عادل الزبيري
جلست أخيرا قبالة المحيط الأطلسي، حملت ألمي في ركبتي، وغادرت سرير الألم، بحثا عن حمام شمس من الأمل.
بقيت أمامي سنتين اثنتين، لأدخل الأربعين من العمر، أقترب من مغادرة مرحلة الشباب، إلى “من الكبر عُتيا”.
ولكنني لا زلت أخطط لأشياء كثيرة في حياتي، ولا زلت أردد عبارتي: “وجودي في هذه الحياة، لم يأتي عبثا، ولكن من أجل هدف كبير جدا”.
قررت أن أصطف مع المواطنين المغاربة، لاستقبال صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في مدينتي طنجة في شمال المغرب، في أول زيارة تاريخية، إلى عاصمة شمال البلاد، بعد وصوله إلى العرش، لحكم المملكة المغربية.
قرأت عشرات الكتابات عن الذكرى العشرين، لحكم العاهل المغربي محمد السادس، وفي الغالب وجدت صنفين اثنين مُهيمِنين؛ قراءة تتحدث بلغة الإنجازات، مع تعبير عن الارتياح، وأخرى تقول أن المغرب ليس بخير، بينما قَلَّتِ الكتابات، التي ترسم بكل ألوان قوس قزح، أي تقديم لما كان إيجابيا، في خانة الإنجازات، وما هي المحطات التي لم يصل لها بعد، قطار الإصلاحات، وما هي مقترحات إخراج المغرب من اختلالات التدبير؟ وما هي مقترحات وصفة نجاح المغرب لكسب باقي التحديات؟
فحَراك الإصلاح في المغرب، تدافع مستمر منذ عقدين اثنين، فيطلق العاهل المغربي محمد السادس، ورشة عمل جديدة، فيتفاعل المشهد المغربي، هكذا أرى الأمور من زاويتي.
ومن جهة ثانية، تظهر حاجة ما في المجتمع المغربي؛ يجري التعبير عنها باحتجاج أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر الإعلام، فيقع التفاعل الإيجابي أيضا.
ففي خطاب عيد العرش العشرين، تحدث العاهل المغربي الملك محمد السادس، عن ما أسميه ب “الملكية الاجتماعية”؛ تسمية مغربية جديدة، تعكس الأفق الذي يريد أن يوجه له رئيس الدولة دفة السفينة في محيط إقليمي مغاربي عاد إلى منطقة جغرافية أصبحت برتقالية اللون، أي الاقتراب كثيرا من الخطر المحدق.
يبدو لي أن وطني المغرب، طامح لتحقيق العدالة الاجتماعية، وسط استمرار فوارق اجتماعية واضحة، وحالة من الخلل في الصحة وفي التعليم وفي التشغيل وفي السكن وفي الأمن، أي عدم وصول الخدمات الأساسية، إلى جزء من الشعب المغربي.
كما أن خللا لا يزال يعرفه المغرب، جزء من نخب التدبير، في قطاعات لها أهميتها، تمارس رياضة النعامة، أي دس رأسها في الرمال، غير مبالية، ما دام أن راتبها في نهاية الشهر لا يزال يصل كاملا؛ فلا هي تجتهد في اشتغالها وتبتكر، لما فيه مصلحة البلاد والعباد، ولا هي تريد ترك مكتبها لمن هو أفضل، بل وتحارب نزول مصعد صعود النخب.
كنت ابن 18 عاما من العمر، وكان يغريني الحديث في الإعلام المغربي عن العهد الجديد، وتابعت قارئا نهما، ما سقط بين يدي من ملفات في الصحافة الورقية المغربية، عن هذا العهد الجديد، كنت وقتها تلميذا في الباكالوريا، في تخصص العلوم التجريبية، في ثانوية أبي بكر الرازي، في مدينتي طنجة العالية.
ففي سابقة من نوعها، في تاريخ خطب الملك محمد السادس، تعبير ملكي عن “التألم الداخلي”، لفئة من المغاربة، من الذين “يعيشون في ظروف صعبة”؛ في تقديري هنا يعبر محمد السادس عن “عدم رضا واضح”، حيال واقع حال اجتماعي في المغرب.
هذا ولا يزال التحدي الكبير مغربيا، الانتقال صوب الجيل الثالث لحقوق الإنسان أي الحقوق الاجتماعية والثقافية، وهذا رهان في تقديري يمكن لمغرب “العهد الجديد المتواصل” مع الملك محمد السادس، الوصول إليه.
كما أن نخب التلفزيون المغربي عاجزة عن تسويق ذي مصداقية، بلغة مهنية تنتمي إلى قاموس “الأسلحة الناعمة الفتاكة”، لعقدين اثنين لهما وزنهما مغربيا وعالميا، للعاهل المغربي محمد السادس.
وللأسف الشديد لا تزال المدرسة الإعلامية المغربية تقليدية ومحافظة جدا.
تابعت طيلة 20 عاما، مغربا يتغير صوب الأفضل، بطبيعة الحال، ولكن بسرعتين اثنتين متوازيتين، ولكن غير متكاملتين بَعدُ للأسف الشديد.
نجح المغرب في تحقيق إنجازات غير مسبوقة، في مجال البنيات التحتية؛ فطيلة سنوات دراستي في الرباط، سافرت ذهابا وإيابا لمدينتي طنجة في حافلات عبر الطريق السريع السيار، وهذا إنجاز مغربي بربط عاصمة البلاد الرباط، بأقرب مدينة مغربية إلى أوروبا أي طنجة.
كما تسلح مغرب محمد السادس، بالشجاعة الكاملة، لفتح سنوات الجمر والرصاص، فشاهد المغاربة ضحايا يتحدثون بكل التفاصيل، عن ما جرى، في تمرين مغربي فريد من نوعه، تحقيقا لمصالحة الأمس وإنصافا للجراح.
وفي السنة الرابعة من تكويني الصحافي، في المعهد العالي للإعلام والاتصال، قررت إنجاز بحث تخرج تطبيقي، عن تجربة العدالة الانتقالية في المغرب، ولو بإمكانيات بسيطة، قررت أن أفرد جناحي مغردا خارج السرب الدراسي.
كما أن في المغرب، خطا اقتصاديا، يحقق تراكما إيجابيا في الإنجازات، من ميناء طنجة المتوسط، إلى منطقة طنجة الحرة، وصولا إلى القطار الفائق السرعة، ومرورا أيضا بالمنطقة الأطلسية الحرة، مشروع جديد سيغير منطقة غرب المغرب اقتصاديا.
وفي هذا المغرب، لا تزال مدن وقرى، خارج محور أكادير/ مراكش/ الدار البيضاء/ الرباط/ طنجة، تنتظر نصيبها من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لأن النمو الاقتصادي المغربي، لم يجد معادلة عملية ناجعة؛ تساعده على الضخ المباشر في التنمية الاجتماعية.
ولأنني طيلة 10 سنوات، سافرت في المغرب، باحثا عن أبطال مسلسل التنمية البشرية، فيما يسمى بالمغرب غير النافع، وجدت تجارب ناجحة، تحتاج لتعميم، لأنها وصفات علاج ناجع، ضد الفقر والعزلة والتهميش والهشاشة، ووجدت أيضا مغاربة يرَون أنفسهم خارج كل الحسابات في الرباط.
ففي مغرب العام 2019، حاجة كبيرة لنخب جديدة، قادرة على أن تتحدث لغة موضوعية، لأن الاستمرار بمنطق أن من يناقش بعقلانية هو غير مرغوب فيه، مقاربة غير صحيحة، لأن المغرب يعيش نزيفا غير مسبوق للكفاءات المغربية، التي تحلق خارج الوطن.
وأرى أن العاهل المغربي محمد السادس، يوجه انتقادا واضحا، في اتجاه النخبة المغربية، التي تشرف على التدبير العام.
أنا مغربي مؤمن بما أسميه ب “العهد الجديد المتواصل”، لمغرب الملك محمد السادس، ومؤمن أيضا بأن المغرب يحتاج اليوم إلى استثمار في كفاءات عالية الجودة، بقيت دائما خارج أسوار المؤسسات العمومية والحكومية والأحزاب؛ فلا أحد سعى لاستقطابها، ولا أحد سألها عن رغبتها في المشاركة، في مسلسل إصلاح المغرب.
ففي هذا التوقيت، والمغرب يقف على أبواب العشرية الثالثة، لحكم الملك محمد السادس، النقاش العقلاني يفرض الاعتراف بأن المغرب، تغير صوب الأفضل؛ أي جرى تحقيق “قفزة نوعية” في النمو على المستوى الماكرواقتصادي، في بنية المغرب، أي إصلاحات هيكلية في البناء الاقتصادي للبلاد.
بينما الطفرة المقبلة، في العشر سنوات القادمة، فيتوجب في تقديري، أن تتجه صوب تحقيق تجربة مغربية “في العدالة الاجتماعية المجالية” أي تحقيق تنمية اجتماعية ناجعة.
فطيلة 20 عاما مرت، قاد العاهل المغربي محمد السادس، بكل شجاعة، إصلاحات بصمت المغرب.
وإلى ذلك، وحتى لا أنسى، يبقى قطاع التربية والتعليم، ورشا إصلاحيا مفتوحا، يمكنه أن يكون عربة قيادة للقطار الفائق السرعة، للتنمية الاجتماعية في المغرب، في العُشرية المُقبلة.
كما أعتقد أن نخب المغرب المؤمنة بالإصلاح، والتي لم تأخذ فرصتها بعد، قادرة على الدفع قدما في اتجاه “طفرة مغربية”، تجعل من هذا البلد: “تِنينا إفريقيا”.
فقبل 20 عاما، آمنت بالعهد الجديد للملك محمد السادس، ومعه بكل الورود التي تفتحت في حديقة وطني المغرب.
وهذا الإيمان سيتواصل للعقد الثالث على التوالي، ب “العهد الجديد المتواصل” في المغرب.
فانتمائي إلى هذا الوطن، قناعة شخصية راسخة، لا تحددها أي تطلعات مرتبطة لا بالريع ولا بسلك طريق الابتزاز للوصول لمنصب ما، فالمغرب والملكية والعاهل محمد السادس؛ عقيدة انتماء إلى مدرسة وطنية للوفاء.
فما أقل الموظفين الكبار والصغار، المخلصين والمجاهدين في مكاتبهم من أجل الوطن.
وما أكثر أصحاب ربطات العنق في الرباط، من الذين لا يقدمون أي شيء، ولكنهم حريصون على عدم البقاء في مكاتبهم، بعد نهاية ساعات الدوام أو قبلها، ويبحثون عن كل طريق تؤدي للترقي، ولا يفوتون أي مكافئة مالية ولو لا يعملون.
أعتقد أيضا أن النموذج التنموي الجديد لبلادي المغرب، لا يمكن أن يتم بنفس الوجوه المستهلكة، والحافظة لنفس الجمل الإنشائية، فالحاجة العاجلة، لنخب لها الكفاءة أولا قبل كل شيء.
في 20 عاما مغربيا، تهافتت الأحزاب السياسية المغربية، على تحويل الوطن إلى غنائم، وعلاقتها بالمواطن هي انتخابوية ومناسباتية، فيما علماء المغرب واصلوا توافدهم على بوابات المغادرة في مطارات المغرب.
قبل أن يكون وطني المغرب منصبا، فهو فكرة إصلاح مستمر، أسعد بالمشاركة فيها من موقعي، بكل موضوعية.
أحضر لي النادل بقرب شاطئ على المحيط الأطلسي، في ضواحي مدينة أصيلة في شمال المغرب، شايا أخضرا، بدون لا سكر ولا نعناع؛ فشربت حتى ارتويت.
ومع تكسر أمواج المحيط الأطلسي عند رجلاي، يمر أمامي شريط حلم جميل، اسمه المغرب.