دراسة ميدانية حول خطاب الكراهية بالمغرب

أصدر “المنتدى المتوسطي للشباب” دراسة ميدانية حول خطاب الكراهية بالمغرب.

وتهدف هذه الدراسة التي أشرف عليها كل من عبد اللطيف كداي، سعيد بنيس، محمد طارق، ادريس الغزواني وتنسيق ياسين ايصبويا، إلى الحصول على معطيات ميدانية حول توجهات الشباب (المهاجرين / الإعلاميين / الطلبة) حول خطاب الكراهية، بغية توظيفها في البحث الذي يقوم به المنتدى المتوسطي للشباب بالمغرب بشراكة مع مجلس أوربا ضمن مشروع محاربة التمييز بالمغرب حول موضوع “خطاب الكراهية في المغرب”.

وتنزع هذه الدراسة إلى تقديم بعض الإجابات حول أهم الإشكالات والأسئلة التي يطرحها واقع تنامي خطاب الكراهية بمختلف أبعاده، وذلك من خلال منظورين متمايزين: يتعلق أولهما بحضور خطاب الكراهية في العالم الرقمي، ويتعلق ثانيهما بتمظهرات هذا الخطاب في التفاعلات اليومية.

وتقول الدراسة، إن “خطاب الكراهية موجود وهو قديم ومتجدد، لا سيما مع ارتفاع منسوب التحريض على الكراهية من خلال وسائط التواصل الاجتماعي وانتشار العنف اللفظي بواسطة التنميط والسب والشتم المبني على لغة انفعالية لا تعتمد على العقل؛ بل تعتمد على بعد انفعالي مسطح، وقد كانت محطة 2011 مناسبة لتجديد الحديث عن خطاب الكراهية وهو خطاب مكتسب ومنتج ومشترك يوحي بتراجع مقومات العيش المشترك وتصلب التمثلات الاجتماعية وعدم استيعاب مسارات المواطنة”.

وأضافت أن خطر خطاب الكراهية يتمثل في الانتقال به من كيانات سياسية أو مدنية إلى شخصنته، “فمثلا قد تمر خطابات الكراهية في بعض جلسات البرلمان أو في بعض الاحتكاكات الطلابية وعلى المواقع الاجتماعية” تورد ذات الدراسة. وأوضحت أن “كل هذه المظاهر تجد لها مبررات ودوافع مختلفة، منها ما يرتبط بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الباعثة على ثقافة العنف والتعميم كآلية للاستقطاب وإعادة انتشار وتأجيج العنف وتوغل مقولات الكراهية وشحن الفئات الهشة والفقيرة عبر اعتماد نماذج المظلومية وكذلك النزعة الشوفينية الاختزالية للهوية لتي تزرع الحقد والإقصاء”.

وتأتي الدراسة، وفق ذات المصدر، للوقوف على المكتسب التشريعي الوطني في علاقة تلاؤم مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمناهضة خطاب الكراهية، وتتوخى رصد التمثلات المجتمعية من مختلف التعبيرات والألفاظ والسلوكات التي تنم عن الكراهية والعداء وتهدد منظومة التعايش والاختلاف وتقوض مقاربات التنمية الناعمة.

كما تتوخى الخروج بتوصيات من أجل إعادة الاعتبار للثقافة المحلية وذلك لاجتثاث ثقافة الكراهية المتفشية بين المنتمين إلى جهات ترابية مختلفة وإبراز خطاب المصالحة، ووضع ملامح استراتيجية مدنية على المستويين المتوسط والبعيد تمكن من تفكيك بؤر التوتر والابتعاد عن الخطاب الإثني وتذويب النزاعات وتعايش الهويات الفرعية ضمن الهوية المواطنة والمساهمة في تثبيت السلم المجتمعي والإنصاف الهوياتي وخلق مناخ من التسامح والاعتراف بالآخر.

إشكالية الدراسة وفرضياتها

انصب اهتمام هذه الدراسة على فهم وتحليل محددات خطاب الكراهية بالمغرب في سياقات مختلفة (الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والجامعة، والحياة اليومية)، الشيء الذي سيسلط الضوء على قدرة المجتمع المغربي على العيش المشترك والتكيف مع بعض الخطابات الجديدة داخل المجتمع.

و تسائل ظاهرة خطاب الكراهية بعض المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع المغربي، والإجابات التي طورها من أجل الحفاظ على التوازن بين حرية التعبير واحترام الآخر وتقبله، حيث أنه يبقى من ضروري فهم السياق والثقافة من أجل إثبات ما إن كانت بعض الممارسات والخطابات تؤدي إلى الكراهية أم لا.

و ركز ت الأبحاث حول خطاب الكراهية، في جزء كبير منها ، على التمييز بين المقاربة الأمريكية والأوروبية في التعاطي مع خطاب الكراهية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية تمتد حماية حقوق حرية التعبير إلى ما هو أبعد بكثير مما هو مسموح به في أوروبا، فالسمة الأساسية للمقاربة الأمريكية هي أنها تؤكد على الحاجة إلى تحديد خطر واضح ومحدد حتى يتم على أساسه حظر أنواع معينة من التعبيرات أو المعاقبة عليها، في المقابل اختارت العديد من البلدان الأوروبية بما في ذلك ألمانيا وفرنسا مقاربة تقوم على حظر أنواع معينة من الخطابات ليس فقط بسبب احتمال إيذائها للآخر، وإنما بسبب محتواها.

تجعلنا هذه الثنائية، تضيف مقدمة الدراسة “في التعاطي مع هذا الخطاب، مدركين لأهمية العنصر المهدم في خطاب الكراهية داخل المجتمعات بشكل عام، الشيء الذي جعلنا في المغرب ننتبه لمدى قوة تأثيره المباشر على الأفراد والجماعات وتقويضه للتماسك الاجتماعي، كما أنه يضرب عمق القيم التي تعتبر أساس بناء المجتمع المبني على الاختلاف”.

واعتبرت أن “تحول طبيعة نسيج المجتمع المغربي إلى مزيد من التعددية الثقافية والإثنية والدينية، خاصة بعدما أصبح المغرب بلد استقبال المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، وكذا تنامي بعض الخطابات المتعاطفة مع الحريات الدينية والجنسية … جعل المغرب يعرف في السنوات الأخيرة عدة أحداث أثارت الاهتمام بمسألة التحريض على الكراهية، غير أنه ينبغي التشديد على أن الكثير من هذه الأحداث التي حدثت خلال السنوات الماضية قد تضمنت كذلك – بدرجات متفاوتة- عنصر التحريض على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية”.
و”إذا كانت السمات، الأكثر شيوعا، التي يبنى عليها خطاب الكراهية هي: الدين والعرق والأصل الإثني والنوع الاجتماعي والتوجه الجنسي والطبقة الاجتماعية والإعاقة، فإن هذا الخطاب يتخذ أشكالا تتمايز بين الفيديوهات المبثوثة والمقالات المكتوبة والصور … وصولا إلى التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. لهذا نتساءل عن مدى كفاية التشريعات الدولية للتصدي لخطاب الكراهية، وما مدى توفر المغرب على ترسانة وطنية واضحة المعالم لدحض الكراهية في كل صورها التقليدية والجديدة؟ وما هي المحددات السوسيولوجية لهذا الخطاب في الواقع الاجتماعي المغربي؟” يضيف ذات المصدر.

وفقا لهذه التساؤلات البحثية، تفترض الدراسة أن محددات “خطاب الكراهية متعددة الأبعاد في طبيعتها (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية والجغرافية ، إلخ)، بناء على المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية (الجنس، والعمر، ومستوى التعليم، والحالة الاجتماعية، والنشاط المهني، ونوع الموطن، والوصول إلى المعلومات والتكنولوجيات الجديدة…)، وذلك من خلال البحث في القيم، والخطاب الإعلامي، والنوع الاجتماعي”.

كما تفترض أن هذا “الخطاب هو خطاب مكتسب ومنتج ومشترك يوحي بتراجع مقومات العيش المشترك وتصلب التمثلات الاجتماعية وعدم استيعاب مسارات المواطنة”.
وعلى هذا الأساس، خلصت الدراسة إلى أن “خطاب الكراهية متعدد الأبعاد وخاضع لشروط اجتماعية مختلفة منها ما يرتبط بالتمثلات الاجتماعية، ومنها ما يرتبط بالمهننة الإعلامية، ومنها ما يرتبط بالسلطة”.

نطاق الدراسة

 النطاق المكاني: شملت الدراسة مختلف جهات المغرب.
 النطاق الزمني: يشمل نطاق الدراسة النصف الأخير من سنة 2020.
 النطاق الشخصي: تركز الدراسة على ثلاثة فئات مجتمعية، تشمل العينة الأولى الطالبات والطلبة، والعينية الثانية تشمل الصحفيات والصحفيين، مع تخصيص العينة الثالثة للمهاجرات والمهاجرين.
 النطاق الموضوعي: تركز الدراسة على تحديد الإطار المفهومي والمرجعي الدولي المؤطر لخطاب الكراهية، وتقييم الترسانة الدستورية والقانونية المغربية في علاقتها بمناهضة خطاب الكراهية، مع الوقوف عند تمثلات المجتمع المغربي في علاقتها بمناهضة خطاب الكراهية.

منهجية الدراسة

1. المنهج المعتمد

تعتمد هذه الدراسة خطاب الكراهية في المغرب، بدءا من تحديد وضبط الإطار المفاهيمي لخطاب الكراهية، عبر الكشف عن تجليات المفهوم في مختلف الحقول المعرفية ذات الصلة باللغة وعلم الاجتماع والقانون والشرعة الدولية لحقوق الإنسان إعمالا لمنهجيات البحث المقارن، بعد ذلك الانتقال إلى تجميع ودراسة الترسانة القانونية الدولية ذات الصلة بمناهضة خطاب الكراهية من إعلانات واتفاقيات دولية وقارية عبر إعمال المنهج الاستقرائي. والدراسة أيضا هي فرصة لتحليل وتقييم الأطر المرجعية الوطنية من دستور وتشريعات ذات الصلة ودراسة مدى ملائمتها مع الاتفاقيات الدولية إعمالا لمنهج البحث القانوني الاستقرائي، وصولا إلى إعمال منهج البحث العلمي السوسيولوجي والذي سيمكن الدراسة من الوقوف عند تمثلات المجتمع المغربي لخطاب الكراهية. كل هذا يجعل المناهج التي تحكم الدراسة هي:
 المنهج الاستقرائي: الذي ينطلق من رصد الصكوك الدولية الموقعة والمصادق عليها من طرف المغرب، ومستويات ملائمة الدستور والقانون المغربي معها في علاقة بمناهضة خطاب الكراهية.
 المنهج التحليلي ( كمية / نوعية): الذي يمكن من تحليل السياق الدولي والوطني في علاقة بتطور خطاب الكراهية، ودراسة تطور الشرعة الدولية لمناهضته، في علاقة بالتشريع المغربي. كما اعتمدنا هذا المنهج أيضا لتحليل المعطيات الكمية والكيفية التي استقيناها من عينة تم اختيارها بشكل قصدي نظرا لصعوبة ضبطها بشكل إحصائي، وبالتالي فهذه النتائج لا تخضع لشرط التعميم، بل مكنتنا من فهم الاتجاهات العامة لخطاب الكراهية بالمغرب عند الفئات المعنية بالدراسة.

2. أدوات جمع المعطيات

اعتمدت هذه الدراسة على بحث استكشافي كمي وكيفي بمختلف جهات المغرب، ارتكز على ثلاثة دلائل للاستمارة وثلاثة دلائل للمقابلة (انظر الملحق (، خصص لكل فئة على حدة دليل لكلتا الأداتين يتضمن معطيات شخصية للمبحوث(ة) بالإضافة إلى محاور خاصة بكل فئة على حدة. هذا بالإضافة إلى ثلاث مجموعات بؤرية مع نفس الفئات المعنية بالدراسة. لقد شمل دليل المقابلة الخاص بالطلبة الشباب 12 محورا و4 محاور خصص لدليل الإستمارة. ركزت هذه المحاور بالخصوص على محددات ظاهرة خطاب الكراهية داخل الجامعة المغربية ومحور الفئات الطلابية ضحية خطاب الكراهية ومحور فضاءات خطاب الكراهية في صفوف الطلبة ومحور أزمنة خطاب الكراهية داخل الجامعة المغربية ومحور التجربة الشخصية في خطاب الكراهية ومحور أدوات وآليات التصدي لخطاب الكراهية داخل الجامعة ومحور المخرجات والاقتراحات الشخصية للمستجوب حول خطاب الكراهية في صفوف الطلبة الشباب.

فيما يتكون دليل المقابلة الموجهة للإعلاميين الشباب من خلال11 محورا، كما تضمن دليل الاستمارة 4 محاور. لقد همت هذه المحاور محددات ظاهرة خطاب الكراهية في الإعلام المغربي والفئات المجتمعية موضوع خطاب الكراهية في الإعلام المغربي وتمظهراته داخل الجسم الإعلامي وبيئته في الإعلام المغربي والتجربة الشخصية مع خطاب الكراهية وأدوات وآليات التصدي لخطاب الكراهية في الإعلام المغربي والمخرجات والاقتراحات الشخصية للمستجوب. أما فيما يتعلق بالمقابلة التي خصصت للمهاجرين جنوب الصحراء فقد تضمنت 8 محاور، فيما تضمنت الاستمارة 4 محورا. همت هذه المحاور الهجرة والفئات المجتمعية ضحية خطاب الكراهية بالمغرب والتجربة الشخصية مع خطاب الكراهية والممارسات الفردية لخطاب الكراهية وآليات محاربة خطاب الكراهية ضد المهاجرين والمقترحات والمخرجات الملائمة بالنسبة للحالة المغربية.

لقد تم الاعتماد أيضا في هذه الدراسة على أداة المجموعات البؤرية من خلال دليل موحد للفئات الثلاثة المعنية بهذه الدراسة. وتركزت محاور دليل المجوعة البؤرية حول تعميق نتائج الاستمارة والمقابلة.

أهداف الدراسة:

1. الهدف العام:
إجراء دراسة تحليلية قانونية اجتماعية لخطاب الكراهية بالمغرب، والمساهمة في رفع الوعي المجتمعي حول أسباب استخدام هذا الخطاب وأشكاله وعواقبه، وطرق التعامل معه، مما يمكن من إنشاء أدوات ومعايير للحد من استخدام خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
2. الأهداف التفصيلية
1. تسليط الضوء على الإطار المفاهيمي لخطاب الكراهية في مختلف التخصصات العلمية ذات الصلة؛
2. رصد التطور الاتفاقي الدولي في مجال الاتفاقيات والإعلانات الدولية المؤطرة لمناهضة خطاب الكراهية؛
3. تقييم مستويات ملائمة الإطار القانوني الوطني مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمناهضة خطاب الكراهية؛
4. تقييم تمثلات المغربيات والمغاربة حول خطاب الكراهية.

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *