1- تحديد ووصف الموقع:
“أمّْلن” اسم تحمله جماعة ترابية تنتمي إداريا إلى دائرة “تافراوت”، بإقليم “تيزنيت” من جهة “سوس – ماسة”. وهذه الجماعة تحدها شمالا جماعتا “تانالت” (إقليم شتوكة)، و”سيدي مزال” (إقليم تارودانت)، وجنوبا بلدية “تافراوت” وجماعة “تاسريريت” (إقليم تيزنيت)، وشرقا جماعة “أيت عبلا” (إقليم تارودانت)، وغربا جماعة “إريغ ن تهالا” (إقليم تيزنيت).
وتقع هذه الجماعة بين جبال الأطلس الصغير، وتمتد أراضيها على كل من حوض “أمّْلن” وما والاها من جبال “لكست”، وعلى منطقتي “أيت أومزيل” و” أيت أوسيم”.
وعلى الرغم من احتلال جماعة “أمّْلن”، كما هي محددة إداريا، لكل الأراضي المذكورة، إلا أن المقصود بالاسم الجغرافي “أملن” عند إطلاقه لدى ساكنة المنطقة هو بالخصوص حوض “أمّْلن”.
وتمتد أراضي “أمّْلن” بهذا التحديد من جبال “إيخف ييفيلو” التي تشكل حدودها الشرقية، إلى أراضي “أيت أومزيل” و”تاهالا” المشتركتين لحدودها الغربية، وهي متاخمة شمالا لجبال “لكست” ومسامتة جنوبا لمجموعة من الجبال الموازية لجبال “لكست” والأقل ارتفاعا منها.
ويخترق هذه الأراضي “واد أمّْلن” أو “أسيف ن وامّْلن” وروافده التي من أهمها “واد تافراوت” و”واد أزرفتون” و”واد أݣلز”. وتجري مياه هذا الواد من الشرق حيث منابعه الرئيسية في اتجاه الغرب الذي تنحدر إليه أرضي هذا الحوض.
وينتشر في حوض “أمّْلن” عدد مهم من العيون، تنبع كلها من جبال “لكست”، وتوجد جميعها في الضفة الشمالية لوادي “أمّْلن”. وهي تشكل، بالإضافة إلى المياه الجوفية التي تستخرج من خلال الآبار المنتشرة في المنطقة، الموارد المائية الأساسية التي تقوم عليها الحياة في هذا الحوض، وعليها يعتمد النشاط الفلاحي في السواقي المنتشرة على امتداده.
2- الأسماء التي تطلق على المنطقة/الموقع:
أ) أمّْلن: هي التسمية التي تعرف بها المنطقة بين سكانها ولدى غيرهم، وربما قد لا نحتاج إلى الاستدلال على ذلك بالوثائق أو ما إليها، إذ ما تزال هي التسمية الجارية على ألسنة هؤلاء إلى يومنا هذا.
ب) تيمّْلت: تردد إطلاق هذا الاسم على المنطقة في عدد من المؤلفات، أهمها كتابات المختار السوسي(1). وإليه كان ينسب كل منتم إلى المنطقة، فيدعى “التّيمّْلي”. ولهذا الاسم المنسوب حضور في عدد من المؤلفات وفي عقود المعاملات والوثائق الأسرية الخاصة التي ما تزال محفوظة في أرشيفات سكان المنطقة.
ج) إدوتيمّْلت: وردت هذه التسمية في ديوان قبائل سوس لإبراهيم بن علي الحساني(2)، ولم نجد لها ذكرا في غيره من المؤلفات ولا في ما تأتى لنا الاطلاع عليه من الوثائق المحلية، كما لم نسمع بإطلاقها على المنطقة من طرف الساكنة المحلية أو غيرها.
3) ما كتب في معنى “أمّْلن”:
تناول معنى “أمّْلن” في ما اطلعنا عليه من المؤلفات التي اهتمت بالمنطقة كتابان؛ أولهما تحت عنوان “كشف الغطاء عن أمّْلن وما فيه من العظماء” لصاحبه أحمد بن امحمد بن الطيب أحوزي الجشتيمي التمّْلي، وثانيهما تحت عنوان “تافراوت ومدرستها العتيقة في ذاكرة التاريخ” لكاتبه الحسن بن الحسين توفيق.
ويقدم هذان المؤلفان معا عن معنى “أمّْلن” ما رأيا أنه منتشر في صفوف الساكنة المحلية على أنه تفسير لإطلاق هذه التسمية على المنطقة، ولقد أوردا معا ثلاثة تفاسير مختلفة، وهي:
أ) الرواية الأولى: وهي الشائعة بين الناس في تفسير معنى “أمّْلن”، هي “أن الشيخ سيدي امحمد بن إبراهيم التامانارتي لما كان ساكنا في قبيلة “أمّْلن”، اقترح عليه أهل تلك القبيلة أن يريهم عينا ينتفعون بها وله شرط في سقيها، ثم لما تر الماء وتدفقت الجداول خاسوا بالعهود فغضب فوقف على العين فقال لها: إنني منتقل إلى (تامانارت) فانتقلي معي، فكان ذلك سبب أن تبجست عين “تيمّْلت” هناك.”(3)
ولقد شكك الكاتبان، كما سبقهما إلى ذلك المختار السوسي في صحة هذه الرواية، وذلك لمخالفتها للطبيعة وللمعطيات التاريخية الخاصة بالمنطقة.
وفي نظرنا يبدو أن هذه الحكاية، بغض النظر عن صحتها أو خطئها، لا علاقة لها بتفسير معنى “أمّْلن”، إذ ما تقدمه بشكل واضح هو سبب تسمية عين “تيمّْلت” بتامانارت بهذا الاسم.
ب) الرواية الثانية: تقول بأن المنطقة سميت “أمّْلن” لكونها تقع على عين باطنية اسمها “تيمّْلت” آتية من بلاد تونس وتخرج في “تامانارت”، وتمر بجوف أرض منطقة “أمّْلن”، وهي مصدر العيون التي يقوم عليها الاستقرار بها منذ القدم.(4)
يبدو أن صحة هذا التفسير من عدمها متوقفة على إثبات على وجود عين “تيمّْلت” المذكور أنها قادمة من تونس، من طرف مختصين في الهيدروغرافيا وما إليها من التخصصات العلمية والتقنية ذات الصلة بها.
ج) الرواية الثالثة: يقال أن “أمّْلن” سميت بهذا الاسم لشدة تأمل أهلها(5). وهذا التفسير في اعتقاد صاحب كتاب “كشف الغطاء عن أملن وما فيه من العظماء” هو الأقرب لديه إلى المسلم به، على الرغم من اعتماده في تبرير ذلك على رواية تبدو خرافية ومن بنات الألسنة.
ومن جهتنا، نلاحظ على هذا التفسير أنه يفصل التسمية “أمّْلن” عن واقعها اللغوي الذي هو أمازيغي بحكم أمازيغية البيئة المتداول فيها.
4) مساهمة في تفسير الاسم “أمّْلن”:
أ) “أمّْلن” لغويا:
تنطق الساكنة المحلية وغيرها من سكان المناطق المجاورة باسم المكان “أمّْلن” مبتدئا بهمزة مفتوحة، يليها حرف ميم ساكن ومشدد، وبعده لام ساكن، وفي آخره نون ساكن.
وكما يطلق هذا الاسم علما على المنطقة، فإنه يطلق أيضا على سكانها، فيدعون بدورهم “أمّْلن”، والفرد منهم يدعى “إمّْل”.
ويدل هذا على أن الاسم “أمّْلن” هو في صيغة الجمع المذكر، وأن مفرده “إمّْل”، وذلك طبقا لقواعد اللغة الأمازيغية التي تخضع لها الجموع المماثلة له في ابتدائها بالهمزة المفتوحة، وانتهائها بالنون الساكن، والتي مفردها يبتدئ بهمزة مكسورة. وكأمثلة على ذلك: إسك/أسكيون؛ إلض/ألضن؛ إر/ أريون؛ إرݣ/أرݣن وغيرها.
وحسب ذات القواعد، فإن الاسم “تيمّْلت” الذي رأينا أنه من بين الأسماء التي تطلق على المنطقة، هو المفرد المؤنث لـ”أمّْلن” أو صيغة تصغير له، لحمله علامة تأنيث المفرد التي هي أيضا علامة التصغير، والتي تتمثل في حرف التاء المضاف في أول المفرد المذكر وفي آ خره.
ب) محاولة لتفسير الاسم “أمّْلن”:
سنحاول المساهمة في تفسير معنى الاسم “أمّْلن” من خلال تقديم ما تيسر لنا جمعه، في المنطقة ونواحيها، من معطيات مختلفة ذات صلة بالموضوع، وكذا من خلال بعض الفرضيات التي وضعناها بناء على هذه المعطيات. وهي كما يلي:
– إن المفردة “أمّْلن” لم تعد تستعمل في اللغة الأمازيغية المحلية إلا للدلالة على المنطقة الحاملة لها كاسم علم خاص بها، كما هي محددة آنفا. وإنا خلال بحثنا هذا، لم نقف لهذه المفردة على دلالة لغوية يمكن الاستناد إليها باطمئنان لتفسير معنى التسمية “أمّْلن”. وإن كان أحد مستجوبينا قد أخبرنا بأن هذه المفردة يقصد بها لغويا، المكان الغني بالمياه الجوفية، فإننا لا نستطيع الأخذ بذلك لعدم تردده لدى غيره ممن التقينا بهم من ساكنة المنطقة حول الموضوع.
لم يكن هذا المعطى عديم الأهمية بالنسبة إلينا، إذ كان وراء إثارة انتباهنا إلى احتمال وجود علاقة تربط إطلاق اسم “أمّْلن” على المنطقة بالماء.
– يعد حوض “أمّْلن” منطقة غنية بالمياه الجوفية كما ذكرنا آنفا. ففيه من الآبار عدد مهم جدا، وقد لا نبالغ إن قلنا أن لكل أسرة من أسر المنطقة بئرها الخاص بها، وهي منتشرة في كل أرجاء هذا الحوض؛ وبعضها ما يزال مستغلا إلى يومنا هذا، والبعض الآخر توقف استغلاله لسبب من الأسباب.
وينتشر في حوض “أمّْلن” أيضا عدد من العيون، كلها تنبع من جبال “لكسّْت” الواقعة في شمال هذا الحوض، وهي تقريبا بعدد المداشر المتواجدة في الضفة الشمالية لوادي “أمّْلن”. وبدورها منها عيون ما تزال تؤدي وظيفتها إلى اليوم، ومنها ما توقف استغلاله.
– ومن العيون الموجودة في حوض “أمّْلن”، عين تحمل اسم “تيمّْلت”، توجد بين دواري “أسݣّاور” و”تانضيلت”. وحسب ساكنة المنطقة، هي تلك العين الناضبة التي نسجت حولها الحكاية الآنف ذكرها.
وكما سبق وذكرناه، فاسم العين “تيمّْلت” هو من بين الأسماء التي تدعى بها المنطقة حسب ما جاء في عدد من المصادر التاريخية ومن الوثائق المحلية.
وعندما توصلنا إلى وجود هذه العين، وبهذا الاسم في منطقة “أمّْلن”، ولوجود عين أخرى تحمل ذات الاسم في منطقة “تامانارت”، كبرت آمالنا في أن نجد في الذاكرة المحلية معنى ما لهذا الاسم يقودنا إلى تفسير معنى الاسم “أمّْلن”، ولذلك أجرينا عدة مقابلات مع عدد من الأفراد في منطقة “أمّْلن”، كما انتقلنا إلى منطقة “تامانارت” لذات الغرض. وكانت نتيجة هذه المقابلات أن “تيمّْلت” هي أيضا من المفردات التي لم تعد تحمل في اللغة المحلية دلالة لغوية، واستعمالها يقتصر على كونها اسم علم على العينين المذكورتين.
إن هذه المعطيات، وإن لم تستطع أن تحملنا إلى ضبط معنى الاسم “أمّْلن”، فإنها قادتنا إلى وضع الفرضيات الآتية، والتي نأمل أن نكون قد ساهمنا بها، على الأقل في لفت الانتباه إلى البحث في الموضوع، وهي كما يلي:
– ربما قد تكون المفردة “تيمّْلت” تعني العين في اللغة الأمازيغية، واختفت دلالتها اللغوية في الذاكرة المحلية، وبقيت تستعمل كاسم علم على العين المذكورتين آنفا؛ عين “تيمّْلت” بتامانارت وعين “تيمّْلت” بأمّْلن.
– وربما في فترة تاريخية معينة، كان الاسم “تيمّْلت” بمعنى العين يطلق على “أمّْلن”، مثلها مثل غيرها من المناطق التي تعرف بمرادفات العين باللغة الأمازيغية، من قبيل “أغبالو” و”تاهالا” وما إليها. وهذا ربما لكون “تيمّْلت” أو العين الموجودة في المنطقة كانت هي مورد الماء الأول الذي اكتشف فيها وكان سببا للاستقرار فيها.
– وربما لما ازداد عدد اكتشافات العيون بالمنطقة، أصبحت تعرف باسم “أمّْلن” الذي هو صيغة الجمع المذكر لـ”تيمّْلت”، وذلك للدلالة على كثرة العيون فيها، أو وفرة المياه بها أو ما إلى ذلك.
هذه الافتراضات، سنحاول في القادم من الأيام أن نعمل على مواجهتها بقوة لتفنيدها، أملا في أن تقودنا هذه المواجهة للوصول إلى ما يخفيه هذا الموضوع من خبايا وأسرار. ونتمنى أن نجد من المصادر ما يسعفنا في خوض غمار هذا التحدي.
الهوامش:
1) محمد المختار السوسي: المعسول، ج17، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1961، وغيره.
2) إبراهيم بن علي الحساني: ديوان قبائل سوس في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي، تحقيق عمر أفا، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1989، ص16.
3) الحسن بن الحسين توفيق: تافراوت ومدرستها العتيقة في ذاكرة التاريخ، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2015، ص16.
أحمد بن امحمد بن الطيب أحوزي الجشتيمي التملي: كشف الغطاء عن أملن وما فيه من العظماء، مطبعة سليكي أخوين، طنجة، ط1، يونيو 2013، ص8.
4) المرجعين نفسهما.
5) المرجعين نفسهما.
المراجع:
1) الحسن بن الحسين توفيق: تافراوت ومدرستها العتيقة في ذاكرة التاريخ، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2015.
2) أحمد بن امحمد بن الطيب أحوزي الجشتيمي التملي: كشف الغطاء عن أملن وما فيه من العظماء، مطبعة سليكي أخوين، طنجة، ط1، يونيو 2013.
3) محمد المختار السوسي: المعسول، ج17، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1961.
4) إبراهيم بن علي الحساني: ديوان قبائل سوس في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي، تحقيق عمر أفا، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1989.
5) مجموعة من المؤلفين: مدخل إلى اللغة الأمازيغية، سلسلة الترجمة – 19، مركز الترجمة والتوثيق والنشر والتواصل، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مطبعة كانا برنت، الرباط، 2006.