يكون الهدف منها محدد بشكل واضح، ثم تأتي مرحلة انتفاء وتحديد الإطار النظري الذي يمكن ويسمح بتناول الموضوع والإجابة عن تساؤلاته، بعد ذلك تأتي عملية تحديد مجتمع الدراسة وعينتها، ثم يتم الانتقال إلى بناء أدوات تجميع المعطيات وإعدادها ثم تجريبها قبل الانتقال إلى الميدان لتجميع المعطيات، بعد ذلك يتم تفريغ المعطيات ومسكها ثم معالجتها وقراءتها.
بعد هذه العمليات يتم إعداد الدراسة من خلال التناول الإحصائي للمعطيات وقراءتها في ضوء ما يتيحه الإطار النظير الذي تمت الانطلاقة منه، بعد ذلك تأتي عملية إنجاز الدراسة من خلال صياغة تقريرها العام، وإعدادها لتكون جاهزة للطبع والنشر. إنها عمليات مضنية وتستغرق وقتا طويلا، كما تتطلب تركيزا ومجهودا استثنائي.
ما هي المكونات التي استهدفتها الدراسات؟
بالنسبة للمكونات التي استهدفتها هذه الدراسات الثلاث، فهي تلك التي تمحورت عليها أسئلة متعددة منذ بداية تدريس اللغة الأمازيغية كما أسلفت، وتتمثل أساسا في أنشطة القراءة والكتابة والتعبير الكتابي وفي مستويات تعليمية متباينة بسلك التعليم الابتدائي.
إذن، كيف تقيِّمون عملية تعليم وتعَلُّم اللغة الأمازيغية في المدرسة العمومية، استنادا إلى هذه الدراسات؟
انطلاقا من نتائج الدراسات التقييمية الثلاثة التي أنجزت على مستوى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بخصوص عملية تعليم وتعلم اللغة الأمازيغية، يمكن القول بأن الاشتغال في هذا الورش الوطني حقق جملة من المكاسب على مستويات عدة منها ما يتصل بإعداد العدة البيداغوجية وكل الأدوات الديداكتيكية التي من شأنها مساعدة المدرس على القيام بمهامه، وكذا الدعامات الديداكتيكية التي من شأنها تيسير عملية التدريس، وتوفير موارد رقمية مهمة مساعدة على التعليم، ومنها كذلك ما يرتبط بتمكين الممارسين من الاستفادة في تكوينات عدة منها ما هو أساسي ومنها ما هو مستمر أو عن طريق المصاحبة.
وتبقى هذه المجهودات المحمودة كلها مهمة، غير أنها غير كافية بالنظر إلى أثرها على أرض الواقع ولدى المتعلمين والمتعلمات الذين ساعفهم الحظ في تعلم هذه اللغة في مستوى من مستويات التعليم الابتدائي، أو في كل مستوياته، إذا ما استحضرنا أن التعميم الأفقي لتدريس اللغة الأمازيغية بسلك التعليم الابتدائي لم يتحقق بعد، ناهيك عن تعميمها العمودي. وبالتالي، ينبغي مضاعفة هذه الجهود والبحث في أساليب مبتكرة لتحقيق هذا التعميم الذي استغرق أكثر من عقدين من الزمن دون أن يتم ذلك على حساب الجودة في التعلمات.
ما هي الاكراهات والعراقيل التي تواجهها عملية تعليم وتعَلُّم اللغة الأمازيغية؟ وهل من حلول.
بالنظر إلى ما ورد في السؤال السالف (رقم: 4)، يمكن القول بأن عدم التمكن من تحقيق التعميم الأفقي لتدريس اللغة الأمازيغية بسلك التعليم الابتدائي من العراقيل التي ينبغي أن تجد حلا عاجلا لنتمكن من التفكير في التعميم العمودي والانتقال بتدريس اللغة الأمازيغية من سلك التعليم الابتدائي إلى سلك التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي.
من العراقيل التي تتطلب هي الأخرى تشخيصا علميا وتقديم أجوبة علمية موضوعية مسألة الغلاف الزمني المخصص لتدريس اللغة الأمازيغية الذي لا يتجاوز ثلاث ساعات في الأسبوع بالنسبة للسنوات الست من التعليم الابتدائي وهو غلاف زمني أقل ما يمكن ملاحظته بشأنه وبالعين المجردة هو أنه لا يحترم مبدأ مهما في علوم التربية هو مبدأ التدرج. أي أننا لا يمكن تخصيص نفس الغلاف الزمني للتدريس في كل السنوات الست بسلك التعليم الابتدائي. بالإضافة إلى مشكل آخر تم الوقوف عليه وتشخصية خلال الدراسة الثانية المشار إليها أعلاه، والمرتبط بعدم انتظامية تدريس اللغة الأمازيغية بالمؤسسات التعليمية التي تدرس بها وذلك راجع إلى مجموعة من الأسباب.
أخيرا لا يسعني إلا أن أشكركم على إتاحتنا هذه الفرصة للتعريف ببعض منجزات المعهد، ونتمنى أن تجد جملة من التوصيات المقترحات الواردة في هذه الدراسات طريقها إلى التنزيل، وأن يلتفت أصحاب القرار إيها وأخذها بعين الاعتبار، خاصة في هذه الظرفية التي تتسم بنوع من الديناميكية على مستوى تدريس اللغة الأمازيغية تفعيلا لمقتضيات القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
أجرى الحوار ذ. محمد مخليص